لوحات تجسد الصور الإنسانية والأرضية والكونية
عصمت شاهين دوسكي
تميز الفن التشكيلي السريالي الذي نشأ في فرنسا وازدهر في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين بالتركيز على كل ما هو متناقض وغريب ولا شعوري ، عالم بعيد قد يدمج الواقع مع الحلم والخيال وليس هي بعد عن الحقيقة كما يتصورها البعض بل تجسد الأفكار المكبوتة والرؤى الخيالية وتصورات الأحلام ، كان فرويد ونظرياته في التحليل النفسي والأحلام له الأثر الكبير في الفن التشكيلي السريالي ، وقدرة الفنان على التلقائية والإبحار في الرؤى النفسية واعتماده على الأفكار اللا شعورية والشعورية ويقينه بالأحلام وقدرتها الواسعة في التأويل والتحليل والتأثير تهبه عالم من الألوان والأشكال بلا حدود ، واعتمدت السريالية على المضمون الفني الفكري الحسي الانفعالي وبرأيي لا تعتبر غامضة أو معقدة بقدر ما هي تبعث وتخلق رؤى وأفكار فنية تشكيلية رمزية تسمح للمتلقي بشكل أوسع أن يشارك في التحليل والتأويل فما وراء الأشياء والأشكال والرموز تكمن الحقيقة .
الفنان التشكيلي صلاح ريكاني الذي يحمل دبلوم في الإخراج المسرحي معهد الفنون الجميلة – الموصل 1983 م وبكالوريوس فنون مسرحية كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد – 1986 م تراكمت خبراته بين الفن التشكيلي والمسرحي والتلفزيوني والسينمائي ليس داخل العراق فقط بل في الأردن والسعودية وكوردستان ودول أخرى فقد أقام ( 8 ) معارض شخصية في الفن التشكيلي وشارك في ( 18 ) معرض تشكيلي داخل وخارج العراق ،وفي المجال المسرحي أخرج ( 10 ) مسرحيات وفي التمثيل مثل بطولة ( 50 ) مسرحية دور رئيسي و ( 10 ) دور ثانوي وفي التلفزيون أربعة مسلسلات وفلمين وفي السينما ستة أفلام أحدها ( دوز ) فلم كوردي للمخرجة فيان مائي بأدوار رئيسية ، بهذه الخبرة الفنية المتنوعة القيمة يعتبر صلاح ريكاني الفن التشكيلي خاصة ثقافة عالية لا تخص المترفين ولا هو عنصر للبذخ واللهو لأنه جزء من ثقافة الناس وممارساتهم اليومية بكل مجالاتها من رسم وتصميم وعمارة وديكور يشكل اتصال فعلي مباشر مع البيئة مع الإنسان ، فهي موهبة فنية عبقرية لها مدلولاتها واعجازاتها مهما اختلف الناس في نظرتهم للفن المعاصر ورغم تداخل الحضارات
والثقافات في العالم ، ومن خلال منهجية فنية خاصة سليمة تؤدي إلى التثقيف والممارسة الصحيحة بتسخير أدوات التكنولوجية العصرية والوصول إلى مفاهيم الفن الحديث تخدم البشرية ، وقد يسأل القارئ ما هو الفن التشكيلي ؟ هو كل شيء يؤخذ من طبيعة الواقع ويصاغ بصياغة جديدة ، أي يشكل تشكيلاً جديداً، وهذا ما يطلق عليه كلمة (التشكيل) . وما هو الفنان التشكيلي ؟ الفنان التشكيلي الباحث الذي يقوم بصياغة الأشكال .آخذاً مفرداته من محيطه. ولكل إنسان رؤيته ونهجه ، لذا تعددت المعالجات بهذه المواضيع ، مما أضطر الباحثون في مجالات العطاء الفني الصعب والمليء بالغموض والأنفاق السرية أن يضعوا نتاج عملهم تحت إطار ( المدارس الفنية ) .الفنان التشكيلي صلاح ريكاني ومنذ الصغر تنامَ لديه روح البحث والتحري والمغامرة والغور في الصعاب والمجهول ، لم تشبع دواخله سوى أن يدخل هذا المعترك الفني الصعب ولم يكتفي بدراسة و ممارسة الفن المسرحي الذي كان حلم الطفولة أبى إلا أن يضيف مصاعب أخرى على صعوبة ممارسة هذا الفن النبيل باعتباره ممارسة حياتية في مواجهة يومية مع المتلقي وبما أن فن الرسم كان التوأم لفن المسرح فترعرع الاثنان سوية في ضميره و تفكيره و حياته اليومية لينقسم هذا الضمير وهذا التفكير وهذه الحياة بين هذين التوأمين الذين لا يغادرا جسده وفكره وخياله وأحلامه وأهدافه في يومه وعمله بل حتى يقاسمانه مضجعه في ليله وحلمه في السبات لهذا اختار أصعب الأعمال إخراجا وتمثيلا ، وفي الرسم المدرسة السريالية خصوصا بعد معرفته إن الفن السريالي هو نصف استعادة الذاكرة ونصف حلم مع حرية تامة في الصورة التلقائية لأبعد الحدود بين العقل والخيال وبين الوعي واللا وعي وسطوة الأحلام وتلاعب الفكر الحر بفضل اطلاع الشاعر آندريه بريتون على أفكار الفيلسوف سيغموند فرويد وعدم التقيد بالكلاسيكية الفنية والشكليات المملة ، فأحب هذه المدرسة مثلما أحب جنون مؤسسيها والعاملين على نهجها ومنهم ، خوان ميرو ، آرب آيرنست ، وسلفادور دالي وغيرهم . .
الفنان التشكيلي صلاح ريكاني في لوحاته يجسد معاني الحياة ومفاهيمها العميقة مع تساؤلات تتجلى عبر الألوان والأشكال . ففي إحدى اللوحات التي اعتبرتها ( ولادة ) شكل بيضة وأيدي وأرجل تخرج منها على ارض مخضرة والسماء ملبدة بسحب على شكل وجوه مختلفة والقمر في عمق السماء ، وكأن هذه الولادة تحتاج إلى من يهتم بها في واقع صعب العيش فيه .
ولوحة تفاحة آدم التي غيرت وجسدت الحياة بكل تناقضاتها بين الخير والشر والنزوة والعفة والبخل والعطاء والحب والأنانية ، وهي رمز تاريخي عميق يجدد تجليات الموت والولادة ، الجمال والقبح ، الغريزة والقدسية .
ولوحة الجن التي تعكس تصورات الإنسان في الوحدة بين جدران أربعة وغياب الناس وعدم التواصل الاجتماعي خاصة حينما يكبر الإنسان فلا يجد الاهتمام والرعاية حتى من أقرب أقربائه وأهله وأصدقائه ، فيجد نفسه منفيا بلا فناء ، لاجئا في وطنه بلا لجوء ، غريبا مغترب الروح بلا نزوح ، في حين يكون بأمس الحاجة إلى الناس والأهل والأقرباء والأصدقاء ، كأن الإنسان يطبق مقولة ( يولد غريبا ويموت غريبا ) .
ولوحة الموج والعروسة حيث أمواج المجتمع التي تقيد وتضرب أحلام المرأة عرض الحائط وتجدها وحيدة بفستانها الأبيض مع أحلامها التي كبرت معها ورغبت أن تتحققها في حياتها التي تمثلت بالطيور البيضاء التي تطير بعيدا عنها وأمواج المجتمع والقوانين والشرائع الإنسانية والبحر العاتي الهائج خلفها يلاحقها ،على ارض هشة مشروخة بشقوق المجتمع والتقاليد والذكورية الباطلة ، كأنها تبحث عن حل أو خلاص رغم سكونها . ونظراتها إلى أماكن بعيدة .
، وهكذا في لوحاته شهيد الحرية ، حواء ، الحرب ، حلم آخر ليلة ، نازحون بلا ظل ، خدعة ، السباحة في العلن ، أمل ، غيث ، الرطوبة والحياة ، رأس العواء ، وغيرها اللوحات من الأفكار التي تناغمت مع الحياة بصورتها الإنسانية والأرضية والكونية ، وهذه بحد ذاتها تحتاج إلى خبرة فنية وتقنية عصرية تدمج الماضي بالحاضر لتظهر بصورة عصرية حضارية ترضي مفهوم الفنان التشكيلي صلاح ريكاني وفي نفس الوقت تعالج هذه التناقضات والمعاني والمفاهيم البشرية ، وترسل رسالة فنية إنسانية للعالم .
*************************
صلاح الدين محي الدين ياسين – مواليد 1963 م
الاسم الفني : صلاح ريكانى
العنوان الحالي – دهوك – كوردستان العراق
التخصص : مسرحي ، تشكيلي ، تلفزيوني ، صحافة
مسؤول الشعبة التشكيلية نقابة الفنانين / نينوى 1983 م
عضو لجنة الاختبار العلمي والتقني المسرحي كلية الفنون / 1997 م
محاضر قسم المسرح كلية الفنون نينوى / 1996 – 2000 م
رئيس مختبر وكالاري الفنون التشكيلية نينوى / 1997 م
رئيس فرقة مسرح الجماعة نينوى / 1998 م
مدرس الفنون المسرحية معهد الفنون الجميلة دهوك / 2001 م
مدير معهد الفنون الجميلة دهوك / 2006 – 2007 م
رئيس تحرير مجلة الفنون الجميلة دهوك / 2007 – 2008 م
محاضر قسم المسرح كلية الآداب دهوك جامعة دهوك / 2006 – 2012 م
مدير وصاحب شركة فيلان للإنتاج والتوزيع الفني
حاليا مدير الإعلام والعلاقات العامة لمجموعة فين الطبية
له عدة جوائز وشهادات تقديرية في المجال المسرحي والتشكيلي
صدرت له عدة دراسات وبحوث حول مسرح الطفل ومسرح الدراسي والمسرح الشرقي والإبداع والاتصال وأهمية الإعلان التجاري وغيرها .