صورة جثة الطفل “آلان” الكردي البالغ الثالثة من العمر، بوجهه البرئ، ممددا على بطنه ومتكئا على وجهه، مرتديا قميصه الأحمر، وسرواله الأزرق، وحذاءه البني، ينفطر لها القلب، وتدمع لها العين، وتنكسر لها النفس البشرية السوية. الطفل “آلان” الذي قضى غرقا بعد أن إنقلب المركب الذي كان على ظهره برفقة والده “عبد الله” وأمه “ريحانة” وأخيه “غالب” البالغ خمس سنوات من العمر، وجميعهم قضوا غرقا، ما عدا الأب، في رحلتهم المشؤومة الى عالم الهجرة المجهول.
تقول المصورة التركية “نيلوفير دمير” التي التقطت الصورة، والتي تعمل لصالح وكالة دوغان الخاصة عبر قناة الـسي ان ان
تورك الاخبارية: “عندما رأيته أصابني الجمود، تسمرت في مكاني، مع الأسف لم يعد ممكنا فعل أي شئ لمساعدة هذا الطفل، فقمت بعملي. وأضافت: نتنزه دائما على هذه الشواطئ منذ أشهر، لكن البارحة كان الأمر مختلفا. رأينا أولا جثة الصبي الأصغر الهامدة، ثم جثة شقيقه ووالدتهما”.
أما والدهما “عبد الله” الذي نجا من الموت بإعجوبة، فيقول في مقابلة مع اذاعة الـبي بي سي العربية: “شاهدت بعيني هاتين زوجتي وأولادي يلفظون أنفاسهم الأخيرة الواحد تلوى الآخر، وأنا عاجز لا أستطيع أن أفعل لهم شيئا”.
وفي السابع والعشرين من الشهر الماضي، عثر على شاحنة متروكة بجانب طريق سريعة في شرق النمسا وداخلها جثث 71 شخصا، يرجح أنهم لاجئون سوريون منهم أربعة أطفال.
ليس الموت وحده ما يواجهه هؤلاء الضحايا، بل قد يكون الموت أرحم من الذل والابتزاز الذي يتعرض له المهاجرون السوريون وغيرهم من الجنسيات الأخرى في بعض الدول العربية والغربية المضيفة. فالبعض يبقى في ثكنات عسكرية مهجورة تفتقر الى الكثير من الخدمات الأساسية التي يحتاجها الانسان، وآخرون يحشرون في عربات القطارات كالبهائم، وكأنهم ليسوا بشرا لهم احاسيس ومشاعر.
من المسؤول عن هذه الفواجع التي تحل بهؤلاء الأبرياء كل يوم منذ سنوات؟ طبعا هم الحكام العرب الذين اخذوا على انفسهم عهدا إما ان يحكموا بلدانهم بالحديد والنار، ويستعبدوا شعوبهم، أو يدمروا هذه البلدان على رؤوس شعوبهم، ويشردونهم برا وبحرا، داخل بلدانهم وخارجها، ويذيقونهم ذل الفقر والغربة.
منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، والأموال العربية يذهب نصفها الى جيوب الحكام وعوائلهم والمحسوبين عليهم، والجزء الأكبر من النصف المتبقي يصرف على الفتن والحروب الأهلية، والحروب العبثية التي يثيرونها ضد الأشقاء والجيران بغرض إلهاء شعوبهم وإشغالهم عن المطالبة بحقوقهم السياسية والاقتصادية، وعلى الأسلحة والمعدات العسكرية التي تتحول الى خردة بعد سنوات من تكديسها في المخازن، وعلى الأجهزة الأمنية التي وظيفتها قمع الشعوب بدلا من توفير الأمن والأمان لها، ولا يبقى إلا النزر اليسير الذي يصرف على التعليم والصحة والبنية التحتية.
الثروات المنهوبة تستثمر في الولايات المتحدة والدول الغربية ويتغذى عليها اقتصادهم، في الوقت الذي يعاني اقتصاد الكثير من الدول العربية من عجز كبير وخلل بنيوي.
النتيجة الطبيعية لأنظمة حكم متسلطة وفاسدة، وقيادات لا تتمتع بمواهب سياسية وفكرية، هي: شعوب تشعر بالذل والهوان، واقتصادات ضعيفة تئن تحت وطأة الديون المتراكمة عبر السنين، وتخلف في العلم والفكر، وجيوش من العاطلين عن العمل، وانهيار في الأخلاق والقيم بسبب الفقر المدقع، وحروب اهلية واثنية تأكل الأخضر واليابس، وملايين في المهجر يعيشون ذل الفقر والغربة، واوطان مستباحة من قبل الجيران والأعداء.
الأمة العربية منذ رحيل الإستعمار عن بلدانها أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، وسقوطها تحت حكم العسكر والملكيات المطلقة، اصبحت “أمة العار والبؤس”. ماذا سيكون الوضع لو أخذت الدول العربية بالنظام الديمقراطي (والملكيات الدستورية) كما حدث في الهند بعد تحررها من الإستعمار البريطاني، البلد متعدد الأعراق والأديان واللغات، بدلا من النموذج الباكستاني؟ مسؤولية إصلاح أوضاع هذه الأمة مرتبط بقوة إرادة شعوبها. فالحديث أو القول المأثور يقول: كما تكونوا يولى عليكم.
المصدر إيلاف