مصطلح العنف العشائري مصطلح يكاد يكون مختص بالشرق الأوسط عامة و البلدان العربيه خاصة كونه أكثر صراحة ووضوح عن باقي بلدان العالم التي و إن كانت في فترات سابقه قائمه على القبلية فهي تجاوزتها مع الأيام و قضت عليها تدريجيا مع مرور الوقت حيث لم يعد للقبيله وجود قوي أو تأثير واضح في ضل المدنيه و الدول القائمه على إحترام القانون و الدستور الذي يحكم ويسود ،كما أن الجميع يقودهم نفس المرجع ونفس الرقيب و نفس القصاص بالعداله و المساواه الى حد كبير
إلا أننا في دولنا العربيه و الشرق أوسطيه مازلنا نعيش في مجتمع قائم على القبليه و العشائريه بشكل واضح خاصة في العراق و الخليج العربي و الأردن رغم انني لا استثني دوله بما فيهم القوميات الغير عربيه الكرديه و التركمانيه و الارمنيه و الشركس و الشيشان و غيرهم من القوميات سواء بدول مستقله او كفئة ضمن مجتمع في دولة ما؛فالجميع تشهد تنوعاتهم الاجتماعيه قبائل و عشائر و أفخاذ و فصائل و أفرع، تنتمي لتاريخ مشترك و نسب و سلاله واحده و قرابه لأفراد القبيله أو العشيره الواحده، مما ولد لدى البعض او الأغلبيه إن كنا اكثر صدقا، مشاعر تبدأ من الانتماء و الترابط و الإلتزام بالمعاير الموضوعه و المتوارثه الى التعصب ،و التعصب الأعمى أحيانا أخرى،
و يشمل هذا التعصب تعصب داخلي و تعصب خارجي:
أي داخل القبيله فيما بينهم على سبيل المثال بين الأفرع و الأفخاذ و العائلات و ربما القائد أو الشيخ و باقي الافراد و قد يكون هذا التعصب أكثر حدة من التعصب الخارجي في بعض الاحيان و قد يكون أقل تعصب من باب أنا و أخي على ابن عمي و انا و ابن عمي عالغريب
أما التعصب الخارجي فهو تعصب قبيله او عشيرة معينه ضد قبيله أخرى الذي عكسه يكون التحالف بين القبائل و مواثيق و عهود الصداقه و الجيره و احيانا النسب و المصاهرة و التكتل الحزبي او السياسي او التبادل التجاري و المصالح الاخرى
تماما كدول تتعامل فيما بينها ، يوم حرب و يوم صلح و يوم مصالح تحكم و يوم مصالح تعكر صفو العلاقات كما من الممكن أن ينغص حلو عيشهم الدسائس و المؤامرات من أطراف أخرى.
وبما أن موضوعنا عن العنف العشائري فمن الأفضل أن نعرف مفهوم العشيره و القبيله أولا من ثم ننتقل للحديث عن العنف ليكون لدينا خلفيه عن البعد الذي من الممكن ان يكون أحد الاسباب التي أدت الى العنف واوجدته بطريقة او بأخرى
تتكون القبيله من
العمارة و البطن و الفخذ و العشيرة و الفصيله و الجد الخامس ثم الأسرى بهذا الترتيب من الأكبر للأصغر من حيث الحجم و العدد و لكل قبيله قوانين وأعراف يتخذونها منهاجا لهم ليستتب النظام و الإستقرار الإجتماعي . ويقوم أمير القبيلة ونائبه (السلطة العليا) بدور الحكم و الفصل و المنفذ لهذا الأمر فهو يهمه أن تكون قبيلته بالمقدمه بكافة الجوانب و يهمه أيضا الحد من المشاكل و المهاترات و النزاعات كما الحد من الجريمة والإنحراف و يسعى دوما لزرع قيم التضامن والمحافظه على العادات من تراحم و تواصل يضمن و وحدة القبيلة وكل هذا ليشمل العمار و الإستمرار وتوارث الاجيال بعيدا عن الاعداء و مخاطر ما يمكن أن يؤثر عليهم سلبا للبقاء والاستمرار ودفع الخطر عنهم ، وفي القبائل عادات اجتماعيه خاصة وطقوس يتبعونها بالزواج و الطلاق و الضيافه و الحرب و السلم مثل الفصل العشائري و الجاهه للصلح او الزواج و الدية ، التشهير ، والذم ،ومن الممكن ايضا أن يوقع الطرد من القبيلة على أحد الافراد اذا تجاوز حدود المسموح و المقبول باعرافهم وكل جرم او خطأ له عقوبة معينه بحسب المشكلة وتقييمها عند اعيان القبيلة من باب الشورى و أخذ رأي الاخر وذلك من باب توحيد السيطرة على القبيلة بتدوال الرأي والمشورة للوصول للحل الأمثل بما يراه أصحاب الخبره و الرأي السديد. وكل هذا يصب في مصلحة القبيله و سمعتها
في الفقرة السابقه القينا الضوء بشكل سريع على القبيله و كيف تسير الأمور ضمن العادات الحميده و القيم الصالحه ،ماذا لو كان هناك بعض السلبيات التي نتجت ضمن هذا الغزل النظيف سواء كان بقناعة البعض و رضاهم أو رفض البعض و عدم قناعتهم بهذا الأمر السلبي. ومن هذه السلبيات موضوعنا ( العنف العشائري)
العنف العشائرى للأسف أصبح ظاهرة و لم يستطع التقدم بأساليب العيش ووسائل المعيشه الحديثه أن تقضي عليه تماما فمن العجيب انك تجد شخص إمرأة او رجل من الممكن ان يكون حاصلا على مستوى تعليمي مرتفع و من دول اجنبيه ويمارس حياة في منتهى العصريه بتفاصيلها من المأكل و الملبس و السكن وغيرها إلا انه مازال متشبثا بقبليته و عندما ينادي احد افراد قبيلته الفزعه تجده مهرولا بل راكضا ليفزع لإبن عمه الذي يلتقي معه بجده السابع او الثامن فهذه النخوة و المروءة برأيي أمر رائع و مدعاة للفخر فنحن نحترم جدا من يقف لاخيه الانسان و يساعده و يكن له سندا و عونا في الشدائد الا اننا نشجب الممارسات الخاطئه ،منها التي بها تعدي أحيانا على الآخرين بما يتنافى مع القيم الاصيله التي نتباهى و نزهو بها
وخطورة هذه الظاهرة تتطلب محاولة السيطرة عليها عن طريق الحكومة والأسرة و المجتمع بالتعاون مع المدارس و الجامعات و وسائل الإعلام و بالتنسيق من قبل الحكومه مع هذه المؤسسات ووضع خطه محكمه أساسها التوعيه و التحذير و البدايه تكون في عقل الشخص مرتبطه بثقافته و مستوى إدراكه و تقبله للأفكار الجديده و مقدرته على السماع و فتح باب الحوار كي يسمع و يقتنع و لابد أن يكون هذا من مرحلة الطفولة المبكرة حتى يتسنى لنا تربية الاطفال في أجواء حياتية ملائمه لنمو نفسي و جسدي سليم و متكامل، وذلك يكون تفاديا للمشكله وللوقايه منها قبل حدوثها أو في بداياتها
أما علاج العنف يكون بكل تأكيد أكثر صعوبه و يحتاج لبذل مجهود أكبر و بطرق أكثر تخصص ويكون ذلك عبر الوعظ و النصح من خلال التعاليم الدينيه كل حسب دينه و التي جميعها يدعو للقيم النبيله و يعطي منهاجا للعيش ببيئه صالحه عبر التآخي والتراحم ، المحبة والسلام ، التسامح والعفو ، الصبر و احتواء الاخرين واحترام الغير وتقبل الرأي المخالف، ويكون ايضا من خلال التربية الصحيحة و إشغال وقت الطفل و الشاب بالهوايات و النشاطات المفيده الرياضيه و الفنيه و الموسيقيه و الثقافيه و ايضا التطوع في مجالات خدمة المجتمع و الأعمال الخيريه كل على حسب سنه و ميوله ،كما يجب الحذر من الانعكاس السلبي للتكنولوجيا الحديثه إذا تم إستخدامها بشكل خاطيء مثل النت و بعض المواقع الالكترونيه التي تحيي في الطفل روح القتال و النزاع و تزرع بنفسه العنف و العدائيه وبعض البرامج التي تروج للحروب و الدماء و الألعاب الإلكترونيه التي تدور في محور الأسلحه و القتال و تهون عليهم فكرة إستخدام الآلات العنيفه الإلكترونيه منها أو السلاح الأبيض و تهّون عليهم مشاهد الموت و الإستخفاف بإزهاق الأرواح و كأنها أمر طبيعي .
والعنف كما سبق أن ذكرت فى مقالات سابقة : هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون الأذى جسدياً أو نفسياً كالسخرية والاستهزاء من الفرد ، فرض الآراء بالقوة ، إسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة. وقيل أيضا: أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد فرد أو أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
العنف ليس ظاهرة حديثة لأنها موجودة منذ وجود الإنسان وينفسم إلى :- عنف مادي: ويتمثل بالضرب والسجن والأذى الجسدي بأنواعه.
وعنف معنوي: ويتمثل باللفظي مثل التجريح بالكلام والسب والشتم أو الإهمال والتهميش والإيذاء النفسي والعاطفي . ويمكن من خلال ذلك تعريف العنف العشائرى بأنه هو العنف الذى تباشرة مجموعة من الأفراد تنتمى لعشيرة ما ضد مجموعة أخرى من الأفراد تنتمى لعشيرة أخرى وهو اكثر أنواع العنف المجتمعى خطورة لأنه يستخدم فيه جميع أنواع الأسلحة والقوة والتى قد تودى بحياة الكثيرين وإصابات العديد ، والتى أحيانا لايمكن السيطرة عليه .
والعنف العشائرى فى مجتمعنا العربى موجود كما ذكرنا في المجتمعات التى يعتمد تكوينها على العشيرة مثل الجزائر والأردن والعراق وفلسطين بشكل كبير ورغم ذلك لايمكن إنكار وجود بعض المجتمعات العربية التى يدخل فى تكوينها المجتمعى العشيرة ولكن لايتواجد العنف العشائرى فيها مثل المملكة العربية السعودية .
تحاول الحكومات بالطرق القانونيه الحد من ظاهرة العنف العشائري لما لها من إنعاكسات سلبية على تقدم ونمو هذه المجتمعات و القرى والمدن فى كافة المجالات الأخلاقيه و الإقتصادية والتربويه والإجتماعية والسياسيةو الأمن والسلام والثقافة عامة..
والعشائر في بعض البلدان لها دورا كبيرا في بناء الدوله و تأسيسها و استقرارها و أمانها من خلال قوتهم بالرجال و السلاح ووقوفهم بوجه العدو حفاظا على الارض و الشعب من خلال العادات و المفاهيم التي توارثوها ،و دافعت القبائل عن دولهم بكل قوتهم وكان لها دورا هاما فى الحفاظ على النظام ومؤسسات الدولة كونها مركز ثقل لأسباب عديده إلا أن أعداء الوطن في بعض البلدان يحاولون التغلغل بين بعض القبائل و التأثير عليها و استغلالها في الوصول لمآربهم لأنهم يدركون أن العشائر هى الملاذ للحكم و الامن والنظام والإستقرار فيحاولون إستغلال الخلافات داخل العشائر للإفساد أو الخلافات بين القبائل المختلفه لخلق بلبله و ضوضاء وعدم استقرار و يكون ذلك عبر التأثير على عقولهم أو تميل قلوبهم بالتأثير على عواطفهم أحيانا بالجانب المادي و المصلحي . وفى رأيى أن من يفعل ذلك خائنون مفسدين وهؤلاء ليسوا من أبناء العشائر التى ساهمت فى بناء الدولة هؤلاء لا يعبئون بسمعة العشيرة والعائلة والوطن بل ولائهم الوحيد لما يحققون من ثروات ومكاسب من نفوذ وسلطة فقط وهؤلاء سبب الفتنة التى يمكن أن تأكل الأخضر واليابس . كما يمكن لبعض القبائل التي لها امتداد نسب في بلدان اخرى ان تميل او تستميل من قبل حكومات تستخدم اقاربهم بالتأثير عليهم من اجل مصالح تلك الدوله وغيرها من الاساليب التي من الممكن ان تستخدم العشائر كوسيله لتحقيق غايات غير نبيله خاصة انه لبعض افراد القبيله ولزعمائها يد طائله و رأي مؤثر و باع طويل فى المجال السياسى و لهم دور كبير فى الحفاظ على الدولة وكيانها وهيبتها ونظامها وما نتمناه ان تبقى العشائر و ابنائها حصن منيعا وسدا للوطن والدولة ومصلحة العامه ،والعشائر بمميزاتها ومساوئها هى ركيزة من ركائز الدولة فهى نظام إجتماعى رئيسى فى المجتمع الذى يقوم على النظام العشائرى و بما ان لكل امر ايجابيات و سلبيات و تتزايد السلبيات حسب الظروف التي تمر بها البلاد في بعض الاوقات من ظروف سياسيه و اقتصاديه صعبه من الممكن ان يكون تأثيرها مباشر على العشيرة بشكل خاص و جميع المواطنين بشكل عام .والمؤسف أن العنف الذى إنتشر فى بعض بلداننا العربيه فى الفترة الأخيرة مثل العنف فى الجامعات والذى يرجعه البعض للطابع العشائرى للمجتمع وهو منتشر فى مدن كثيرة و محافظات عديده ومن هنا كان لابد لنا أن نعرف العوامل والأسباب التى أوصلتنا لهذا وإظهار دور الحكومة فى ذلك لأن معرفة الأسباب سيوصلنا لمعرفة علاج هذه الظاهرة والقضاء عليها فى مهدها والحد منها حتى لاتستغل من أعداءنا فى الداخل والخارج لإشعال نيران الفتن بين أبناء الوطن الواحد وتكون مثل الميليشيات المسلحة الموجودة فى دول أخرى . ومن أهم الأسباب التى أدت إلى إنتشار العنف العشائرى فى الفترة ألأخيرة :-
أن تقوم الحكومه في بلد ما بتميز قبيلة معينه عن سواها من القبائل و اعطائها مميزات و استحقاقات تضاهي غيرها مقابل إهمال قبيله معينه او عدة قبائل و اختيار الاعيان و الوزراء من قبيلة بعينها و اصحاب الكلمة المسموعه ان يكونوا جميعهم او معظمهم من قبيلة واحدة دون تساوي او عدل مما يولد الحقد و ردود الافعال لهذه التصرفات
كما انه من اهم أسباب انتشار العنف بين القبائل عدم توحيد كلمتها و موقفها و عدم وجود دستور للقبيله يسري على الجميع عبر مواثيق شرف يتعاهد عليها افراد القبيله و يكون ذلك تحت اشراف كبير القبيله أميرها او شيخها الذي يوقع العقاب بمن لا يلتزم بهذه المواثيق كما يقوم بتكريم صاحب الفضل و المبادرات الطيبه في ازاء هذه المواضيع
الا ان احدد الاسباب التي زادت من العنف و زادت من عدم التزام افراد القبيله بالمواثيق هو ازدياد عدد الرؤوس الكبيرة كما يقال بالعاميه اي عدد الشيوخ و الوجهاء في القبيله الوحده و عدم استقرار افرادها جميعا على امير واحد و بالتالي تتشتت كلمتهم و تذهب ريحهم و يكون ذلك عادة بسبب طمع اثر من رجل بتولي القيادة و المهام و السلطه على افراد القبيله لما لها من وجاهه اجتماعيه و احيانا ماديه رغم ان إمارة القبائل امر متوارث عبر الاباء و الاجداد و يكون محصورا في عائله واحده تاريخيا الا ان البعض يستخدم المال لشراء ضعاف النفوس لتأيد شخص ما لما يتميز به من مقدرة ماديه غير آبهين بسمعة الشخص و أخلاقياته و حرصه على القبيله و ما قدمه من خدمات لا يمكن نسيانها او انكارها في بعض البلدان يستطيع اى شخص بكل بساطة ان يحصل على لقب وجيه بجمع عدد من التوقيعات وتقديمها للمحافظ وبعد مدة يترشح ليصبح شيخ يصرف له راتب ثابت وهكذا يزداد عدد الوجهاء والشيوخ فى كل عشيرة بشكل كبير يصل لأكثر من خمسين شيخا وخمسين وجيها و بالعاميه نقول من كثر الطباخين خربت الطبخه فكثرتهم قللت هيبتهم وإحترامهم و قللت بالتالي من تأثير العشيرة على محيطها والبيئه التى تتواجد و البلد عامة مما يؤدي الى فوضى و نزاعات و مشاكل بها ويؤدى للفوضى الغير مسؤولة والهدامة .
كما هناك اسباب وجيهه ربما تكون غيرمباشرة و انما لها تأثير مباشر على هذه الظاهرة منها الاستقرار السياسي و الأمني و قوة الجيش و الدرك و الشرطه و عدم تهاونهم بالجرائم مهما كان حجمها و تحويل اي قضيه لاخذ مجراها القانوني دون اي واسطات عشائريه او معرفيه او تهاون بسير مجرى القضايا و العقوبات
كما ان ظروف الانسان الشخصيه التي من الممكن ان تكون جزء من مشكله عامه مثل الوضع الاقتصادي السيء للفرد تبعا الأحوال الإقتصادية المتردية في كثير من البلدان في المرحله الأخيرة و خاصة بعد الربيع العربي الذي كان له انعكاسات اقتصاديه سيئه بسبب نقص الموارد الداخله على البلد من الخارج عن ذريق الاستثمارات و التجارة و السياحه و احيانا المعونات التي تتأثر بالعلاقات السياسيه وسياسة الحكومات و التى تكون لها إنعكاساتها السيئة من غلاء معيشه و انخفاض المرتبات و احيانا تأخر تحصيل المرتبات في بعض المؤسسات الخاصه او الحكوميه فإرتفاع أسعار السلع الضرورية و الأساسيه للعيش الاولي الكريم وزيادة حالة التضخم وضعف الموارد المالية و البطاله او فقدان العمل لسبب ما كلها تؤدي لحالات نفسيه اولا و فراغ ثانيا و حاجه ثالثا و البحث عن طرق اخرى لتمويل نفسه و إعالة اسرته و ربما يتخذ الطرق السيئه لفقد الوازع الاخلاقي و الديني .
كما افتقاد المجتمع بشكل عام لقيمة التكافل الاجتماعي و مساندة الجماعه للفرد او الفرد المقتدر للجماعه اصبحت قيمه قليله جدا في ضل التهاء الناس بمشاكلهم و ظروفهم و الوقت الذي يجري في ضل المهمات و الاعباء الكثيره فنسي الانسان اخيه الانسان كما نسي المسؤول امانته امام من هو مسؤول عنهم سواء كان المسؤول حكومي ام احد افراد العائله او قائد القبيله و حاكمها فالقيادة يجب ان تكون واعيه و لديها مقدرة و حكمه و اسلوب ومنهج متبع للحفاظ على مجريات الامور كافة
كما ان هنالك سبب مباشر وهام و برأيي من اهم اسبتب انتشار هذه الظاهرة وهو غياب القوانين الصارمه احيانا او سوء استخدامها او عدم تطبيقها في هذا المجال مما يدع الحبل مرخيا لكل من تسول له نفسه بالاعتداء على الاخرين فهو يعتبر نفسه فوق القانون احيانا كونه ابن عشيره لها سلطه و كلمه او يعتبر نفسه انه لن ينفذ العقوبه الواقعه عليه ايضا تحت ضغط من قبيلته او واسطه من احد افراد العشيره الذي يكون جار او قريب او نسيب له و بالتالي لم يحم القانون المواطنين من انفسهم من الانزلاق للخطأ و الحرام و لم يحم الابرياء من الاعتداء عليهم
كما يجب للحد من هذه الظاهرة الانتباه لاهمية الاعلام و الدعايه و الاعلان للترويج لقيم السلم و المحبه و التآخي و التراحم و نبذ العنف و اظهاره بالسينما و الاعمال التلفزيونيه و الدراميه و غيرها من البرامج بصورتها السيئه و التحذير من تأثيرها على المجتمع و سلبيتها و ايذائها للناس و اعتدائها على حرية الافراد احيانا او كرامتهم او انسانيتهم او سلبهم ارواحهم فضعف ما تقدمه وسائل الاعلام من توعيه اضافة لضعف التوجيه الاسري و الديني و الاخلاقي في البيت و المدرسه و دور العباده كل هذا يؤدي الى زيادة هذه الظاهره السيئه
ولعلاج ظاهرة العنف العشائرى فى المجتمع :- لابد من الإختلاط بالشعوب والإنفتاح على الحضارات و الثقافات العالميه و ذلك من خلال اولا التعليم الاجباري و نشر الثقافات المختلفه الحميدة و زرع القيم من خلال المدارس و الجامعات و دور العباده ومن ثم سن القوانين الصارمة و العمل بها بشدة وحزم من قبل الإجهزة الأمنيه و التنفيذية والحكومية .
وقد تابعت الأحداث العنف العشائرى التى حدثت فى بعض الجامعات بين الطلاب حيث من المفترض ان يكونوا اكثر وعيا و التزاما ممن لم يتسنى لهم فرصة التعليم فالعلم نور و الجهل ظلام لكن هنا الأمر أصبح سيان فأصحاب الشهادات المستقبليه و رجال الغد الواعد يقمن بممارسات عنيفه داخل الحرم الجامعي و يتسببن بجرح و قتل العشرات من الطلبه المتورطين و الابرياء في ضل غياب التدخل الصارم من قبل الأجهزة الأمنيه التابعه للدوله أو أمن الجامعه على أقل تقدير و قد كانت تلك المنارسات العنيفه ذات طابع عشائري و على خلفية نزاعات تمت للقبليه و التفاخر و العند القبلي وقد ادى سوء العلاج من البدء لتدهور الامور و تضخمها. مما قد يؤثر على هيبة العلم و الصرح التعليمي كما يؤثر على هيبة الدوله و كيانها .والأحداث الأخيرة بها إشارات خطيرة لإنهيار الدولة وهيبتها .وتعطى مؤشر لخطورة العنف العشائرى وتأثيره على المجتمع كونه عنف مباشر و بعضه مسلح يبدأ بين فردين او جماعه و ينتهي بعداوة قبيلتين او اكثر و من ثم نزاعات مع الحكومه و السلطه . و تشهد هذه المشاجرات زيادة واضحه عاما تلو الآخر مما يستدعي الإلتفات بجديه لحل هذه المشكله و ذلك عبر وضع مناهج جديده او فصول داخل المنهج في مادة ما توضح للطلبه مخاطر هذه الظاهرة و تنمي بهم الانتماء لدوله و احترام القانون و احترام الآخرين و عدم التعدي على أي كان تحت أي ظرف و ان يكون القانون الحكم العدل لأي خلاف و ملجأ وحيد لأي نزاع مهما صغر أو كبر و يتم إقناع الناس عن طريق تطبيق العدل و المساواة بشكل فعلي لإستعادة ثقة الناس بأن الحكومه ستأخذ له حقه و ستدافع عنه
كما يجب نبذ فكرة أخذ حقك بيدك شجاعه و قوة في عقول أبناء العشائر و إقناعهم ان هذه الفكره كانت سائده ما قبل قيام الدول بمؤسساتها التي تكفل للمواطن حقوقه
و لربما في بعض البلدان انتشار الفساد و الرشوى و المحسوبيه أعاد هذه الظاهره من جديد على الساحه حيث لا يضمن الفرد عدم فساد القاضي و على رأي المثل إن كان خصمك القاضي فمن تقاضي
كما شهدت العراق ظاهرة العنف العشائري بسبب الصراعات العشائرية والتى ترجع لطبيعة المنطقة ومايسودها من تقاليد وأعراف عشائرية متوارثة وقد زادت معدلات العنف بشكل كبيرة فى الفترة الأخيرة رغم الجهود الأمنية المبذولة إلا ان الحروب و الإرهاب و الظروف الأمنيه ساعد في إنتشارها كما يجب إعادة التعليم الى مكانته السابقه وللقضاء البطاله و مصادرة السلاح الغير مرخص و العمل على حل النزاعات السياسيه و الطائفيه بين كل عشيرة واخرى وكل فرد وأخر داخل العشيرة الواحدة والحد منها وخاصة النزاعات التى تحدث على ألأراضى والبيوت و الأملاك و إيجاد حلول حاسمه لهذه المشكلات
وقد لفت انتباهي تحليلات اخرى لأسباب العنف العشائري و قد كانت أسباب صادمه من تفاهتها فبعض النزاعات و المشاجرات العشائريه والمعارك القبليه كان سببها مثلا الطقس الحار و إرتفاع درجات الحرارة أو مباريات ألعاب رياضيه ككرة القدم أو كرة السله أو خلاف على طابور لشراء الخبز أو الأسبقيه في محطات البنزين أو شابين يتسابقان في شوارع البلد بسياراتهم الحديثه فيقول له كيف تسبقني و أنا ابن القبيله الفلانيه و بعضها ليس تافه بل لأسباب من المتوقع أن يكون لها تأثير سلبي على الحاله النفسيه للأشخاص و تنعكس على تصرفاتهم كالتي قد تلحق بشخص عاطل عن العمل أو فقد أحد قدميه أو حواسه بسبب الحرب أو الإرهاب أو فقد عزيز عليه بإنفجار والأجواء الغير صحيه من قتل وتفجيرات وإرهاب وعدم الإحساس بالأمن والإستقرار.
تطرقنا لدور المجتمع و الصروح التعليميه و دور العبادة ووسائل الإعلام في نبذ العنف العشائري و توعية المجتمع و تطرقنا أيضا لدور القانون و الحكومه في اجتثاث العنف من بين صفوف المواطنين لا سيما العنف المتولد بين أبناء القبائل و لكننا يجب ايضا أن نتحدث عن دور القبيله نفسها في ردع أبنائها و السيطرة عليهم من جهه و توعيتهم و تثقيفهم من جهة أخرى كما يجب أن يقوم أمير القبيله بوضع منهاج للصلح العشائري و مواثيق تحدد ما له و ما عليه لكل مواطن في هذه القبيله و ان يوضع لجان للصلح و سن قانون وصياغة عقود بان لا تكون منافيه للقانون العام للبلد و لا منافيه للأخلاقيات المتعارف عليها بل مؤكده لها بما يتناسب مع عادات القبيله بإطار يستوعبه الرجل القبلي و يجب الأخذ بعين الإعتبار أن هذه المواثيق لن تكون حاميا للمذنب من الحق العام وإن إستطاع التملص من الحق الخاص عبر الجاهه او الديه او الفديه او العطوة و خلافها من المفاهيم العشائريه المتعارف عليها لهذا يجب أن لا يركن الجاني او المعتدي على الصلح العشائري فلا يتوارى عن جريمته معتمدا على صلح يستهونه مسبقا.ولم يكن هذا هو الحال في القدم حيث لم يكن هناك دوله قائمه فقد كان الناس اكثر احتراما للأعراف و القوانين الموضوعه بين العشائر و قد كانت القبيله نفسها هي أول من يعاقب من يتعدى على الآخرين بغير وجه حق و لكن الآن إختلفت الموازين رغم وجود القانون و السلطات و المحاكم و القضاة إلا أن الأمر لا بد أنه مرتبط أكثر بالأخلاقيات العامه و تأثر المجتمع بها على كافة أجزائه من حضر و بدو و ريف ومدن وإن كانت الأحكام العشائريه صاحبة السلطه الأكثر تأثيرا في بعض المجتمعات القائمه على القبليه فهناك أيضا من هم مرغمين على إتباع القوانين العشائريه كونهم في ضل دوله لا تتمع بسيادة أو حكومه مستقله مثل بعض البلدان المحتله أو التي تخضع لسلطات أجنبيه أو يعمها الفوضى جراء الحروب أو عدم إستقرار الأمن بها و من هنا نجد أن الحل يجب أن يكون باللعب على عدة محاور للقضاء على هذه الظاهرة ووضع برنامج متكامل وفقا لظروف البلد و ثقافة المواطنين
كلنا واجهنا سواء بالطبيعه او بقراءة خبر أو مشاهدة مسلسل عنف عشائري و عرفنا اشكاله و لربما ذكر أمثله سيذكرنا ببشاعة هذا الأمر الذي قد يندرج تحته العنف ضد المرأة تحت الأعراف التي قد تسلب المرأة القبليه بعض من حقوقها كالميراث أو إختيار الزوج أو التعدي بالضرب و السب رغم اني أشهد بأن إمرأة القبيله أكثر إحتراما و إعزازا من قبل أهلها عن المرأة الحضريه إلا أن لا بد لأي قاعده من شواذ
و يندرج تحت العنف العشائري أيضا العنف ضد الأطفال حيث يؤنب الطفل أو يعنف بما لا يتناسب مع سنه و قدرة تحمله أو عمل الأطفال بفرض من ذويه و اهله كما ايضا وأد البنات الذي يندرج تحت عنوان العنف بكافة أشكاله من بينها العنف العشائري الذي سمح للأب بقتل ابنته خشية الفقر أو الفضيحه
ويندرج ايضا قتل الشرف و كم من أبرياء ذهبن بذنب الشك و الريب الذي ليس بمحله
كما يمكننا أن نصنف الثأر على أنه ضمن العنف العشائري
التفاخر الذي يفوق الحد بما يفقد الآخرين كرامتهم بالإستعلاء عليهم و معايرتهم فهو عنف عشائري يتقصد النفسيه و كيان الإنسان و إحترامه
العنف الذي قد يتعرض له العاملين لدى أبناء العشائر من موظفين او مزارعين او خدم او مربين و غيرهم ممن هم بعهدتهم سواء حديثا أو عبر أجيال فمن المعروف أن إبن القبيله يكرم الغريب و يحسن للضعيف و يستقبل الضيف و لا يظلم بل يسخى و يعطي و يهب و من يسخى و يجود بيده سيسخى بعطائه على الصعيد الإنساني بصون الكرامه و إحترام آدمية المرء الذي يتعامل معه إلا أننا كما قلنا لكل قاعدة شواذ و من الممكن أن يكون هناك إستثناءات لهذه القيم ممن يسيئون التعامل مع من يحتاج اليهم بقوت يومه او يعمل لديهم تحت أي مسمى و هنا سيندرج هذا الأمر تحت العنف العشائري أيضا
هناك الكثير من الأمثله التي يمكنكم أن تفكروا بها و تستنتجوها كي أكتفي أنا و لا أطيل عليكم أكثر من هذا و أختم قولي بأن يجب علينا أن نضع الله بين أعيننا فإن لم نكن نراه فهو يرانا و أن نراعي حقوق الآخرين و نرعاهم هكذا هي الفطرة الحسنه و هكذا خلقنا على الطيب و هكذا يجب أن نودع الدنيا وكل الأشياء حولنا تدعو لنا
سارة طالب السهيل
كاتبة و ناشطه في مجال حقوق الطفل