استبقت زيارة بابا الفاتيكان إلى مصر حملة عدائية ناقدة، يقف خلفها منتسبون لحركات سياسية، مثل «الإخوان المسلمين»، دعمتها هجمات من «داعش» بتفجير استهدف كنيستين قبطيتين. رغم التهديدات أصر البابا على القيام بزيارته في موعدها المعلن، كما تحدى شيخ الأزهر التهديدات ضد شخصه، ومؤسسته، واستقبل ضيفه علانية.
في الحقيقة رسالة المتطرفين من وراء حملات البغضاء، والتفجير، ليست موجهة ضد البابا، ولا ضد الأقباط المصريين، بل ضد السلطة المصرية، والحكومات العربية التي في صفها. رسالة المتطرفين تقول، إنهم أصحاب القرار، وسيواجهون أي علاقة خارجية مع خصومهم.
«الإخوان المسلمون» الذين ينتقدون زيارة البابا، كانوا في السابق يفاخرون بأنهم حضاريون يؤمنون بالتعايش مع الغرب المسيحي، ويتبرأون في الندوات المغلقة ممن يصفونها بالحكومات الخليجية المتخلفة التي تضيّق على أتباع الديانات الأخرى. وعندما سقطت حكومتهم، حكومة مرسي، انتقلوا إلى التخريب السياسي، بشن حملات معادية استهدفت الأزهر الإسلامي والأقباط في مصر. وأقام أنصارهم الدنيا ضد زيارة البابا.
وقد يتساءل البعض لماذا نهتم بالتعامل مع المحافل الدينية العالمية؟
التواصل مع الفاتيكان، وغيرها من المؤسسات الدينية الكبرى في العالم، هو جزء مهم من العلاقات المستمرة والدائمة بين الأمم عبر العصور، أهدافه تنظيم العلاقة، ومكافحة الكراهية، وليس الهدف اقناع كل فريق بدين الآخر. ففي العالم تحتاج الأديان الكبرى الى ترتيب العلاقات بين اتباعها، مثل الإسلام والمسيحية والهندوسية، التي يكاد لا يخلو بلد في العالم من اتباعها. ومن مصلحة العالم في هذا الزمن المتوتر دينياً أن يتسيّد الساحة دعاة التعايش لا دعاة الكراهية، نابشو القبور والحروب والتاريخ.
نحتاج إلى من يبث روح التسامح حيث يوجد توتر أو خطر الصدام. مثلاً، فرنسا، بلد غالبيته كاثوليكية مسيحية، وفيه أقلية مسلمة كبيرة. هنا البابا شخصية مهمة، له كلمة مؤثرة عند اتباعه لوقف التطرف القومي والديني، المنتشي بالفوقية العنصرية والفرقة السياسية.
في مصر أكثر من ثمانية ملايين قبطي مصري، لم يكونوا قط محل استهداف قبل ظهور التطرف الديني، لا في العهد الملكي أو عهدي عبد الناصر أو السادات، تحولوا إلى هدف بعد ظهور التطرف الفكري والحركي المسلح.
والذين يستنكرون العلاقة مع الفاتيكان ويعتبرونها طارئة، وينتقدون رجال الدين المسلمين المنخرطين فيها، هم في الواقع أشخاص جهلة، إن لم يكونوا منافقين محرضين. فلطالما كانت هناك علاقات وتعاون على مر التاريخ، حتى السعودية لها علاقة جيدة ببابا روما. فالملك فيصل، رحمه الله، الذي أحيا الرابطة الإسلامية سياسياً أسس لعلاقة مبنية على الاحترام. فقد أستقبل الكرادلة في الرياض الذين سلموه رسالة من البابا يعبر فيها عن تقديره، والمجمع المسكوني، للملك فيصل، بصفته «صاحب النفوذ الأسمى في العالم العربي والإسلامي». وبدوره أوفد الملك وزير العدل حينها، الشيخ محمد الحركان، مع وفد من رجال الدين السعوديين إلى البابا بولس السادس عام 1974 للتواصل مع الفاتيكان. وهذا التواصل لا يفترض أن يخص المسيحيين الغربيين بل إن هناك أدياناً أخرى مؤثرة، مثل الهندوسية والبوذية وغيرها التي تتقاطع مصالحها مع العرب والمسلمين، ويفترض ألا نتركهم ضحية تصوراتهم عن الإسلام المرتبط بداعش والجماعات الإسلامية المسيّسة.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”