علي مكي
كتبتُ مرة عن العُرس والفرح وامتدحت ما سميته بالحرب الأنيقة، فغضبتْ إحداهن وبعثت تقول: «الفرح كذبة نجترها وما هي في الحقيقة إلا حرب شرسة أفزعت النساء إلى الأسواق والصديقات فراراً من شريك غل العنق وقيد الأيادي، وللرجال سفراتهم ورحلاتهم التي نعرف غايتها وإن لم نتكلم».. قلت لها: إنني لا أتحدث عن حروب الكلام والتلاسن بين الرجل والمرأة، كنت أتكلم عن حروب العشاق وكيف تتحوّل شراستها إلى رقة وعنفها، إلى أناقة باذخة، إنها حرب خاصة لا خاسر ولا فائز ولا دماء مراقة فيها أبداً، حرب تمنح مزيداً من الحياة وتهبُ الخلاص الجميل لمرتكبيها من عالمٍ يضطربُ من حولهم.
ويا سيدتي مالك وللرجال، دعيهم يسافرون ويلهون ويلعبون طالما لم تستطعن أن تصددنهم عن ذلك وتهدينهم (الفرح) الذي تبحثن عنه، ففاقد الشيء لا يعطيه… والرجال أناس من خلق الله، والإنسان لا يشبع لأن عينه لا يملؤها غير التراب، كما يُقال، فها هو (ألكسيس) جد زوربا «كان يجلسُ كل مساء، وقد بلغ المئة من العمر، أمام بابه ليرقب الصبايا الذاهبات إلى العين، كان بصره قد ضعف، ولم يعد يميزّ جيدا وينادي الصبايا: قولي من أنت؟ -لينيو ابنة ماستراندوني!- تعالي قليلا تعالي، لا تخافي!… وتمسك الفتاة رغبتها في الضحك وتقترب، فيرفع عندئذ يده إلى وجهها ويجسّه ببطء، بحنان… وتنساب دموعه… وسأله حفيده ذات مرة: لماذا تبكي يا جدي؟ فقال: إيه ألا تعتقد أن هناك ما يدعو إلى البكاء يا بنيّ، عندما أكون أنا على وشك الموت مُخلّفاً ورائي كل هذا العدد الكبير من الفتيات الجميلات!».
هنالك امرأة توقد النار في الغابات وامرأة تعيد الماء للينبوع! وعلى المرأة أن تسأل نفسها أيّة واحدةٍ هي من هاتين!
*نقلاً عن “الشرق” السعودية.