طلال عبدالله الخوري 28\10\2014 مفكر دوت اورج
كثر الجدل مؤخرا لماذا نجح الربيع العربي التونسي وفشل في كل من مصر وسوريا واليمن وليبيا؟ ولو مبدئيا حتى الوقت الحاضر على الاقل؟ وقد كانت الاجوبة معظمها سطحية منها, على سبيل المثال, الخوف بان يكون مصير تونس مثل مصر وتغول العسكر على السلطة, ولكن هذا غير صحيح, وبرأينا ان الفرق مثلا بين ما حصل في تونس وما يحصل في سوريا هو نفس الفرق بين حكم البورقيبة وخليفته بن علي في تونس وبين حكم عائلة الاسد في سوريا!
بادئ ذي بدئ نريد ان نؤكد بأن الربيع العربي لم ولن يفشل لا في سوريا اومصر او اليمن او ليبيا وحتما النصر قادم, وهذا ما يؤكده علم التاريخ فهنا نحن نتكلم عن علم وليس عن تكهنات وعلم التاريخ يقول لنا بان صحة انتصار الربيع العربي تاريخيا هو مما ثل لنظرية فيثاغورف في الهندسة, وما يحصل من تراجع هو متوقع بسبب الثورة المضادة التي يشنها بشراسة الزعماء العرب لكي لا تصل الثورات الى ذقونهم ولكن دورهم قادم لا محالة.
ولكي نوضح فكرتنا اسمحوا لنا ان نستعير حكمة من ا”لانجيل المقدس” تقول” من ثمارهم تعرفونهم . هل يجتنون من الشوك عنبا، أو من الحسك تينا” ,فعندما تزرع جامعات مثل هارفارد واكسفورد تحصد علماء يحصلون على جوائز “نوبل” في كل العلوم, وعندما تزرع جامعات كالازهر وقم والمدارس الشرعية في سوريا, تحصل على علماء مثل القرضاوي, وابو القعقاع والولي الفقيه! ما نريد ان نقوله هنا ان مازرعته عائلة الاسد في سوريا يحصده شعبها الأن, وما زرعه بورقيبة وبن علي في تونس يحصده شعبها الآن, وفي ما تبقى من السطور نريد ان نقارن بين مازرعه كلا الحكمين في كل من تونس وسوريا لنرى الفرق ونرى انعكاسه على الواقع الحالي.
أولا: من مبادئ الحكم الاستبدادي هو تسفيه العلم وتحطيم المدارس و الجامعات وافسادها لابقاء الشعب جاهلا من اجل تسهيل السيطرة عليه وإخضاعه, وهذا ما فعلته عائلة الاسد بسوريا بينما ارتقى بورقيبة ومن بعده بن علي بالعلم وتم تطويره واصبح قريبا للمستويات في الجامعات الاوروبية, وهذا ينفي عنهم صفة الاستبداد, ولكن ربما جرمهم الوحيد كان الفساد, والتمسك بالسلطة, ولكن ليس بالدرجة التي تؤهلهم لاكتساب صفة ديكتاتور شامل.
ان الفرق بين تصرف الشعب السوري ونظيره التونسي في مسار ربيعيهما هو نفس الفرق بين المستوى التعليمي لكلا الشعبين, وهذا ينطبق على كل من مصر وليبيا واليمن.
ثانياً: من مبادئ الحكم الاستبدادي هو السيطرة التامة على اقتصاد البلد وافقار الشعب بشكل منهجي لكي تسهل السيطرة عليه واخضاعه على مبدأ ” جوع كلبك سيتبعك” وهذا ما فعلته عائلة الاسد بسوريا بينما نرى ان كل من بورفيبة وبن علي عملوا كل المستطاع لتحسين اقتصاد تونس والشعب التونسي, وهذا ايضا ينفي عنهما صفة الاستبداد وجل جرمهم كما قلنا هو الفساد والتمسك النسبي بالسلطة.
ثالثا: من مبادئ الحكم الاستبدادي هو السيطرة على المؤسسات الدينية بالبلد وتسخيرها لأضفاء الالوهية على حكم المستبد, وهذا ما فعلته عائلة الاسد وكلنا نذكر كيف ادعى رجل الدين البوطي بانه رأي حافظ الاسد وابنه باسل في الجنة مع الرسول! بينما في المقابل كان دستور تونس الاقرب من كل الدول العربية والاسلامية للعالمانية وهو مماثل لنظيره التركي, وهذا ايضا ينفي صفة الاستبداد عن الحكم في تونس.
رابعا : من مبادئ الحكم الاستبدادي هو سرقة اقتصاد البلد واستثماره في الاجهزة الامنية التي تكتم انفاس الشعب ترهيبا وتنكيلا, وهذا ما فعلته عائلة الاسد بسوريا ببناء ثلاثة عشرة جهازا امنيا رهيبا, بينما كان الامن التونسي اقرب الى الحرفية, ونحن لا نقول بانه كان جيدا ولكن مقارنة بما كان موجودا في سوريا فهو جهاز محترم نسبيا, وهذا ينفي عن الحكم التونسي صفة الاستبداد.
خامساً: من مبادي الحكم الاستبدادي هو تمويل وصنع جيش هدفه حماية النظام وحكم العائلة وليس الدفاع عن حدود الوطن في حال الاعتداء الخارجي, وهذا ما فعلته عائلة الاسد الاستبدادية وخاصة في جيش القوات الخاصة والحرس الجمهوري, بينما في المقابل كان الجيش التونسي وطنيا محترماً له عقيدة راقية وهي عدم التدخل بالصراعات السياسية الداخلية وحصر هدفه بالدفاع الوطني, وهذا حتما ينفي عن حكام تونس صفة الاستبداد! ونكرر باننا لا نقول بان الحكم التونسي كان راقيا مثل نظرائهم الاوروبيين ولكن مقارنة مع بقية الدول العربية والاسلامية فتونس كانت الافضل والاقرب للعلمانية وهذا سبب نجاح ربيعهم وفشله مبدئياً في بقية الدول العربية.
من هنا نرى بان كلما كان الحكم اقرب للعلمانية يكون اكثر نجاحا وكلما كان الحكم اقرب للحكم الشمولي الديني يكون اكثر فشلا وارهابا, وما نزرعه هو ما نحصده ولايمكن ان نجني من الشوك تين