الشرق الاوسط
في حوار مثير للجدل مع حسين موسويان المتحدث السابق باسم المفاوض الإيراني في الملف النووي تحدث عن أزمة المجتمع الدولي مع السلاح النووي الإيراني التي تكمل عقدها الأول؛ عشر سنوات يراها موسويان لا تمنح مبررا للتصعيد لكنه هذه المرة لا يعوّل على مشروع الخمسة زائد واحد وحزمة إجراءات الشفافية التي وضعت خططا تفصيلية وتدابير مرحلية بهدف الوصول إلى الحد من تخصيب اليورانيوم، وبالتالي رفع العقوبات عن إيران والاعتراف بحقوقها في الاستخدام السلمي للطاقة.
لمن لا يعلم موسويان، فهو سفير سابق لإيران لدى ألمانيا ولاحقا عمل متحدثا باسم المفاوض النووي السابق حسن روحاني لكن ألقي القبض عليه لاحقا في عهد الرئيس أحمدي نجاد بتهمة التجسس لصالح الغرب ومنذ 2009 يقطن في الولايات المتحدة ويعمل باحثا في جامعة برينستون كأحد الأصوات العالية التي تحاول وصل ضفتي أطراف الأزمة.
بالطبع كلام موسويان عن الأزمة مكرور وممل والجميع يعلم أن النظام الإيراني يسابق الزمن للوصول إلى لحظة الذروة لإنهاء دراما المفاوضات والتصعيد بامتلاك السلاح النووي وفرض واقع جديد، إلا أن الوقت أيضا الذي يمنح طهران المساحة يجعلها تختنق بسبب تردي الحالة الاقتصادية وقرب اختلال توازنات المنطقة في حال حدوث تحولات استراتيجية في الأزمة السورية التي ستلقي بظلالها على المشهد برمته.
لكن الجديد على لسان موسويان هو مقايضة الغرب بفتوى وليس بضمانات والتزام بقيود الشفافية وشروطها التفصيلية، فهو يرى أن الأجدى للغرب أن يقبل بفتوى آية الله المرشد الأعلى في إيران خامنئي الذي أعلن في فتوى دينية أن أسلحة الدمار الشامل «حرام» شرعا، وتمثل خطيئة دينية، كما أن هذه الفتوى من شأنها أن تحفظ ماء الوجه في حل الأزمة المستعصية عبر تحويلها إلى قانون يتبناه البرلمان الإيراني ويقدم في شكل ضمانات للغرب والمجتمع الدولي.
الفتوى النووية تبدو مثيرة للسخرية حيث يتم استخدام «الدين» هذه المرة ليس للضحك على الشعوب أو محاولة ترحيل المشكلة بشعارات برّاقة؛ وإنما لإقناع المجتمع الدولي أن تضخم الشعارات المؤدلجة وصل إلى مجال العلاقات الدولية، ولو كان موسويان صحافيا مغمورا في إيران لكان الخبر أقرب للنكتة، لكن ينظر إليه كأحد الباحثين المهمين والمنشقين عن النظام. وهنا تكمن المشكلة حيث تصورات الأزمة الإيرانية مع المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة يتم صياغتها على هذه الطريقة التي تفترض ضمنا تسليم المجتمع الدولي بمرجعية المرشد الأعلى الإيراني؛ فإذا أراد أوباما حل الأزمة وجب عليه أن يقلّد ويتبع السيد خامنئي كمرجعية مؤسسة للفتوى النووية.
أوباما بدوره ساهم في سياسته الخارجية الهشة والمرتبكة في تعزيز هذه الأصوات النشاز ليس فقط على مستوى الأزمة مع إيران وإنما حتى في تصوره للمنطقة بعد الربيع العربي الذي جاء مخيبا للآمال العريضة بديمقراطية الإسلام الحركي وبالأمس يتحدث أوباما مطالبا إيران باتخاذ إجراءات «فورية وملموسة» لخفض التوترات الناجمة عن برنامجها النووي، مضيفا في كلمته التي تضمنت ترجمة للفارسية: «منذ أن توليت مهامي (في بداية عام 2009) قدمت اقتراحا للحكومة الإيرانية: إذا وفت بالتزاماتها الدولية، فعندها يمكن إقامة علاقات جديدة بين بلدينا، وقد تستعيد إيران المكانة المخصصة لها في مجتمع الأمم». وتابع: «لم يكن لدي أي وهم بشأن صعوبة تجاوز عقود من الريبة».
بالطبع هذا الغزل الأوبامي لإيران يعطي إشارات مثيرة للتساؤل والجدل على مستوى دول المنطقة وبالأخص دول الخليج التي كانت وما زالت تستشعر الخطر الإيراني المحدق بالمنطقة والذي يتجاوز مسألة السلاح النووي إلى فرض الهيمنة عبر تحالفات تجاوزت نمط التحالفات التقليدية لتصل إلى حدود «التبني» لعدد من الدول الأفريقية التي تعاني من الإهمال لها في ظل الأزمات الاقتصادية، وأيضا تبني تكتلات معارضة ولو كانت علمانية بهدف خلق فجوات يمكن النفاذ منها لمحاصرة المنطقة بالتمدد السياسي.
هذا القلق الخليجي المفترض على مستوى الحكومات يقابله «لامبالاة» على مستوى الداخل الذي ما زال يعيش لحظة الانبهار بالربيع العربي كرد فعل متوقع ومتفهم إزاء تغييرات مدوية بهذا الحجم والتي أحدثت رضّات مجتمعية كبرى على مستوى القدرة على التغيير بغض النظر عن نتائجه وتبعاته وكلفته وهي تفاصيل عادة ما تند عن الوعي الجمعي الذي لا يكترث كثيرا بالتفاصيل.
تراجع نفوذ أميركا في المنطقة حتى ما قبل الربيع العربي في طريقه للتضخم وبالتالي خلق مساحات هائلة من الفراغ السياسي ستسعى كل القوى الإقليمية إلى ملئه وبالأخص تركيا وإيران فهناك شريط عريض من العراق وصولا إلى سوريا وبيروت وغزة، وبالتالي تصبح دول الربيع العربي في مرمى التحالف مع واحد من القوتين الصاعدتين في حال استمرار حالة الكف عن الفعل في دول الخليج التي تحولها من لاعب أساسي ورئيس ومؤثر يملك السلاح الاقتصادي الذي يفتقده الباقون إلى ساحة رد الفعل للتجاذب الإيراني التركي في استقطاب الحلفاء الجدد، كلنا يتذكر الإعلان الذي كتبه 17 مفكرا وعالما إيرانيا يناشدون فيه الرئيس مرسي بتبني نموذج الحكم الإيراني، وهي مطالبة ماكرة إن لم تصب هدفها بحكم الفروقات ويقظة قوى مصرية مدنية لذلك فعلى الأقل ستساهم في خلق مساحة من الائتلاف السياسي بين «الإخوان» ونظام طهران، وبالتالي التأثير سلبا على دول الخليج القلقة من طريقة إدارة «الإخوان» للحكم وفي ذات الوقت أشد قلقا من انهيار الأوضاع التي من شأنها أن تدخل المنطقة إلى أتون الفوضى والحروب الأهلية.
هل علينا أن نقلق من لغة «أوباما» الجديدة؟ بالطبع نعم.. لأن أي محاولة لخلق اصطفافات جديدة مع إيران أو تركيا أو حتى دول الربيع العربي على حساب دول الخليج يعني أننا خارج التوازنات الجيوسياسية للمنطقة على الأقل إلى الوقت التي ستسفر عنه انتخابات 2016 والتي في الغالب ستأتي بجمهوري جديد.
بالنسبة لي الرهان الحقيقي هو على وعي المجتمعات الخليجية بدءا من النخب بخطورة المرحلة خارج أقواس الشعارات البرّاقة والأجندات الضيقة التي يروج لها اليوم صانعوا شغب الأمس بلغة جديدة وملفات جديدة، وبالطبع هذا الرهان على الوعي بأننا مستهدفون يستلزم المضي قدما في تحقيق الرفاه للمواطن عبر التنمية المستدامة ومكافحة الفساد وتطوير مشاريع المدن الاقتصادية والحكومة الإلكترونية وصولا إلى حل مشاكل البطالة والتوطين وكل تلك الملفات تنفع الناس وتمكث في الأرض.