بالتأكيد الإنسان عرضة للإصابة بالأمراض بمخلف أنواعها، والمرض صفة ملازمة للبشر منذ فجر التأريخ الإنساني ولحد الآن رغم تطور وسائل المناعة والوقاية والتعقيم، يأتيه بعدة طرق: أولهما: بواسطة الماء: كالكوليرا والحمى التيفودية والبلهارسيا والديدان. ثانيهما: بواسطة الهواء: كالسل الرئوي والقرمزية والجدري والحصبة والدفتيريا. ثالثهما: بواسطة الغذاء: كالتيفوئيد والدفتيريا والديدان والتدرن المعوي. رابعهما: بواسطة الحشرات (الناموس، البق، البراغيث، الذباب) كالحمى الصفراء وداء الفيل والملاريا والطاعون ومرض النوم. خامسهما: بواسطة الملامسة، كمعظم الحميات والأمراض الجلدية والزهري والسيلان. كان الإنسان البدائي عندما يصاب بالمرض يُعالج من قبل الكهنة والسحرة.
إرتقت مع التطور الحضاري طرق العلاج وتشخيص الأمراض ووسائل العلاج من خلال الحكماء الذيم بحثوا في علم الطب والعلوم ذات العلاقة به مباشرة أو غير مباشرة كمعرفة طبيعة الأعضاء البشرية وآلية عملها، ومنها دراسات البيئة وعلوم الحيوان والنبات وغيرها، وقطع العلماء شوطا كبيرا في هذا المجال فصنفوا كتبا عديدة في الطب والأدوية، وكان العرب بلا شك الرواد في العلوم الطبية.
إهتم العرب بالطب بشكل مميز، وذكر إبن صاعد الأندلسي بأن العرب لم تكن تهتم في جاهليتها بعلم أكثر من الطب لحاجة الناس إليه (طبقات الأمم)، علاوة على إهتمامات أخرى كعلم الفلك. ومن أبرز الأطباء العرب كان أبو بكر الرازي الذي برع فيه وفي علوم أخرى كالفلسفة والفلك والكيمياء والحساب والموسيقى، وعرف عنه التبحر في البحث والدقة، ومن أبرز كتبه الطبية (الحاوي في صناعة الطب) و(المنصوري في الطب) و(طب النفوس) و(دفع مضار الأدوية) و(منافع الأغذية ودفع مضارها). ويعتبر الرازي أول من إستخدم خيوط الحيوان في الجراحة، وأول من عَني بطب الأطفال، وأول من أكتشف الأمراض الوراثية، وأول من فرق بين الجدري والحصبة، بل هو أول من بحث في علوم الطب النفسي.
من المشاهير أيضا إبن سينا وهو صاحب كتاب (القانون) الذي كان المرجع الرئيس للأطباء في الشرق والغرب لما يزيد عن ستة قرون، وقد ترجم لعدة لغات أجنبية، وكان المصدر المعول عليه عند بقية الأمم في هذا المجال. من مؤلفاته الطبية (كتاب الشفاء) و(الأدوية القلبية). ومن المشاهير في علم الطب أيضا أبو القاسم الزهراوي وكان خبيرا في تركيب الأدوية والتشريح، نظم القواعد العشر لعلم التشريح، ومن مؤلفاته (مقالة في أعمال العقاقير المفردة). ومن المشاهير كذلك علي بن أبي حزم القرشي الملقب بإبن النفيس، وكان عالما في الطب وصناعة الأدوية، وهو أول من إكتشف الدورية الدموية في الجسم، ومن أبرز كتبه (الشامل في الصناعة الطبية) وهي موسوعة كبيرة تضم (80) مجلدا لا تزال مخطوطة وقيد التحقيق. و(الموجز في الطب) و(شرح القانون لإبن سينا) و (شرح فصول أبقراط) و(رسالة الأعضاء). ومن الأطباء البارزين ضياء الدين إبن البيطار وكان رئيسا للعشابين والصيادلة في مصر في عهد إبن الملك العادل الأيوبي، وهو صاحب أهم موسوعة في الأعشاب والأدوية (الجامع لمفردات الأغذية والأدوية) ويعد ثاني أقدم كتاب في هذا العلم بعد كتاب (هيولا النبات) لديسقوريدس. ومن مؤلفاته الأخرى (المغني في الأدوية المفردة) و(ميزان الطب) و(رسالة في الإذية والأدوية). ومنهم أيضا أبو الفرج يعقوب الكركي الملقب بإبن القف، وعمل في الجراحة أيضا ومن أهم مؤلفاته (عمدة الإصلاح في صناعة الجراح) و(الشافي في الطب). وهناك عدد كبير من الأطباء العرب، يمكن الرجوع إليهم بيسر في الموسوعات.
هؤلاء هم عباقرة الطب العربي ممن ساهم في رفد البشرية بإكتشفات رائعة إفادت البشرية ومهدت الطريق للوصول إلى العلوم الحديثة. فالفضل للرواد الأوائل بلا شك مهما تعدت القرون وتوالت المخترعات. والعلوم الطبية العربية يشيد بها الغرب أيضا، فقد إستفادوا منها فائدة كبيرة وعَنوا بكل تفاصيلها وجزئياتها. مقابل هذه العلوم الصرفة هناك تخاريف أقرب للدجل والسحر منه للعلم، نسبت إلى الأئمة والمتصوفة على حد سواء، ولا نبالغ إذا قلنا إن البعض منها لا يمكن أن يصدر عن عقل سليم، حتى في عهد الكهانة لا توجد ضحالة وإمتهان للعقل في هذا المستوى الرقيع. والأغرب منه أن بعض الحمقى والجهلة يؤمنوا لحد الآن بصحتها، ويعملوا بها.
وضع العرب شروطا لمن يعالج الناس ويمارس الطب، فقد ورد في كتاب الأصول لعلي بن رضوان الشروط التي تتوافق مع رأي أبقراط وهي أولا:أن يكون تام الخلق صحيح الأعضاء حسن الذكاء جيد الرؤية عأقلاً ذكوراً خير الطبع .ثانيا: أن يكون حسن الملبس طيب الرائحة نظيف البدن والثوب. ثالثا: أن يكون كتوماً لأسرار المرضى لا يبوح بشيء من أمراضهم. رابعا: أن تكون رغبته في إبراء المرض أكثر من رغبته فيما يلتمسه من الأجرة، ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغيته في علاج الأغنياء. خامسا: أن يكون حريصاً على التعليم والمبالغة في منافع الناس. سادسا: أن يكون سليم القلب، عفيف النظر، صادق اللهجة، لا يخطر بباله شيء من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الأغنياء، فضلاً عن التعرض لشيء منها. سابعا: أن يكون مأموناً ثقة على الأرواح والأموال لا يصف دواء قاتلاً، ولا يُعلِمه، ولا دواء يعالج الأجنة، يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه. (مجلة المقتبس الجزء/18/44 السنة 1907).
من طريف ما أتذكره بهذا الصدد، أنه قبل ثلاثة عقود تصاعدت جحور النمل في حديقتنا وأخذت تنخر في الأشجار وتعبث بالتربة وتدخل البيت بفضول وتعبث على راحتها، وحكت الوالدة الحاجة رحمها الله إلى جارتنا هذه المشكلة، فسارعت الجارة في مبادرة طيبة وحسن نية بالقول إن العلاج لديها وهو مجرب ومضمون النتائج. وأسرعت إلى بيتها، وأتت بدلا عن مسحوق أو سائل الدواء بكتاب أبيض الجلد أثار إستغرابنا، وقالت للحاجة إحضري ورقة وقلم وأكتبي التالي، مع غرابة الأمر ـ كانت على مستوى معرفي رفيع ـ مضت معها للنهاية. فكتبت الحرز ووضعته في الجحر الأكبر حسب وصية الجارة، بعد أيام وإذا بالنمل على حاله وربما زاد. ويبدو ان الحاجة كانت تقصد الإستمرار بالأمر رغم معرفتنا بأنها لا تؤمن بمثل هذا الخزعبلات لغاية ما لم تفسرها في حينها. المهم لم يتغير الوضع. فقالت الوالدة للجارة لم ينفع علاج الأئمة يا جارتي الطيبة! لنجرب علاج علمي غير حرزالإئمة، وفعلا إشترينا أحدى المبيدات، وكانت النتيجة خاتمة النمل في الحديقة، وخاتمة زيارة الجارة. العبرة من الحكاية ان العلم والدجل لا يمكن أن يلتقيا في أبسط الأمور.
لم يعرف عن الأئمة والمتصوفة بأن لهم باع في مجالات هي غير علوم الشريعة، وحتى هذه العلوم لم يبدعوا فيها، إذا أردنا الحق وليس المجاملة، فقد عاش علماء وكبار أئمة أهل السنة في زمن الأئمة وكبار المتصوفة، ومع هذا لا يوجد كتاب فقهي واحد يتحدث عن فقه الأئمة والمتصوفة! في الوقت الذي إشتهر بين الناس كتاب الموطأ لمالك، والأم للشافعي، والفقه المسند لأبن حنبل، والفقه الأكبر لأبي حنيفة. كل ما لدى الأئمة هو أحاديث متفرقة أما مكررة عمن سبقهم أو عاش في زمنهم من علماء أهل السنة، او تأويلات للقرآن الكريم والسنة النبوية، او أحاديثا أقرب للتخاريف تمثل إنحرافا خطيرا عن القرآن والسنة النبوية. والمشكلة في الأساس ليسوا هم، بل من نسبها لهم عن خبث، فقد قال محمد الباقر” لو كان الناس كلهم لنا شيعة، لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكا والربع الآخر أحمقا”. (رجال الكشي/179). وقال الصادق” ان من ينتحل الأمر(التشيع) لمن هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين اشركوا”. (المصدر السابق/253)
حاول المؤرخون ذوو الميول الشعوبية ومنهم الصفويين ان يضعوا فقها خاصا بهم ونسبوه للأئمة زورا وبهتانا.، وهذا الفقه يسيء للأئمة ولا يرتقِ بسمعتهم، لأنه يعكس جهلهم ونفاقهم وتناقضاتهم المريبة. لقد شوهوا صورة الأئمة من حيث دروا أم لم يدروا، ولكن الأقرب هو عن قصد، فهذا ديدن الشعوبيين. أما ما يُسمى بنهج البلاغة المنسوب للإمام علي، فهو كتاب يتضمن بعضا من خطبه وماتبقى أحاديث من إبتكارات الرضي وأعوانه، لأنه لا يمكن أن يصدر عن الإمام سب وشتم لأبي بكر وعمر وهناك الكثير من الأحاديث التي يثني فيها عليهما، لذا هناك إحتمالان، أما الأحاديث كاذبة ومنسوبه إليه زورا! أو إن الإمام علي منافق ودجال ـ حاشاه بالطبع ـ . لذا الإحتمال الأول هو الصحيح. أما بقية الكتب السحرية كجفر الإمام علي وقرعة الصادق وغيرها فإنها أسخف من أن يُعلق عليها، والإئمة براء منها، ومعاذ الله أن يدخلوا هذا النفق المظلم. كذلك الحال مع ما نسب إليهم من علوم طبية بعضها يثير الضحك، والآخر يثير البكاء من الجهل المدقع والدجل المنسوب رياءا إليهم من قبل إتباعهم، مما يجعلنا نجزم بأن الإئمة كانوا على حق في ذم أتباعهم والبراءة منهم.
سوف نستعرض بعض من علوم الأئمة في مجال الطب والأدوية، ونلحقها بعلوم المتصوفة في ذات المجال، وننصح بضبط الأعصاب عند القراءة لهول المفاجئات الطبية والعلاجية.
قبل كل شيء لنطلع على النصائح الطبية التي نسبها لهم كبار مراجعهم كإبن بابويه القمي والطوسي والكليني والمجلسي وغيرهم ممن يعتبرون من الثقات! عن أبي عبد الله “كَرِهَ النَّظَرَ إِلَى فُرُوجِ النِّسَاءِ وَقَالَ يُورِثُ الْعَمَى وكَرِهَ الْكَلَامَ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَ قَالَ يُورِثُ الْخَرَسَ (من لا يحضره الفقيه3/556). إذن عرفنا سبب العمي والخرس! ويبدو انه لا علاج عندهم للعمي، لكن عندهم علاج فاعل لوجع العين كما ورد في مفاتيح الجنان وهو” التوسل بالإمام موسى عليه السلام ينفع لوجع العين”. (الباقيات الصالحات745/ ملحق بمفاتيح الجنان). ونسبوا للنبي(ص) القول: من قلم أظفاره يوم السبت ويوم الخميس، وأخذ من شاربه عوفي من وجع الاضراس ووجع العين”. (الخصال2/31) لم يثبت العلم بعد (14) قرنا بوجود علاقة بين الأظافر ووجع الأسنان، أو الشارب ووجع العين! وللوقاية من الجنون والبرص والجذام ينصحنا عباس القمي عبر وصايا الأئمة “أن يقص شاربه ويقلم أظفاره فذلك يزيد في الرزق ويوجب الأمن من الجنون والجذام والبرص” (مفاتيح الجنان/63) هذه المرة تعلق الأمر بالرزق. ومن نصائح أبو الحسن كما ذكر الكليني” إن أكل التفاح والكزبرة يورث النسيان”. (الكافي6/366). ولكن الإمام كما يبدو نسى أن يوضح لنا أي من التفاح هو الذي يورث النسيان، فهناك العديد من الأصناف والألوان والمذاقات، فجاء الجواب الشافي في مكان لاحق” لتجنب ما يورث النسيان هو أكل التفاح الحامض والكزبرة الخضراء والجبن”. (المصدر السابق/802) إذن التفاح الحلو لا مضرة منه، والحمد لله. لكن هناك الأدهى من علومهم الثمينة التي وضحت لنا أسبابا أخرى تورث النسيان وهي” البول في الماء الواقف، المشي بين إمرأتين، وإلقاء القملة الحية على الأرض والنظر إلى المصلوب”. (المصدر السابق) لا تعليق على هذه الوصايا القيمة الصادرة من الأئمة! وعن الإمام الصادق” أكل الجرجير بالليل يورث البرص”. (بحار الأنوار63/237) لكن كما يبدو أكله في الصباح لا مضر منه. أما عداء الأئمة مع الجرجير فالسبب كما شرحه الإمام الرضا” الباذورج لنا، والجرجير لبني أمية”. (طب الأئمة/139)، سبحان الله على هذا الذكاء النير! الجرجير معادي لأهل البيت! لله درك على هذه العبقرية!
ولننتقل الى فقرة مهمة وهي العلاقة الوثقى بين النعال والضعف الجنسي! وهذه النظرية الجنسية ـ النعلية، مع ان مكتشفها منذ عدة قرون هو خازن علوم الله أبو عبد الله، لكن مع الأسف لم يستفد منها لا علماء الطب ولا صانعوا الأحذية! ربما بسبب جهلهم وفقر معلوماتهم عن هذه العلاقة الخطيرة! فقد روى مرجعهم الموثوق ابن بابويه القمي” عن أبي عبد الله أنه رأى رجلا وعليه نعل سوداء، فقال له: مالك يا رجل ولبس نعل سوداء؟ أما علمت أن فيها ثلاث خصال؟ قلت: وما هي جعلت فداك؟ قال تضعف البصر وترخي الذكر وتورث الهم، وهي مع ذلك لباس الجبارين، عليك بلبس نعل صفراء، فيها ثلاث خصال! قلت: وما هي؟ قال: تحد البصر وتشد الذكر وتنفي الهم”. (كتاب الخصال1/99). الإمام لم يشخص العلة فحسب بل قدم لنا العلاج الشافي والوافي لشد الذكر، وهو النعال الأصفر! ونأمل أن يطبق من يعاني من ظاهرة الرخو الذكري هذا العلاج الإمامي ويوافينا بالنتيجة المعروفة سلفا. ولأن القمي فارسي لا يحسن العربية، فإنه لم ينقل عن الإمام قوله للرجل لابس النعل أو منتعل بل قال عليه نعل! وحرف الجر على يفيد الفوقية.
هناك علاج فاعل لجميع الأمراض ذكره يزيد بن مسلم” قال أبوعبد الله عليه السلام: المشط ينفي الفقر ويذهب الداء”. (مكارم الأخلاق/74).كلنا يا إمام نمشطالأغنياء منا والفقراء! وكل بقي على حاله. وهذه وصفة علاجية ثلاثية الفائدة للإمام الصادق نقلها لنا مؤسس المذهب الشيخ الطوسي نفع الله المؤمنين بعلمه الوافر جدا جدا ” تسريح الرأس يقطع البلغم، وتسريح الحاجبين أمان من الجذام، وتسريح العارضين يشد الاضراس”. (مكارم الأخلاق/78). هكذا هو العلم الصحيح وإلا فلا!
للحرز والحجاب والرقيه دور كبير في العلوم الطبية الأمامية والصفوية، ربما إستلهموها مما ورد في سورة الإسراء/82 ((وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)). وسورة فصلت/44 ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)). وسورة يونس/57 ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)). لكن المصيبة إنهم لا يعملون بالقرآن الكريم، وإنما بأحجبة وأحراز ورقى صادرة من مخيلاتهم المريضة وبلغات لا وجود لها إلا على ألسنتهم الفارسية العوجاء. مثلما هو معروف إن الإسلام أجاز الرقي بشروط. قال الحافظ ابن حجر العسقلانى” قد أجمع العلماء على جواز الرقي عند اجتماع ثلاثة شروط، أولا: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته. ثانيا: تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره. ثالثا: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى”. (فتح الباري في شرح صحيح البخارى10/195). نموذج على هذه الرقيه تلك الواردة في الحديث النبوي الشريف” مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِىَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ”. (أخرجه البخاري/6403). لكن ستلاحظ أن الشروط الثلاثة المشار إليها غير متوفرة في الرقى والأحراز الصوفية والإمامية.
ذكر بسطام النيسابوري لعلاج المحموم” تؤخذ بيضه وتكتب عليها سبعة مرات جيم (ججججججج) وتلقى في خمط وتطبخ حتى تنضج وياكل المحموم اللب الابيض والاصفر وهذا مجرب صحيح”. (طب الأئمة/159). وإن لم ينفع فلا بئس! عليك بهذه الوصفة الأخرى” تؤخذ ثلاث ورقات وتبلع كل يوم ورقه ويكتب على كل ورقه .الورقه الأولى يُكتب عليها(طسطسف هوز وسق). والورقه الثانيه (طسطسق بزر سقامي) والورقه الثالثه (طسطسق سمرر وسعمو)”. (المصدر السابق). كما قال شيخ الطائفة الطوسي في علاج الجرب” شكا بعضهم إلى أبي الحسن (ع) كثرة ما يصيبه من الجرب فقال: إن الجرب من بخار الكبد، فاذهب وافتصد من قدمك اليمنى والزم أخذ درهمين من دهن اللوز الحلو على ماء الكشك واتق الحيتان والخل، ففعل ذلك فبرأ بإذن الله تعالى”. (مكارم الأخلاق/77) الجرب من بخار الكبد! أين علماء الطب من هذه المعلومة القيمة؟ علاوة على الوصية المهمة: إتقِ الحيتان والخل! مع انه ينصح الأطباء بإستخدام دهن الحوت لإحتوائه على مواد غنية مفيدة للصحة، وكانت توزع بشكل حبوب على طلاب المدارس في العراق جبرا ومجانا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
أبى المتصوفة إلا أن يخوضوا في هذا المستنقع الآسن، المليء بطحالب الجهل والتخلف، كما فعل الأئمة أو الأصح ما نُسب لهم من قبل كبار مراجع الشعوبية، لكن بصوره أقل فعالية وجاذبية، فأغلب علومهم الطبية مرتبطة بالطلاسم والحرز. مع إن هناك تعارض في أقوالهم كالعادة. قال بعض المتصوفة ومنهم أبو طالب المكي” لا يجوز التداوي”. على أساس ان الانسان عليه القبول والرضا بما يبتلى به من أمراض وعلل، كما ان فضل الشفاء سيرجع للدواء وليس لله تعالى. وهذا الرأي يخالف ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقد جاء في سورة النحل/69 عن فوائد العسل((فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ))، وهو حث العباد على إستخدام العسل والإستفادة منه. ونقل أبو الدرداء عن النبي(ص) قال” إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ”. (أخرجه أبو داود/3874). ولكن مع هذا فأن العديد من شيوخهم أبحروا في هذا اليم المفزع، ومنهم أبن عربي والغزالي والبوني وغيرهم.
ذكر ابن الملقن لإيقاف النزف” يكتب انقلب يا دم بألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هج لج هج لج هج لج هي لخطاي هي تكتب في ورقة وتعلق بين عيني المنزوف على انفه”. (كتاب الدر النظيم/50). ولو إكتفى إبن الملقن بالقول” يكتب انقلب يا دم بألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي” بدلا عن الهج واللج لأراحنا وأراح العباد من طلاسمه! ويذكر الشعراني عن عبد الواحد بن زيد” كان رضي الله عنه يقول عليكم بالخبز والملح، فإنه يذهب شحم الكلى ويزيد في اليقين”.(الطبقات الكبرى1/43). وينسب الشعراني للإمام احمد بن حنبل” لما مرض عرضوا بوله على الطبيب، فنظر إليه وقال هذا بول رجل قد فتت الغم والحزن كبده”.(الطبقات الكبرى1/52). وذكر الشيخ عبد المحمود نور لمعالجة إرتفاع حرارة الجسم” يكتب لمن به حمى هذه الأسماء: شقش شقموش نمو شلخ راع المنخ أبا نوخ العجل الساعة”. ( أزاهير الرياض /231).
هناك الكثير من الرقى والعزائم والطلاسم في كتبهم وأبرزها ورد في كتب الأوفاق وشمس المعارف الكبرى ومنبع أصول الحكمة. يحدثنا النبهاني عن شيخ يدعى زون بهار( أو روزبهار) ومن كراماته الصعق في حب الله، وقد وظف كرامته الصاعقة لخدمة الحوامل، حيث تضع الحوامل ما في بطونهنٌ من الصعقة الأولى! ومن ثم وقع الشيخ الصاعقة بحب امرأة بغي! فترك صواعقه وخرقته الصوفية من أجل البغي!(جامع كرامات الأولياء2/77). كما ذكر الشيخ يوسف النبهان عن عن الشيخ الحبيب العجمي” جاءه رجلٌ فاشتكى وجعاً في رجله وسأله أن يدعو له وكان في مجلسه فلما تفرق الناس أخذ المصحف وعلقه في عنقه، وقال: يا الله لا تسود وجه حبيب، ثم قال: اللهم عافه حتى ينصرف ولا يدري في أي رجليه كان الوجع، فوجد الرجل العافية في الحال. فسألوه في أي رجلك كان الوجع، فقال لا أدري”. (جامع كرامات الأولياء1/92). وعنه أيضا” يروى ان رجلا قال له: لي عليك ثلاثمائة .قال: من أين ؟ قال : قال لي عليك .قال: اذهب إلى غد، ثم قال: اللهم إن كان صادقا فأدِ إليه دينه وإلا فابتله في بدنه، فجيء به محمولا مفلوجا، فقال: التوبة. فقال الحبيب: اللهم إن كان صادقا فعافه، فكأنما نشط من عقال”. (المصدر السابق1/387).
كما ذكر الشيخ محمد الكسنزان الحسيني” ان رجلا قال: كنت مصاباً بتشمع الكبد سنة1967 فراجعت الأطباء مدة طويلة ولكن دون جدوى وكان والدي أحد مريدي الشيخ عبد الكريم الكسنزان وقد بلغ من العمر ما يزيد على الثمانين وهو رجل متصوف، فقال لي يوماً: يا ولدي اطلب الاستمداد من روح الشيخ عبد الكريم الشاه الكسنزان واقرأ له سورة الفاتحة هدية لروحه الطاهرة! ففعلت ما أمرني به والدي، ونمت في تلك الليلة فرأيت رجلاً يقول لي: لِمّ ناديتني يا بني؟ قلت له: من أنت؟ قال لي: أنا الشيخ عبد الكريم الشاه الكسنزان ثم مسح بيده على بطني، وقال لي: قُم مشافى معافى بأذن الله فاستيقظت من النوم ولم يبقّ بي من أثر المرض الخطير شيء”. (الطريقة العلية القادرية الكسنزانية/363). لاحظ ان الشيخ في البداية لم يعرف سبب دعوته! من ثم مسح يده على بطن المريض قبل ان يتحدث المريض عن مرضه!
ومما ذكره الشيخ يوسف النبهان عن الإمام علي” أن واحداً من محبيه سرق، وكان عبداً أسود فأتى به إلى الإمام علي فقال له أسرقت؟ قال: نعم .فقطع يده، فانصرف من عنده فلقيه سلمان الفارسي وابن الكواء فقال ابن الكواء: من قطع يدك؟ فقال: أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين وختن الرسول وزوج البتول .فقال: قطع يدك وتمدحه؟ فقال: ولِمَ لا أمدحه! وقد قطع يدي بحق وخلصني من النار، فسمع سلمان ذلك فاخبر به علياً فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطاه بمنديل ودعا بدعوات، فسمعنا صوتاً من السماء ارفع الرداء عن اليد، فرفعناه فإذا اليد قد برأت بإذن الله تعالى”. ((جامع كرامات الأولياء1/388). لكن هل قطع يد السارق في الدنيا تعتبر عفو من الله تعالى عن السارق في الآخرة؟ ولماذا لم يتمكن النبي(ص) من علاج الصحابة الذيم استشهدوا في الغزوات بسبب جراحهم؟ هل السارق أفضل من الصحابة؟ أم علي أفضل من النبي(ص) فمنح هذه القدرة؟
كما ذكر ابو بكر العطاس للعلاج من وسوسة الشيطان سيما مع أداء الفروض، حسبما جاء في شكوى للشيخ عبد الرحمن بن محمد أجاب عنها” إذا أردت أن تصلي إحمل في ثوبك بعرة، فقال السائل: بعرة بعير أو غيرها؟ فأجابه” بل بعرة حمار”. (تذكير الناس بكلام احمد العطاس/46). تصوروا بعرة حمار قذرة في جيبه ويؤدي الفروض! أين الطهارة يا شيخ! إتقوا الله في العباد.
علي الكاش