الشرق الاوسط
خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير خارجية سوريا وليد المعلم، في طهران، إلى جانب وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، وأثناء حديثه عن الدعم الروسي لسوريا الذي يزداد قوة وثباتا، وعن الدعم الإيراني اللانهائي، وصف الروس بالأصدقاء، ووصف الإيرانيين بالأشقاء. كان بهذا الوصف (الأشقاء) يرد على التأويلات التي ترددت، لأنه كان من المفروض أن يصل إلى طهران بعد انتهاء زيارته لموسكو، في 26 فبراير (شباط) الماضي، حيث التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. لكن، وحسبما برّر الطرف الإيراني، فإن تلك الزيارة تأجلت بسبب عطل طرأ على الطائرة الخاصة التي أقلت المعلم، فتأخر موعد وصوله إلى طهران، ولأنه كان للوزير صالحي ارتباطات مسبقة رأى الطرفان تأجيلها. يومها، ذكرت بعض وسائل الإعلام أن السبب سياسي.
هذا لا يعني أنه ليست هناك «تصريحات» سياسية أزعجت سوريا، خصوصا وصف أحد رجال الدين الإيرانيين لها بالمحافظة الإيرانية. وقد أثار هذا استياء كثير من السوريين المؤيدين للنظام، على الرغم من حاجة النظام للدعم الإيراني، وعلى الرغم من استطراد رجل الدين قائلا: «إذا سقطت دمشق، لن يعود باستطاعتنا الدفاع عن طهران».
ويلاحظ أن خطوط الدفاع الإيرانية الأمامية قائمة في الدول العربية: 1 – في لبنان، «حزب الله» وهو خط الدفاع الأول. 2 – في سوريا، النظام القائم. 3 – في العراق، حكومة المالكي.
في طهران، التقى المعلم وأجرى مباحثات، إضافة إلى صالحي، مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وسعيد جليلي أمين مجلس الأمن القومي، وكلها تركزت على الأحداث في سوريا ودور إيران هناك.
ونظرا للعلاقات الأمنية والعسكرية القوية التي تربط البلدين، أكد المعلم للطرف الإيراني أن الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية لا تزال متماسكة وقوية، متهما من يقول عكس ذلك بـ«الإعلام المضلل».
وحسب مصدر إيراني رفيع المستوى، فإن المعلم اعترف بوجود أخطاء ارتكبها النظام السوري، ووجود «بعض المشكلات» التي يعاني منها، إلا أنه أضاف: «لا يمكن إسقاط النظام»، إنه باقٍ ومستمر، وهذا واقع على الجميع التعامل والتصرف على أساسه، و«قد بدأ المجتمع الدولي يستوعب هذا الوضع».
في إيران، اعتبر المعلم أن الحملات والغارات العسكرية التي يشنها النظام على المدن السورية أدت إلى أن «يتحسن» الوضع لـ«صالح الجيش السوري، خصوصا في دمشق وريفها»، وأشاد كثيرا بالتقدم الذي أحرزه الجيش النظامي في سيطرته على طريق حماه – حلب الدولي، وكشف أن الجيش بهذه العملية نجح في فك الحصار عن لواءين كاملين للجيش السوري، شمال حلب، كان يحاصرهما الجيش السوري الحر، و«بعض» جماعة «جبهة النصرة»، مبلغا الإيرانيين بأن فك هذا الحصار سيعني التقدم تجاه شمال حلب صوب الحدود مع تركيا.
أبلغ الإيرانيون ضيفهم بأن «جبهة النصرة» والجيش السوري الحر يسيطران على الجزء الشمالي من حلب حتى الحدود مع تركيا. فرد المعلم بأن لديهم معلومات عن صراع بين «جبهة النصرة» وقيادة الجيش السوري الحر على إدارة القسم الذي يسيطرون عليه شمال مدينة حلب، بسبب إصرار «جبهة النصرة» على إدارة هذه الأجزاء، وقد بدأت بالفعل ممارسة «سلطاتها الشرعية» على الجميع، الأمر الذي أدى إلى مواجهات بين عناصرها وعناصر الجيش السوري الحر.
في لقاءاته، عبّر المعلم عن استيائه من المحاولات التركية لـ«استغلال» تأمين إيصال المساعدات الإنسانية بتقديم اقتراح فتح طريق خاص داخل سوريا. وارتاح لأن كثيرا من الدول الغربية رفضت الاقتراح التركي، كونه سيؤدي إلى تدخل عسكري أجنبي لحمايته، كما كان مرتاحا لفشل «مؤتمر أصدقاء سوريا» في إسطنبول من أجل الحصول على الموافقة الغربية للإعلان عن حكومة سورية في المنفى. وقال إن سوريا تعتبر هذا مؤشرا إيجابيا.
نقل المعلم إلى مستمعيه الإيرانيين ما بلغ دمشق عن لقاء برلين بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة سيرغي لافروف وجون كيري، مشيرا إلى أنه نتج عنه تغير في الموقف الأميركي من التطورات في سوريا، وبشكل خاص فيما يتعلق بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد! والجدل حول صلاحيات الحكومة الانتقالية. «وهذا يعود إلى تخوفهم»، كما قال، من عدم وجود بديل للأسد يضمن عملية انتقال السلطة، والخوف من انهيار المؤسسات الأمنية والعسكرية الذي سيؤدي إلى فراغ في السلطة، والخوف من سيطرة الجماعات المتطرفة على الحكم في سوريا.
وبالنسبة إلى الحوار مع المعارضة، أكد المعلم أن النظام متمسك بأن يكون الحوار داخل سوريا، وبين السوريين، ورفض أي مظلة إقليمية أو دولية. وقال إن بلاده فوجئت بموقف رئيس الائتلاف معاذ الخطيب «السلبي» بطلبه تنحي الأسد. لكنه عاد وأكد رغبة سوريا في الحوار مع الجميع و«من دون تحفظ، بمن فيهم المجموعات المسلحة، وبشكل خاص (جبهة النصرة) والجيش السوري الحر».
أولا، لم يشر المعلم إلى أن النظام يقاتل فقط «إرهابيين». ثانيا، جاءت تأكيداته قبل حديث الأسد إلى صحيفة الـ«صنداي تايمز» البريطانية، يوم الأحد الماضي، عندما عرض الحوار مع الأطراف التي «تتخلى عن أسلحتها».
أبلغ المعلم ارتياح القيادة السورية وثقتها الكاملة بالمواقف الروسية الثابتة، وقال إن روسيا تتحدث بكل وضوح وقوة مع الجميع، بمن فيهم الولايات المتحدة الأميركية، وبأنها لن تسمح بالتدخل الأميركي أو الغربي في سوريا «مهما كان الثمن». وقال المعلم، إن الرسالة الروسية القوية زادت قوة بعد إعلان سوريا عن استعدادها للحوار مع الجميع، و«بلا استثناء، بما فيها الجماعات المسلحة»، لذلك «ترى سوريا أن وعد جون كيري بدعم المعارضة السورية بـ60 مليون دولار كمساعدات إنسانية، ورفضه الدعم العسكري هو استجابة أميركية للرسالة الروسية».
في حواراته مع الإيرانيين، أشار المعلم إلى الموقف الأردني الذي يختلف تماما عن الموقف المعلن. قال إن عمان قلقة من التطورات في سوريا وتأثيرها المباشر على وضع الأردن، خصوصا أن «حركة الإخوان المسلمين تشكل القاعدة الأكبر للمعارضة الأردنية، مما يهدد العرش الهاشمي»، كما أن هذا القلق والخوف شكلا أرضية لـ«حوار سري أمني سياسي بين سوريا والأردن».
في طهران، طلب المعلم تدخل إيران لدى العراق لتأمين إيصال الكهرباء من إيران لسوريا، التي يستولي عليها العراق على الرغم من زيادة الدعم من 50 إلى 100 ميغاواط. فاتصل سعيد جليلي مباشرة برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي وعد بحل هذه المشكلة مع محافظ الأنبار، لضمان وصول الكهرباء الإيرانية لسوريا.
وكان رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي نقل، الشهر الماضي، الاستياء نفسه، خصوصا أن «سوريا هي بأمسّ الحاجة للكهرباء»، ويومذاك وعد المالكي بحل المشكلة.
والمعروف أن الإيرانيين يمدون النظام السوري بوقود المحطات الكهربائية والمواد الغذائية والطبية عن طريق كردستان العراق، وبضمانات مباشرة من مسعود بارزاني رئيس الإقليم الكردي، على الرغم من الكلفة المالية. وهناك اتفاق بين سوريا وإيران لتدير إيران قطاع النفط السوري، وتسويق المشتقات بشرائها إيرانيا وبيع الفائض منها في السوق العالمية، لتسديد المستحقات المالية السورية لإيران. وعلى الرغم من تأكيدات المعلم لجهة الانتصارات العسكرية التي يحققها النظام، واعترافه بـ«فقر» النظام اقتصاديا، هناك أخبار مؤكدة عن وجود اتصالات بين إيران والجيش السوري الحر، والائتلاف السوري، كما أن هناك اتصالات غير مباشرة مع «جبهة النصرة» عن طريق وسطاء، لأن إيران، كما يشير مصدر إيراني، ترفض الحوار المباشر مع هذه الجبهة لتفادي أي تعزيز لمركزها أو موقفها.