يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِجل
فعثرته من فيه ترمـي برأسه وعثرته بالرجل تبرأ عن مهل
(حلبة الكميت).
من المفردات التي سحقها الغزو الأمريكي الإيراني للعراق، وطمسها ببساطيله القذرة هي (المواطنة)، ولا نقصد بالمواطنة صفة المواطن التي يتمتع بها جميع الأفراد لذين ينتمون الى وطن ما، وإنما نقصد بها الولاء للوطن وحده، أو ما يسمى بالمواطنة الصميمية، وساعد في طمس هذه الصفة عن الشعب العراقي الشراذم التي جلبها الأمريكان لتولي دفة الحكم والتي تسمت بالعراق ظلما، مع أن أكثرهم أصحاب جنسيات أجنبية وأعلنوا الولاء لأسيادهم الأجانب. فليس من المعقول ان يكون رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس البرلمان سليم الجبوري، ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري من المواطنيين البريطانيين! هذا أمر نادر لا يمكن أن تجده في أي دولة في العالم تحترم نفسها. حتى في زمن الإستعمار البريطاني، كان هناك مندوبا ساميا واحدا من البريطانيين وبقية الحكومة من العراقيين. ممكن تقبل المشاركة في كثير من الحالات ما عدا الولاء للوطن، فأما ان يكون ولائك لوطنك الأصيل او لوطنك البديل، وجمعهما يعني إنك منافق لأن تقسم بالولاء لوطنين.
لا يمكن أن يتوقع المرء أن يكون ولاء هؤلاء الطفيليات للعراق، فما أن تنتهي ولاية أحدهم أو يسرق ما يكفي من مال الشعب لتأمين حياة رغيدة لأحفاده (الأجانب) حتى الجيل السادس، فيهرب الى الخارج مستهزئا بالقضاء العراقي من جهة، والشعب العراقي من جهة أخرى. فالقضاء المسيس حلف على أن لا يصدر مذكرة إلقاء قبض على أي مجرم من المسؤولين إلا بعد التأكد من هروبه الى خارج العراق. ولا يمكن أن يفسر هذا الإجراء غير السوي بالتقاعس، ولكن يصح تسميته بالتواطؤ. فالقضاء العراقي تتحكم به الآن قوتان هما الميليشيات الإرهابية، والرشوة، أما الله والإسلام والأخلاق والعدل ففد تركت جانبا. لذا عندما قال الرسول (ص) بأن القضاة ثلاثة، إثنان منهما في النار، فالمقصود ليس قضاة العراق لأن ثلاثتهم تحت ولاية خازن النار.
عندما يكون الولاء للوطن فلا خوف على الوطن مطلقا، وعندما يكون الولاء للدين والمذهب والقومية والجنس فإقرأ الفاتحة على الوطن، هكذا وطن لا يمكن أن ينهض، بل وأن يستفيق من سباته العميق.والمواطنة تستوجب عاملين مهمين، وهما الثقافة والوعي، لذا فالبلدان المتقدمة تمتاز بهما، والبلدان المتخلفة تفتقدهما، حيث ينتشر الجهل والأمية والنزعات العشائرية والإقليمية والحزبية، وتغلب النرجسية على أفعال الشعب، وبقيت معظم الدول المتخلفة على تخلفها بسبب بقاء هذين العاملين.
عندما تسمع أحدهم يقول عن ولايه الفقيه” روحنا لها الفداء”! هل يتبادر في ذهنك ان هذا الرجل عراقي أم ايراني ومن أنصار النظام؟
قال وزير النقل العراقي السابق، باقر صولاغي في 2/1/2018 ” ان التظاهرات في ايران جاءت بدعم منقوى لاستكبار العالمي، وان هذه التظاهرات ستفشل بقوة الحديد وان قوات الحشد الشعبي سيكون لها دورا كبيرا في قمع هذه التظاهرات التي تريد اسقاط ولايه الفقيه، روحنا لها الفداء”.
وعندما تسمع أحدهم يقول” سنبقى ندافع عن خامئني وسليماني والحكومة الايرانية حتى الشهادة”! هل تتخيل ان هذا الرجل عراقي أم ايراني من أنصار ولاية الفقيه؟
أعرب نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي في 4/1/2018 في معرض رده على اسئلة الصحفيين الموجهة له عبر نافذة التواصل مع وسائل الاعلام الخاصة بالموقع الالكتروني لمكتبه الاعلامي بشأن موقفه من الأحداث الجارية في ايران عن شجبه واستنكاره لأي تدخل خارجي في الشأن الداخلي لإيران وأي دولة اخرى، واضاف اننا في حزب الدعوة سنبقى ندافع عن خامئني وسليماني والحكومة الايرانية حتى الشهادة، ولن نسمح لمتظاهري الشغب في ايران بمحاولة اسقاط الحكومة ومشروع الامام الخميني”.
بالطبع مشروع الخميني الذي يستشهد من أجلة نوري المالكي لا يخفى عن أحد وهو تصدير الثورة الإيرانية لدول الجوار، وإعادة الحلم الساساني في إقامة إمبراطورية فارسة تصل جدودها الى البحر الأبيض المتوسط، وتنطلق بعدها الى أفريقيا لإعادة الدولة العبيدية.
كما صرح النائب عن كتلة بدر النيابية رزاق الحيدري في 2/1/2018″ ان حكومة ايران ديمقراطية اكثر من كل دول العالم، وتراعي مبادئ حقوق الانسان ومطالب الشعب وحقوقه”. فعلا هذا ما لمسناه في الإنتفاضة الإيرانية الحالية يا منافق!
لنقف قليلا، ونسأل هؤلاء الأمعات المحسوبين على العراق بلا وجه حق:
هل تجاوزت الثورة الإيرانية مرحلة التخلف، وقامت ببناء دولة نموذجية تكون قدوة لبقية دول الجوار للإقتداء بها؟
هل تمكنت من بناء إقتصاد متين متنوع الإنتاج ولا يعتمد على سلعة واحدة (النفط)؟ كي لا يكون إقتصادها أحادي الجانب، عرضة للتذبذب بسبب تغيير أسعار هذه السلعة عالميا.
هل تمكنت من تعزيز العملة الوطنية وصارت تنافس العملات العالمية؟
هل قضت على البطالة؟
هل حلت مشكلة الفقر.
هل حققت الرفاهية والسعادة للشعب الإيراني؟
هل عالجت مشكلة التدني في مستوى التعليم وإنتشار الأمية؟ (7 مليون أمي)
هل حافظت على الشعب الإيراني وأمنته من المخدرات والفساد الأخلاقي؟
هل تمكنت من بناء علاقات حسن جوار إحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبقية الدول؟
هل تمكنت من رفع إسمها كدولة راعية للإرهاب، وساهمت في إستئصال الحركات الإرهابية على أرضها، وطاردت زعماء الإرهاب؟ (العديد من زعماء القاعدة في ايران)
هل لديها فائض في الميزانية، ولم تقع في فخ القروض الأجنبية؟
هل تمكنت من إرساء العدل والمساواة بين الشرائح الإيرانية المختلفة الأديان والمذاهب والقوميات، وهل تعاملت معهم كأسنان المشط؟
هل عالجت مشكلة اللجوء الإيراني لدول العالم؟ (هناك 4 مليون لاجيء) الكثير منهم تبرأ من الإسلام وتنصروا؟
هل خرجت من إطار الدول العشرة الأكثر فسادا من دول العالم حسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية؟
هل تمكنت من الإنفتاح على العالم الخارجي؟ ام ما تزال دولة مغلفة ومحاصرة ومذمومة من قبل دول العالم؟
دولة بمثل هذه المواصفات هل تصلح أن تكون قدوة، وتقتدي بها دول العالم؟ وهل نجحت ثورتها لتصدرها الى دول الجوار؟
الأنكى منه، هل خدمت الثور الإيرانية الإسلام أم أساءت اليه؟
لو تركنا كل الأمور جانبا، ونسأل المدافعين عن هذه الثورة البائسة: لماذا يتنصر مئات الآلاف من مواطني الدولة الإسلامية في أوربا؟ لماذا أحرق المتظاهرون الإيرانيون الحوزات الدينية والحسينيات (لا توجد مساجد)؟
أليس صفة الإرهاب الإسلامي كانت نتيجة أفعال نظام الملالي وتنظيم القاعدة وداعش؟ ثم كيف تجتمع النقائض لتحقيق هدف مشترك؟ اليس هناك لغز لا بد من حله؟
نقول لصولاغي ونوري المالكي ومن يحذو حذوهم من أقزام ولاية الفقيه: لماذا تتاجرون بدماء أهلنا الشيعة؟ الا يكفيكم نزيف الدماء المستمر لحد الآن؟ إن جنوب العراق مكتظ باللافتات السوداء، ومقبرة النجف ستربط المحافظة بأخرى. كفوا عن غييكم لعنكم الله!
بالتأكيد لا أهل السنة ولا بقية الأديان والمذاهب في العراق مستعدة لتحارب الشعب الإيراني المؤمن بحريته وتحرره من القبضة الحديدية، اي انكم تعرضون أرواح أهلنا الشيعة للموت لخدمة أغراضكم الدنيئة.
ثم ما هذه الوقاحة المقززة؟
في الوقت الذي يفترض أن تدعوا الأحزاب المرشحة للإنتخابات القادمة ونحن على عتبتها الى الإهتمام بالمواطن العراقي وإعادة الأعمار الى المحافظات التي ابتليت بداعش وقسوة الحكومة، والحفاظ على ما تبقى من دماء العراقيين، يخرج هؤلاء الأقزام للتجارة بدماء العراقيين، وتقديم الحشد قربانا لولاية الفقيه والجنرال سليماني المتهم بالإرهاب؟ أي منطق هذا وأي ولاء هذا؟ لقد أثبتم بما لا يقبل الجدل بأنه لا شأن لكم بالعراق ولا شعبه، أنتم خدم ولاية الفقيه.
إذهبوا أنتم بأنفسكم وقاتلوا من تشاءوا فقد تعودتم على قتل الأبرياء، وليمشي معكم من يؤمن بطروحاتكم الساذجة ويدافعوا عن نظام القمع والإرهاب، واتركوا العراقيين يفدون العراق بأنفسهم وليس ولاية الفقيه.
الإنتفاضة الإيرانية ربما تخفت قليلا، وهذا أمر طبيعي في ظل نظام إرهابي وقمعي ولا يعرف حدود الله ولا القانون الدولي ولا مواثيق حقوق الإنسان، ولكنها ستتأجج رغم أنف الجميع، ولا يصح إلا الصحيح. لم تقتصر الإنتفاضة هذه المرة على الكرد والأذر والعرب وبقية الأقليات، بل إندلعت شرارتها لتشعل فتيل الفرس أيضا، لأن نظام ولاية الفقيه كان عادلا في توزيع الظلم على كل شرائح الشعب الإيراني بلا إستثناء. وليس النظام ـ كما يدعي ـ ينصر المذهب الشيعي، انظروا ماذا فعل بأهلنا في الأحواز ومعظمهم من الشيعة! وانظروا ما فعل بمجاهدي خلق وهم من الفرس والشيعة؟ انه نظام عدواني توسعي لا يؤمن لا بالمذهب ولا بالقومية، والواقع يكذب الإدعاء، والفعل يبدد القول.
لقد أثبت الشعب الإيراني موقفه الرافض لولاية الفقيه وما يسمى بالثورة الإسلامية، التي لا يحمل النظام من صفة الإسلام سوى الإسم الذي طمسه أيضا، وتبين للجميع ان الطروحات التي قدمتها السيدة الرئيسة مريم رجوي هي الكفيلة بإجتثات هذا النظام الكريه من جذوره، وتأسيس ايران جديدة، ايران حرة تتعامل بعدل ومساواة مع جميع أفراد الشعب الإيراني، ايران جديدة تحترم شعوب المنطقة ولا تتدخل في شؤونها الداخلية، ايران جديدة تؤمن بالأعراف الدولية والحريات الأساسية وصكوك حقوق الإنسان، ايران حرة تستخدم مواردها من أجل إسعاد شعبها وليس تمويل الحركات الإرهابية والميليشيات المسعورة. ايران جديدة تتسابق مع الدول لبناء دولة حضارية متطورة وذات رخاء ورفاهية، وليس دولة تحتل مرتبة متقدمة في الفساد الحكومي والإعدامات وقمع الشعب.
إن نظام ولاية الفقيه يذكرنا بموقف أحدهم عندما سئل: أتريد أن تصلب في مصلحة الأمّة؟ فقال: لا! ولكني أحبّ أن تصلب الأمّة في مصلحتي”. (الإمتاع والمؤانسة).
علي الكاش