سلمان الدوسري
.. ولأن نار الطائفية في منطقتنا اشتعلت حتى بلغت درجة رئيس وزراء، ولأن العراق العظيم ساء حاله إلى أن غدت الطائفية خطا حكوميا ممنهجا وبشكل فاضح، هاهو نوري المالكي الجاثم على صدور العراقيين، سنتهم وشيعتهم، يستفز مسلمي العالم، معلناً أن “كربلاء يجب أن تكون قبلة العالم الإسلامي”، متأملاً أن تكون هي “القبلة التي نتجه إليها في اليوم خمس مرات”. تخيلوا حتى أكثر المتطرفين لم يفعلها. أتعبت الطائفيين من بعدك يا نوري.
ليست المرة الأولى التي يتفوق بجدارة الحس الطائفي عند المالكي على الحس السياسي، وله سوابق لم يبلغها مسؤول قبله، حتى المسؤولون الإيرانيون على الرغم من تصدرهم وتخطيطهم للمشهد الطائفي بأكمله، لم يفعلوها بهذه الصفاقة واللغة الاستفزازية التي يفعلها مندوبهم. لذلك فإن حديثه الخطير جداً حلقة مترابطة مرسومة بدقة، لرفع وتيرة الطائفية بدرجة واضحة. المالكي يسير في الطريق نفسه الذي سلكه قبله زعيم حزب الله حسن نصر الله، ويتفوق عليه بأنها المرة الأولى التي ينزلق فيها رئيس وزراء، إلى هذا الانحدار الرهيب ورمي مزيد من الحطب على نار الطائفية المستعرة أصلاً.
لم يعد يهم المالكي انعكاسات دعوته البغيضة على مسلمي العالم، فهو أصلاً لم يهتم بمواطنيه وهو يصفعهم برغبته في استبدال صلواتهم الخمس يومياً من مكة المكرمة شرفها الله إلى كربلاء، وأيضاً لم يعد يحسب المالكي أي حسابات سياسية لتفاعلات موقفه الطائفي، فقد حرق كل مراكب العودة تجاه الدول العربية، وأبقى مركباً يتيماً يسير في اتجاه واحد: طهران وأتباعها. إيران تخطط والمالكي وحسن نصر الله ينفذان، والعقول الخاوية في منطقتنا تصدق!
بدعوته إلى استبدال قبلة المسلمين وتوجيهها إلى كربلاء لم يترك المالكي أي مجال للوم متطرفي الشيعة مستقبلاً، فقد أعطاهم غطاءً للمضي في تطرفهم أكثر وأكثر. هل علينا أن نلوم جيش البطاط المتطرف مثلاً وهو يطلق صواريخ على الأراضي السعودية؟ هل لنا أن نصدق أن السجناء السعوديين في العراق هم فعلاً إرهابيون والأحكام التي صدرت ضدهم أحكام عادلة؟ ماذا عن الميلشيات التي فتح لها العراق حدوده لتعاون نظام الأسد في قتل السوريين، عني شخصياً لا أظن أن حكومة تصدر الطائفية بهذه الشكل المقيت، وتشرعها بشكل رسمي لم يسبق له مثيل يمكن أن يكون لها ربع مصداقية في أي أحكام قضائية أو قرارات سياسية.
عندما قال بشار الأسد في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، إنه مستعد وقادر على إشعال الخليج عبر جماعات إيرانية، كان يعنيها فعلاً، وكان الجميع يتوقع ذلك والجماعات المتطرفة مثل فيلق القدس أو حزب الله على أهبة الاستعداد، الجديد هنا أن حكومة المالكي دخلت على الخط وكأنها في الأمتار الأخيرة للسباق وتريد أن ترمي بثقلها وترجيح الكفة التي تميل إليها، طبعاً الميلان كل الميلان للجار على الحدود الغربية ولا غيره.
من الطبيعي أن يكون هناك موقف إسلامي وخليجي قوي يواجه التخرصات المالكية الطائفية، فهو تجاوز كل الحدود وتطاول على عقيدة أكثر من مليار مسلم. ولم يعد يختلف عن أولئك الذين شتموا الإسلام وتطاولوا على الرسول الكريم، ثم قامت قائمة العالم الإسلامي عليهم حينئذ. الفرق الوحيد أن المالكي تطاول وهو رئيس وزراء وليس مخرجا سينمائيا أو رساما كاريكاتيريا لا يعرفه أحد.
*نقلاً عن “الاقتصادية” السعودية.