يصف بعض الكتاب بعض العاملين في الحقل الديني برجال الدين. بعضهم يطلق هذا الوصف بحسن نية وآخرون بنوايا مختلفة. لماذا يواجه هذا الوصف مقاومة حد الاستنكار من كثير من العاملين في الحقل الديني الإسلامي.
ظاهريا كلمة رجل الدين لا يشوبها عيوب. من منا يرفض أن ينسب للدين؟ إذا تناولتها بنية طيبة يمكن القول إنها تشير إلى الرجل الذي يبصر الناس بأمور دينهم. تضم المشتغلين في الوظائف الدينية مثل المؤذن والإمام والفقيه الخ.
هذا الكلام الطيب سينتقض تماما عندما نقرأ تاريخ أوروبا في العصور الوسطى. حسب التجربة الغربية المريرة يتحمل ( رجل الدين) الجرائم الإنسانية والمآسي التي حاقت بالمجتمعات الغربية آنذاك. يتهم التاريخ رجل الدين بأنه السبب الرئيس في التخلف الذي عانت منه أوروبا منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية وغزو البرابرة. هذا التاريخ المؤلم لم يحدث شبيه له في تاريخ الإسلام. حافظ العالم الإسلامي على الفصل الكامل والصريح بين السياسي وبين الفقيه.
لم يحدث أن تسلط العاملون في الحقل الديني الإسلامي على مقدرات الناس باستغلال الدين. لم يصل أي تجمع ديني إسلامي إلى مرحلة المؤسسة المستقلة التي تعمل خارج السلطة السياسية وتنافسها, لم يستغل المشتغلون بعلوم الدين الإسلامي مكانتهم للوصول إلى الحكم سوى في إيران اليوم والدولة الفاطمية في مصر.
هذا يثير السؤال: ما الذي يدعو بعض الكتاب والإعلاميين السعوديين إطلاق وصف (رجل الدين) على (بعض) المشتغلين في الحقل الديني الإسلامي..
لفهم هذا التكريس المتنامي لصفة (رجل الدين) يتوجب علينا عقد مقارنة سريعة جدا بين الشيخ صالح الفوزان وبين الشيخ يوسف القرضاوي. كلاهما يحمل لقب شيخ وكلاهما يعمل في الحقل الديني وكلاهما مؤهل لتقديم الفتاوى الدينية. بالسؤال التالي سندرك على الفور الفرق بين الرجلين: أي من الشيخين يخلط بين الدين والسياسة وأي من الشيخين ينتمى لحزب سياسي وأي من الشيخين شارك في مظاهرات واحتجاجات وساهم في تمرد أدى إلى مقتل بشر, وأي من الشيخين طفق يمدح رئيساً ويشتم رئيساً. هل سبق لك أن سمعت عن تنقلات الفوزان بين المصايف وركوب الخيل في السهوب الجميلة. هل سبق لك ان شاهدت إعلانات الشيخ الفوزان عن حساباته في الانستغرام أو السناب اليوتيوب. هل سمعت ان الشيخ اشترى متابعين في التويتر. هل سمعت أن الشيخ يجمع صغار السن يلقنهم باسم الجهاد مواقف سياسية ضد هذا ومع ذاك. هل سبق لك أن شاهدت الفوزان يطل بلحية مصبوغة بالطلاء الأميركي يتضاحك مع النساء في جلسة مفتوحة أو ينكت بفاحش القول مع الصبية على شاشة قناة فضائية. هل سمعته يوما يحرض صغار السن فليموتوا فليموتوا فليموتوا. لكي تعرف مزيدا من الفرق بين شيخ محترم كصالح الفوزان وبين رجال الدين المتنامية أعدادهم في البلاد الإسلامية تأمل في واحد من مشاهير الدعاة السعوديين الذين نافسوا المطربين في قيافتهم واصباغهم وتجاوز المطربين في التهافت على الشهرة والأضواء وجمع المال عندئذ سوف تميز بين من يعني الكتاب برجال الدين وبين المشايخ الأجلاء من أهل العلم بغض النظر عن قبولك أو عدم قبولك لبعض فتاواهم.
* نقلا عن “الرياض”