قال تعالى في سورة البقرة 11ـ 12 (( وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون إِلَّا إِنَّهُم هم المفسدون وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ)).
في الأفراح عندما يعبرون عن الحمق والسلوك السخيف أو غير المألوف، يستشهدون بالمثل العراقي الطريف” عندما انتهى العرس جاءت الرعنه تهلهل”، وفي الأتراح يمكن القول “عندما انتهى العزاء جاءت الرعنه تنوح”. وهذا ما ينطبق تماما على تنظيم الدولة الإسلامية، بعد ان جعل نسبة الخراب في محافظة الأنبار 80% وصارت الميليشيات الموالية لدولة الفقيه هي المتحكمة في محافظة ديالى، وفي صلاح الدين صارت عشيرة الجبورـ من سنة المالكي ـ الحاكم المهيمن على مناصب المحافظة علاوة على البرلمان، وفي الموصل بلغت نسبة الدمار 80%، وصارت كركوك محافظة كردية رغم أنف الحكومة والبرلمان العراقي، وقد تحدى محافظ كركوك حيدر العبادي بشكل سافر ويدعو الى العجب بشأن رفع علم الأكرد في المحافظة!
في شريط فيديو تم تناقله مؤخرا من (إصدار المكتب الإعلامي لولاية ديالى) بعنوان ( بلاد فارس بين الامس واليوم) في حوالي 36 دقيقة، تضمن كلاما خليطا بالعربية والفارسية حير الكثير من المراقبين السياسيين، سيما أن الكثير منهم سبق أن إنتقد تنظيم الدولة الإسلامية بسبب تغاضية المحير عن الدور الإيراني في العراق والمنطقة، فإيران ونظامها وآياتها العظمى والصغرى كانت بمنأى عن إنتقاد وتهديد التنظيم منذ تأسيسه لغاية صدور هذا البيان الأخير، الذي تزامن مع خسائر التنظيم الكبيره في جميع قواطع العمليات .
جاء فيه ” هذه رسالة منا الى الحكومة الصفوية الرافضية، الكتيبة التي ترونها مجموعة من الاخوة الفارسيين في كتيبة سلمان الفارسي، إنها رسالة وانذار لاهل الشرك والردة الى المجوس والروافض، يجب أن ان تكفوا ايديكم وتلقوا اسلحتكم من اكتافكم والتي هي لقتل اهل السنة على الارض والا فستكون عاقبتكم مثل هؤلاء المرتدين”. وتخلل الفيلم إطلاق رصاص على صور نظام الملالي، ونحر عدد من من عناصر منظمة بدر، كنا يدعي احد مقاتلي التنظيم، ويوجه في النهاية رسالة الى الخامنئي والمجرمين معه حسب تعبيره بقوله ” اعلم يقينا اننا سندمر لك بيتك كمثل هذا الذي تراه بإذن الله تعالى، سنعيد فتح ايران واعادتها مسلمة سنية كما كانت”.
سنترك ضعف الرسالة من الناحية اللغوية والتعبيرية جانبا، ونناقش مصمونها. فهذه هي المرة الأولى التي يصف التنظيم فيها إيران بالدولة الصفوية الرافضية، والشعب الإيراني بالمجوسي وأهل الشرك.
المثير في أمر الرسالة إنه كما يلاحظ، فجأة تفجرت عبقرية ابو عمر البغدادي وأدرك ان من يواجهه في أرض المعركة قوات عسكرية من كل حدب وصوب، لا يجمعها سوى كراهية التنظيم ومحاولة التخلص من شروره التي انحصرت في المحافظات السنية، والتي دفع أهلها ثمنا باهضا في الأروح والممتلكات، وشهدت نزوح الملايين بسبب إحتلالها من قبل التنظيم، ودمرت تماما بحجة التحرير مع ان هناك اشكالية في توصيف ما حدث هل هو تحرير ام تدمير؟ لأنه لا يمكن ان تجمع التحرير والتدمير في بوتقة واحدة!
في ضوء إفلاس الخزينة العراقية لا يمكن ان تقوم الحكومة بإعادة إعمار ما دمرته هي من جهة وداعش من جهة أخرى. وفي الوقت الذي أكدت فيه دول الخليج العربي رغبتها بإعمار العراق فأن دولة الفقيه لم تفكر في هذا الجانب بتاتا، فهي مستعدة لإرسال الأطنان من الأسلحة والذخيرة الى العراق، ولكنها ترفض إرسال أطنان موازية من المواد الذائية والأدوية أو تساهم في تعمير المناطق المحررة كما تُوصف، لأنها ساهمت عبر ميليشياتها بتدميرها، او على أقل تقدير علاج الجرحى من الحشد الشعبي وبقية عناصر الميليشيات الموالية لها.
فجأة أدرك البغدادي انه في جبهات القتال المقابله له كان الفائد الفعلي لساحة العمليات هو الجنرال سليماني وضباط الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي، ولولا الزخم الأمريكي في الموصل للمع إسم سليماني ثانية كبكل التحرير، مع أن انصاره لم يقصروا في تحقيق رغبته بإسقاط سقوف بيوت أهل السنة على رؤوسهم، وإستباحة مدنهم وخيراتهم، وحرق وتخريب ما لم يتمكنوا من سرقته، وتهجير الملايين منهم، وحظر عودتهم بعد تحرير مناطقهم من داعش، والدليل أطراف بغداد وجرف الصخر وصلاح الدين وديالى.
فجأة أدرك البغدادي انه لا توجد ميليشيا سعودية او تركية او قطرية تقاتله على الأرض او في السماء، بل قوات هجينة وميليشيات تابعة عقائديا للولي الفقيه، ولا يجد زعمائها حرجا من الإعلان بكل صلافة ووقاحة أمام الملأ بأن قائدهم الفعلي الجنرال سليماني، وانهم بإمرة الولي الفقيه وليس حيدر العبادي، بل هددوا الأخير من مغبة حلٌ ميليشيا الحشد بعد تحرير الموصل فأذعن رغم تعهده للرئيس الأمريكي ترامب بحلها..
فجأة أدرك البغدادي ان العقيدة التي تختلف معه جذريا هي العقيدة الصفوية المبنية على رفض السلفية بكل أشكالها وأنواعها، وإستقطاب الشيعة العرب إلى جانبها بدعايات تكلفها المليارات من الدولارات، رغم إقتصادها المتردي، لكن هذا الجانب لا تحيد عنه قيد أنملة، فهي تضخ المليارات من الدولارات على عملائها في المنطقة.
فجأة أدرك البغدادي ان النظام الإيراني هو النظام الوحيد الذي لم يجرأ على إنتقاده أو الإشارة اليه صراحة او إيماءا، وان الخامنئي وبقية مراجع الشيعة كانوا بمنأى عن تهجمه مع انه تهجم على معظم علماء الدين السنة، والغريب ان المرجع الشيعي علي السيستاني وليس الشيخ القرضاوي او مفتي السعودية من أطلق فتوى الجهاد الأكفائي وحشد اتباعه لقتال التنظيم.
فجأة أدرك البغدادي ان ساحة قتاله كان يفترض ان تتركز ـ أو على أقل تقدير أن لا تقتصر على الدول العربية وتركيا فقط ـ على الساحة الإيرانية وفقا للمعطيات على الأرض، حيث يفترض أن تكون إيران الساحة الأولى لعملياته بعد العراق.
لكن هل أدرك البغدادي هذه الحقائق متأخرا، وقبل أن تنتهي الصفحة الأخيرة من القتال، فيجر معه ذيول الخيبة لسوريا كملاذ وحيد له؟
من يعتقد ذلك ويعقله لا عقل له! ومن يًحسِب البغدادي على أهل السنة لا عقل له أيضا! ومن لا يحسب أن أجندة نظام الملالي وتنظيم الدولة بشأن أهل السنة واحدة لا عقل له أيضا.
ان تدمير المحافظات السنية وقتل ابنائها وتهجير اكثر من اربعة مليون منهم، وسيطرة الميليشيات الموالية لإيران على محافظات صلاح الدين وديالى وأطراف بغداد هي أهداف إيرانية معلنة لا تقبل الجدل، حتى لو سترها رجال السياسة، فرجال الدين يصرحون بها.
التنظيم الذي يمتلك من الإمكانات المعلوماتية والتقنية والعسكرية واللوجستية والمخابراتية التي جعلت العالم كله يتحشد ضده للقضاء عليه، ولولا التحالف الدولي لبقيٌ التنظيم يتمدد، ولما تمكن الجيش العراقي وملحقاته من الميليشيات بتحرير متر واحد، لا يمكن ان يدرك الحقيقة في نهاية المطاف.
هذا البغدادي المحاط من قبل رجال مخابرات أذكياء عجزت مخابرات الولايات المتحدة وأوربا عن كشف مكانه وإستهدافه، لا يمكن ان يكون جاهلا بمن يقف معه ومن يقف ضده. كما قيل حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له.
يبدو أن المسرحية خُطط لها بأن تنتهي على هذا النحو، حيث الفصل الأخير منها يخصص للتهجم على الفكر الصفوي ورجاله وأقزامه في المنطقة، والإنفتاح على الساحة الإيرانية بعمليات إرهابية، وها بالطبع لا يعقل، ولا توجد مؤشرات واقعية على حدوثه، وقوادم الأيام هي الحكم.
يبدو كذلك ان المسرحية الجديدة أعدت أصلا في إيران، والتهجم الجديد أخرجته المخابرات الإيرانية بعد أن تعالت الأصوات مستغربة من إستبعاد إيران ونظامها من خطابات البغدادي التحريضية. وإلا هل هناك من تفسير منطقي لتغير إستراتيجية التنظيم تجاه نظام الملالي؟
أنشد زياد الأعجم:
لله درّك مــن فتى … لو كنت تفعل ما تقول
واللبيب تكفيه الإشارة.
علي الكاش
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
١: بصراحة أرى أن نشوة انكسار العراق قد أنسى ملالي قم وطهران أن ألله موجود ؟
٢: وألله ستبقى دماء الأبرياء تستصرخ الثار منهم ، خاصة أن معظم العراقيين لا ناقة لهم ولا جمل بالقادسيتين إذ كانت رغم أنفهم ، ولكنه العمى والغرور ؟
٣: وأخيراً …؟
والله لولا المسخ المرتشي أوباما لما تجرأ الملالي عبور دجلة وليس الفرات ، وهيهات أن تدوم ذيولهم وخبثهم ، سلام ؟