طلال عبدالله الخوري
هناك عدم وضوح لمعنى العلمانية عند معظم المثقفين العرب وخاصة اليساريين منهم, ناهيك عن المعنى الخاطئ للعلمانية والذي يروّجه الاسلاميون, حيث انهم يعرفونه على انه الالحاد والتحرر من الاخلاق بدون اي حدود, بما فيها المثلية الجنسية, وغيرها من الموبقات التي تتهم بها العلمانية زوراَ وبهتاناَ؟
العلمانية هي ليست فكراَ او فلسفة, ولا يوجد هناك مفكرين ينظّرون للعلمانية ويضعون لها القوانين والأسس وينشرون أيديولوجياتها عبر الكتب والدوريات! كما هي الحال بالنسبة للماركسية واللينينية والفكر الثيوقراطي بانواعه.
العلمانية من الناحية السياسية: هي ان يقف دستور البلاد وقوانينها على مسافة متساوية من جميع الافكار والايديولوجيات والفلسفات البشرية منها والالهية من دون اي تمييز بينها. اي بمعنى اخر فصل الدولة عن اي ايديولوجية كانت بشرية او الهية.
العلمانية تعتبر بأن الاحزاب السياسية التي تميّز بين الناس حسب معتقداتهم الفكرية (الالهية منها والبشرية) هي احزاب عنصرية مخالفة للقوانين ويجب منعها من خوض الانتخابات.
الاحزاب السياسية التي تحكم الدول العلمانية, يجب ان يكون لديها برنامج انتخابي اقتصادي محض, وخالي من الفلسفات والايديولجيات الالهية منها والبشرية, ويقوم الناس بأنتخاب الاحزاب السياسية التي لديها برامج اقتصادية مناسبة ومقنعة لها.
الناس بالبلدان العلمانية, لديهم الحق باعتناق اي فكر يريدون, الهياَ او بشرياَ, بشرط ان لا يعتدوا على حقوق الاخرين من حرية ومساواة, وأن لا يميزوا بين الناس تميز جنسي او ديني او عرقي.
من المستحيل ان تكون هناك دولة علمانية من دون اقتصاد تنافسي حر. والاقتصاد الحر التنافسي لا يعيش الا اذا كانت الدولة علمانية. ان متلازمة العلمانية والاقتصاد الحر تعطي تعريفا اقتصاديا للعلمانية: وهو ان يحصل الانسان على اجره العادل لقاء عمله, وأن يستطيع ان يصرف اجره بحرية وكما يشاء. اي بمعنى آخر, اذا تم الفرض على الانسان ان يدفع ضرائب للدولة من اجل بناء دور للعبادة او من اجل دفع رواتب رجال الدين فهذا مخالف للعلمانية.
تنظر القوانين بالدول العلمانية الى بناء دور العبادة كما تنظر الى اي مشروع اقتصادي استثماري بالبلد, مثله مثل بناء أي مسرح او قاعة حفلات او اي مكان لاي نشاط ثقافي من اي نوع. حيث يتم اعتبار ان هذه الاستثمارات ستقوم بتشغيل اليد العاملة وستقدم خدمات للناس مدفوعة الثمن وبالتالي ستساهم هذه الاستثمارات بانعاش اقتصاد البلد.
اي بمعنى اخر فان العلمانية تنظر للانسان المتدين الذي يذهب ليصلي او الملحد الذي يذهب لندوة ليجتمع مع اقرانه الملحدين ليستمتعوا بالحادهم, والانسان الذي يذهب للمسرح او لحفلة موسيقية, نظرة متساوية بدون اي تمييز! ومن وجهة نظر اقتصادية فكل هؤلاء يصرفون نقودهم لكي يستمتعوا بما يريدونه من هوايات, وبالتالي هم يساهمون بتحفيز الاقتصاد.
نشر الكتاب سامي كاب, وهو من الملحدين الماركسين, مقالا عن العلمانية وعرف بها العلمانية على انها الماركسية بعينها؟ وهذا خطأ , لأن الماركسية والعلمانية ليس لديهما اي شئ مشترك.
يقول سامي كاب : ” العلمانية هي فكر الانسان التقدمي في كل زمان ومكان
العلمانية هي فكر شامل لكل الحياة وفلسفة الوجود والكون وعلاقته بالانسان
هي فكر الطبيعة والمادة والحقيقة الوجودية ومنهج المادة في الطبيعة
العلمانية مبنية كفكر وفلسفة مادية طبيعية على اساس لا اله والحياة مادة ولا شيء من خارج حدود المادة له علاقة بالانسان وحياته مطلقا.” انتهى الاقتباس
طبعا هذا التعريف للعلمانيه هو مشابه لتعريف الماركسية, وهذا خطأ, لاننا كما اوضحنا سابقا بان العلمانية ليست فكر او فلسفة وانما هي الوقوف على مسافة واحدة من كل الايديولوجيات من دون تمييز. طبعا مقالة الكاتب الماركسي الملحد عن العلمانية كانت مليئة بالمغالطات.
يستطيع الملحد والمتدين ان يعيش بالبلدان العلمانية بكل حرية, لكن لن يستطيع اي منهما ان يعيش بالبلدان المؤدلجة بأي فكر مخالف لتوجههم الفكري, الهيا كان او بشريا, بحرية وكرامة.
طبعا نحن العلمانيين ليس لدينا اي مانع من ان يكون الانسان ملحدا ويجتمع باقرانه من الملحدين ويستمتع معهم بادعائاتهم بانهم افهم الناس, مثلهم مثل المتدينين والذين ايضا يدعون لانفسهم بأنهم افضل من الاخرين. اما معيار الافضلية بالبلدان العلمانية فهو الذي يستطيع ان يبدع خدمات للناس, علمية او فنية او فكرية, تدر عليهم فوائد اقتصادية, والذي ايضاَ يحترم جميع الناس من متدينين وملحدين.
وفي الختام انا اعتبر بان الالحاد او التدين هو ترف فكري يجب ان لا تعط له الاولوية بمجتمعنا بالوقت الحالي! ويجب التركيز الآن واعطاء الاولوية لبناء الدولة العلمانية والاقتصاد التنافسي الحر لكي تلحق بلادنا بالركب الحضاري الذي تخلفنا عنه كثيرا.
http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall