منذ ايام و العراق يشهد حالة من الحراك الشعبي يصعب وضعه في اطار مفاهيمي معرفي و ان كانت الأسباب المباشرة تتعلق بتراكم عوامل البؤس الاداري و السياسي ازاء مشكلات آنية يومية تتفاقم ..
مع احترامي الكبير للدوافع النفسية و الاجتماعية و الإنسانية لخروج الناس تعبيرا عن رفض سياسيات الدولة في التخلي عن توفير المستوى الادنى من الخدمات مثل الكهرباء و الماء… الا ن تطور الأمور و طبيعة حركة المتظاهرين و مستوى رد فعل الدولة و القوى السياسية قد تنبىء عن استراتيجية تتجاوز قدرة هؤلاء جميعا على ادارة الأزمة ..
لكن قبل ان نناقش فكرة الإستراتيجية لابد من المرور على بعض أوجه التفاعل الشعبي و خاصة دور المثقفين و تنظيرهم حول الحدث العراقي المتجدد.
هل يكفي ان نطلق عليها ثورة شعبية كما يهوى البعض .. و هل حدثت هناك ثورة في العالم دون ان يكون “وقودها” الشعب خاصة الفقراء و بعض شرائح الطبقة المتوسطة ..؟؟.. و هل الأسباب الآنية اليومية هي التي تحدد الدوافع الحقيقية و الأهداف و المآلات… ام ان هناك دوما استراتيجيات و قوى منظمة و مصالح سياسية و اقتصادية هي التي تخطط و تصنع اللحظة التاريخية لانطلاق الثورات و إخمادها و جني ثمارها و اعادة هيكليات التسلط و الهيمنة … بل و دفع القوى الشعبية الثائرة للعودة الى مكانها “الطبيعي” في دائرة الحرمان و الفقر و الاحباط و اليأس..؟؟؟
هل ما يحدث في العراق هو ثورة جياع… ام ثورة مضادة بالمفاهيم الكلاسيكية… ام هي دوار الفوضى التي تحدثنا عنها في مقالتي الاخيرة حول الانتخابات و مشكلة المياه … و الوضع الاستراتيجي في المجتمع العراقي الذي يوفر بنية اجتماعية سياسية و جاهزية ثقافية لخلق صراعات و بمستوى عالي من العنف اللاعقلاني ..؟؟
الان… لكي نفهم طبيعة الإستراتيجية الكبرى و نستدل على بعض ملامحها يمكننا ان نجمع بعض الخيوط من الأحداث و التصورات الإعلامية و التصريحات و التسريبات و غيرها… كل هذه الاستدلالات يبدو انها ربما تؤدي الى يالتا جديد بنسخة هلسنكي حيث يعقد الرئيسان الامريكي و الروسي اجتماعا تدور تساؤلات كبيرة حول نتائجها…
الاجتماع يأتي تتويجا لسلسلة طويلة من الاجتماعات و المشاورات عقدها الرئيسان في الطريق الى هلسنكي مع شركائهم و حتى خصومهم في مختلف دول العالم .. الصراع وصل حدودا خطرة في في اوروبا على الجبهة الاوكرانية و مشروع مد انابيب الطاقة الروسية و ازمة المهاجرين و مشكلة البريكست و التخلخل الواضح في بنية الاتحاد الاوروبي و مشكلة كوريا الشمالية و طريق الحرير الصيني الذي يتجاوز اسيا الى افريقيا و اوروبا و الاوقيانوس حيث يتمظهر عن دراجون صيني يبتلع العالم و الحراك السياسي الاقتصادي في أمريكا الجنوبية و الوسطى ووووو..
في الشرق الأوسط تداخلت المصالح الامريكية الروسية مع الارث القديم للصراعات الدينية و الاجتماعية و عودة الطموحات الامبراطورية و تنامي دور تركيا و ايران و تزايد المخاوف على إمدادات النفط و بالتالي تهديد دول مصالح دول متعاضمة القوة و النمو مثل الهند و كوريا الجنوبية اضافة الى اليابان …
مع جمع كل هذه الخيط تبرز اهمية الخليج الذي تقع مدينة البصرة في راس رحمها … و هنا قد نجد أنفسنا امام تساؤل استدراكي حول شرارة الثورة البصرية مع إطلاق تهديدات إيرانية بغلق مضيق هرمز من جهة و من جهة ثانية قبول ألمانيا بمشروع إمداد الغاز الروسي الى اوروبا ستريم 2 .. و الذي يعني اعتماد شبه كلي ( اكثر من 70 في المائة) على الطاقة الروسية..
هل من الصدفة ان احد شعارات الفوضى الثورية العراقية كان السيطرة على منابع النفط و طرد الشركات الأجنبية و هذا ما حصل جزئيا..؟؟.
نقطة اخرى سريعة… في الآونة الاخيرة كثر الحديث عن انقلاب عسكري تعد له الولايات المتحدة في العراق في وقت يكثر الكلام ايضا عن خروج أمريكي من سوريا مقابل ضمان روسي بإخراج ايران من سوريا… او ربما من العراق ايضا..
ننتظر قمة هلسنكي و نتابع ان كانت هناك يالتا جديدة لتقسيم العالم … يكون نصيب العراق منها اعادة الاحتلال الامريكي المباشر (لانه ليس هناك جيش يستطيع القيام بانقلاب) و القضاء على الفوضى التي جاءت مع الانتخابات و ابعاد الفاسدين استجابة للمطالب الشعبية (و الحفاظ على المفسدين للضرورة التاريخية ..!!..)… حبي للجميع