سردار أحمد
الحلقة الخامسة والعشرون
الموالي ج1:
ماذا بعد تحرير الرقبة في الإسلام؟
في الدين الإسلامي عتق العبد لا يعني أنه أصبح حراً مستقلاً، فبعد العتق تبقى هناك صلة تشد العبد المعتوق إلى مُعتِقِهِ، وهذه الصلة لا تنحصر فقط بينه وبين مُعتِقِهِ، بل تُجَر وتنتقل من أولاده وأحفاده وأولاد وأحفاد معتقيه ما تناسلوا، وتسمى هذه الصلة (الولاء)، والولاء يجر الولاء، والعبيد المعتقون يسمون الموالي، وهذا الولاء هو نوع من أنواع الاعتراف بالفضل للمالك باعتبار أنه وهب العبد حريته، والموالي هم طبقة تتوسط الأحرار والعبيد، بمعنى أنهم أحط من الأحرار وأرفع من العبيد، والولاء كنظام اجتماعي كان معروفاً قبل الإسلام، ومقولة إن “الموالي هم المسلمون من غير العرب” سببها أن المسلمين العرب كان لهم استرقاق المسلمين من القوميات الأخرى، لكنهم فضلوا عليهم ولم يسترقوهم، وبذلك أصبح الآخرون موالين لهم لأنهم يُعتَبَرون بحكم المُعتَقين، وبكلمة أخرى الموالي هم عبيد العرب المعتقين، الأحط منزلة، المجبرون على الولاء للعرب بالرغم منهم، وتسميتهم بموالي العرب تأتي تميزاً وترفعاً للعرب على الغير.
والولاء له ثلاثة أنواع، فهناك ولاء الجوار، ولاء الحلف، والنوع الثالث والأخير هو ولاء العتاقة، وهو يلي ولاء الحلف في درجته الاجتماعية، وعن الفرق بين ولاء الحلف (التحالف) وولاء العتاقة (أعتق)، أن ولاء الحلف كان بين العرب، اما ولاء العتاقة فكان لغير العربي (لأنه عبد فأعتق)، وبذلك عندما يوالي من هو غير عربي قبيلة أو عشيرة من العرب فذلك الولاء يكون ولاء عَتاقة (العتاقة بفتح العين)، أي هو الذي أعتق من الرق، وقوله (من الموالي) أي من الذين أعتقهم العرب، وقد ورد في مشاكل الآثار للطحاوي، ج9 ص288عن تعريف المحررون فقيل أنهم: “المعتقون من العبيد أو هم الموالي من العجم”، وذكر في رد المحتار ج6 ص444:”العرب صنفان: عرب عاربة: وهم أولاد قحطان ومستعربة: وهم أولاد إسماعيل والعجم أولاد فروخ أخي إسماعيل، وهم الموالي والعتقاء والمراد بهم غير العرب وإن لم يمسهم رق سموا بذلك إما لأن العرب لما افتتحت بلادهم وتركتهم أحرارا بعد أن كان لهؤلاء الاسترقاق، فكأنهم أعتقوهم، أو لأنهم نصروا العرب على قتل الكفار والناصر يسمى مولى.” وذكر ابن بسام في كتابه الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ج1 ص111: “وقد أفضى الأمر إليكم، معشر الموالي؛ فهذا اسمكم إذ قد رفع الله عنكم العبودية به، وأخرجكم من رق الملكة، وصيركم منا، وخلطكم بنا، وأفضى بأنسابكم إلينا، والولاء لحمة، فمولى القوم منهم، وملعون من انتمى إلى غير أبيه، وادعى إلى غير مواليه. هذا حكم الديانة على لسانه عليه السلام”، وغير ذلك من صور الاستعلاء على كل من هو ليس بعربي، ورد في تفسير الطبري ج8 ص271: “قال: الموالي: العصبة. هم كانوا في الجاهلية الموالي، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسما، فقال الله تبارك وتعالى: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} [الأحزاب:5]، فسموا: “الموالي”.
وحسب ما ورد في أخبار مكة للفاكهي ج5 ص295 فإن “العصبة: من ليست له فريضة مسماة في الميراث فيأخذ ما أبقى ذوو الفروض”، وأما العجم فهم حسب تفسير الطبري ج19 ص398 أنه: “يقال: رجل أعجم: إذا كان في لسانه عجمة، ورجل عجمي: أي من العجم. والدواب: عجم، لأنها لا تتكلم.”، والعجماء هي البهيمة، والمرأة غير العربية تلقب بالعجماء، يعني العجم يستخدم لغير العرب وللبهائم على حدٍ سواء، وما سبق لا يعني إلا استعلاء العرب على الشعوب غير العربية وإن كانت مسلمة، وحتى يومنا هذا لا يزال أغلب العرب ينظرون إلى غيرهم بعين الشك، والاستحقار، والدونية، ويتعاملون معهم على ذلك الأساس.
في الموسوعة العربية، المجلد التاسع عشر، الموالي: “كان العرب في جاهليتهم يغزو بعضهم بعضاً فيكونون أرقاء، فلما انتشر الإسلام لم يعد يقبل من العربي المشرك إلا الإسلام أو القتل وأصبح غير محل للاسترقاق، حتى لو وقع أسيراً، أما أفراد القبائل العربية المتنصرة الذين يعتنقون الإسلام، فإن مرتبتهم تصبح كالعرب المسلمين سواء بسواء…”، وورد في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج9 ص261: “لأن الولاء أثر من آثار الرق ولا رق على عربي”، وذُكِر في المبسوط، ج12 ص272، وكذا في فتح القدير ج13 ص177: “قال (ص): {لا رق على عربي}”، ونقرأ في الموالي ونظام الولاء من الجاهليّة حتى آخر العصر الأموي لعبد اللطيف أرناؤوط بأنه “قد استمر مبدأ عدم استرقاق العربي للعربي في عهد عمر –رضي الله عنه- فقال قولته المشهورة أنه “ليقبح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً وقد وسع الله وفتح الأعاجم” وقال: “إنه لا سباء على عربي” بمعنى لا سباء في الإسلام ولا رق على عربي في الإسلام، كما سن عمر تشريعاً يقضي بتحريم رق النساء والولدان من العرب أيضاً، وهكذا خرج العرب من ولاء الرق وولاء العتق، فكان كل موالي الرق بعد هذا من الأعاجم”. وأيضاً نقرأ في الموسوعة العربية، المجلد التاسع عشر، الموالي: “كانت نسبة كبيرة من الموالي في الشام موالي عتاقة إما من الرقيق الذي كان موجوداً قبل الفتح وإما من الرقيق الذي كان يؤلف الخمس من الأسرى أو السبي الذي كان يرسل إلى دمشق بعد أن أصبحت عاصمة للدولة الإسلامية، ولذلك كان هؤلاء من أصول مختلفة فارسية، رومية، بربرية، تركية.”
ولغلبة العصبية القومية والقبلية على الأجواء التي كانت سائدة والتقييم وفقها، نقرأ في كتاب مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول، ص220: “وإذا كانت قريش قد حرصت على ألا تسفك دماء القرشيين حتى لا تقع ثارات فتجر إلى الحرب الداخلية في مكة؛ فإن بعض الموالي فقد حياته تحت التعذيب، فقد مات ياسر والد عمار بن ياسر تحت التعذيب، وقتلت زوجته سمية بطعنة من يد أبي جهل عمرو بن هشام أحد سادات قريش من بني مخزوم، ولقي عمار نفسه من العذاب ما كاد يقضي عليه، وكذلك ذاق بلال بن رباح، وغيره من الرقيق الذي أسلم نساء ورجالا ألوانا قاسية من العذاب”، وفي ص224، أنه: “تواصت البطون القرشية بتعذيب من أسلم منها، وألحت على المستضعفين من الموالي والعبيد بالعذاب، كما ألحت على من أسلم من رجالها ونسائها بالأذى.”
نظام الولاء كان معروفاً في الجاهلية، لكن الإسلام وضع عليه بعض التعديلات وغير من بعض قواعده، فإنه مثلا حرم المولى من أن يرث سيده، وحرم تبني المعتوقين من العبيد، وحرم الزواج من الموالي، كما أنه منع بيع الولاء وتحويله، ولأن المسلمين حللوا لأنفسهم الفيء والغنيمة والأنفال وحُرِمَ ذلك على الغير، فإن الولاء والموالي حسب الشرع كانوا كلهم للعرب المسلمين سواء شاءوا أم أبوا، ومُنِعَ استرقاق العرب حتى ولو كانوا غير مسلمين، وهذا ما أنتج طبقة فاقدة للاستقلالية تابعة للعرب بالرغم منها، وبذا كثر موالي العرب بعد الإسلام بسبب قوانين عنصرية نسبوها للإله وأدعوا أنه رب للعالمين أجمع.
التفاخر للعروبة والازدراء لغير العروبة:
نقل لنا المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج7 ص370: أنه “نظرا إلى ازدراء العرب لشأن الموالي، وما كان يجلبه الولاء من ازدراء العرب بعضهم بعضا لهذا السبب، بسبب ولاء العتق أو ولاء الموالاة، فقد أمر الخليفة “عمر” بإبطال الولاء بين العرب، وجوز بقاءه فيما بين العرب وغير العرب, فاقتصر الولاء على هذا النوع وحده في الإسلام.”
وعن ذلك ورد في كتاب الصحيح من سيرة الإمام علي ج13 ص306:”حين جاء قرار التمييز والتفضيل للعرب على غيرهم من قبل رأس الهرم، وهو عمر بن الخطاب، كان من الطبيعي أن يصاب الكثيرون من العرب بداء الغرور والعنجهية، والكبرياء إلى حد الصلف في تعاملهم مع غير العرب، القائم على أساس الظلم، والتعدي، والإذلال…” (ما أشبه اليوم بالبارحة)
وعن زواج زينب بنت جحش (ثم لاحقاً أم المؤمنين) نقرأ ما ورد في تيسير التفسير للقطان، ج3 ص109: “لم ينجح هذا الزواج. فقد تطاولت زينب على زوجها وجعلت تتكبر عليه، وتعيّره بأنه عبد رقيق، وهي قرشية. وآذتْه بفخرها عليه”. لم تتقبل زينب بنت جحش فكرة العيش مع زوجها زيد بن حارثة الذي لم يكن في نظرها إلا حثالة حتى بعد أن أعتقه النبي محمد وتبناه (بعد ذلك أمر النبي زيد أن يطلقها ليأخذها هو لنفسه وتصبح أماً للمؤمنين!! وبسبب ذلك الزواج حرم التبني في الإسلام!!.
ذكر في الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ج7 ص 401 أنه: “كان لنصيب (وهو شاعر أسود) بنات فكان يشح بهن على الموالي وتكره العرب أن تتزوجهن”، مع العلم أن نصيب كان مولى عمر بن عبد العزيز، وفي وصف ذلك يقول أبو تمام:
أما القوافي فقد حصنت غرتها……فلا يصاب دم منها ولا سلب
ولو عضلت عن الأكفاء أيمها……ولم يكن لك في أطهارها أرب
كانت بنات نصيب حين ضن بها……على الموالي ولم تحفل بها العرب
وكذا في العقد الفريد ج1 ص419، والإمتاع والمؤانسة ج1 ص188 نجد: “أن عامر بن عبد القيس في نسكه وزهده وتقشفه وإخباته وعبادته كلمه حمران مولى عثمان بن عفان عند عبد الله بن عامر صاحب العراق في تشنيع عامر على عثمان وطعنه عليه، فأنكر ذلك، فقال له حمران: لا كثر الله فينا مثلك؛ فقال له عامر: بل كثر الله فينا مثلك؛ فقيل له أيدعو عليك وتدعو له؟ قال: نعم، يكسحون طرقنا ويخرزون خفافنا ويحوكون ثيابنا.”، وفي الطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص251، الشعبي قاضي الكوفة في عهد عمر بن عبد العزيز، يصرح بما تكنه نفسه في كرهه لوجود الموالي في المساجد فيقول: “الله لقد بغض إلي هؤلاء هذا المسجد حتى تركوه أبغض إلي من كناسة داري”.
بالرغم مما سبق نجد الكثير من الذين لا يتوانون ولا يوفرون كذبة إلا ويستعملونها ليثبتوا أن الإسلام أبطل من العادات السيئة كذا وكذا وكذا، وهم ينظرون لتخبطاتهم على أساس أنها نعم ومنجزات ومعجزات للبشرية، مثلاً في المبسوط ج10 ص142 حيث يقول “أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله تعالى- أن ولاء العتاقة ولاء نعمة وهو قوي معتبر في الأحكام والحرية والنسب في حق العجم ضعيف، ألا ترى أن حريتهم تحتمل الإبطال بالاسترقاق بخلاف حرية العرب؛ ولأن العجم ضيعوا أنسابهم ألا ترى أن تفاخرهم ليس بالنسب ولكن تفاخرهم كان قبل الإسلام بعمارة الدنيا، وبعد الإسلام بالدين، وإليه أشار سلمان رضي الله تعالى عنه حين قال سلمان ابن من قال سلمان ابن الإسلام، فإذا ثبت هذا الضعف في جانب الأب كان هذا وما لو كان الأب عبدا سواء، وكذلك إن كان الأب مولى الموالاة؛ لأن ولاء الموالاة ضعيف لا يظهر في مقابلة ولاء العتاقة، فوجوده كعدمه فأما إذا كان الأب عربيا فله نسب معتبر، ألا ترى أن الكفاءة بالنسب تعتبر في حق العرب ولا تعتبر في حق العجم.” يعني بالمختصر التفاخر بالنَسَب حلال على العرب حرام على غيرهم، والتفاخر بالنسب العربي لا يتناقض من التفاخر بالإسلام، وكلاهما واحد، أما التفاخر بغير العروبة فهو كفر.
الحسب والنسب (الشريف):
ما سبق يوصلنا للدخول في قضية التفرقة والتمييز على أساس الحسب والنسب، وكثرة تفاخر المسلمين بالعصبية القومية والقبلية والعنصرية والتميز على أساسها، نقرأ مثلاً في المبسوط ج6 ص100: “وإذا تسمى الرجل لامرأة بغير اسمه وانتسب لها إلى غير نسبه فتزوجته فالمسألة على ثلاثة أوجه: (أحدها): أن يكون النسب المكتوم أفضل مما أظهره بأن أخبرها أنه من العرب ثم تبين أنه من قريش، وفي هذا لا خيار لها، ولا للأولياء؛ لأنها وجدته خيرا مما شرط لها فهو كمن اشترى شيئا على أنه معيب فإذا هو سليم. (والثاني): إذا كان نسبه المكتوم دون ما أظهره، ولكنه في النسب المكتوم غير كفء لها بأن تزوج قرشية على أنه من قريش ثم تبين أنه من العرب أو من الموالي، وفي هذا لها الخيار، وإن رضيت هي فللأولياء أن يفرقوا بينهما؛ لعدم الكفاءة.”، وفي تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق- ج5 ص362 نجد أن: “موالي العرب أكفاء لموالي قريش، لقوله عليه الصلاة والسلام {الموالي بعضهم أكفاء لبعض}، وكذا في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج6 ص114: “قول النبي (ص) {قريش بعضهم أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، حي بحي، وقبيلة بقبيلة، والموالي بعضهم أكفاء لبعض، رجل برجل}؛ لأن التفاخر، والتعيير يقعان بالأنساب، فتلحق النقيصة بدناءة النسب…”، وفي الموسوعة الفقهية الكويتية، ج34 ص174 عن النبي محمد أنه قال: “الأئمة من قريش، والموالي بعضهم أكفاء لبعض بالنص، ولا تكون الموالي أكفاء للعرب، لفضل العرب على العجم”
كما نجد في تفسير خازن ج3 ص373 أن النبي محمد يقول في نفسه وقبيلته متفاخراً: “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم” وقال أيضاً: “«إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فريقهم وخير الفريقين ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً» أخرجه الترمذي.”
وفي كتاب تقريع العصا في الرق والنخاسة والخصى عن ابن الأثير،ح3،صفحة151: كان “لكل طبقة من العرب طبقة من الموالي فقد كان البرامكة من موالي الرشيد ومن هم دونهم من العجم موالي الأمراء وهكذا،…” وذُكِر في صبح الأعشى ج1 ص136: “البرامكة وإن كانوا قوماً كراماً فإنهم قوم عجم وشتان بين العرب والعجم؛ وقد شرف الله تعالى العرب أن بعث منهم محمداً (ص)، وأنزل فيهم كتابه، وجعل فيهم الخلافة والملك”
ذُكِرَ في العقد الفريد ج1 ص5 أنه: لما “أراد عمر بن عبد العزيز رحمه الله مكحولاً على القضاء فأبى عليه. قال له: وما يمنعك قال مكحول: قال رسول الله (ص): لا يقض بين الناس إلا ذو شرف في قومه وأنا مولى…(وفي ص418 منه): قدم نافع بن جبير بن مطعم رجلا من أهل الموالي يصلي به، فقالوا له في ذلك؛ فقال: إنما أردت أن أتواضع لله بالصلاة خلفه… قال: وكانوا يقولون: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار أو كلب أو مولى. وكانوا لا يكنونهم بالكنى، ولا يدعونهم إلا بالأسماء والألقاب، ولا يمشون في الصف معهم، ولا يقدمونهم في الموكب.”
في الطبقات الكبرى ج6 ص256: “عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: ممن أنت؟ قلت: من بني أسد. قال من عربهم أو من مواليهم؟ قلت: لا بل من مواليهم. قال: فقل أنا ممن أنعم الله عليه من بني أسد.”
وفي كتاب حياة الامام الحسين، ج2 ص136، يقول شاعر الموالي شاكياً مما ألم بهم من الظلم:
أبلغ أمية عني إن عرضت لها………. وابن الامير وأبلغ ذلك العرب
إن الموالي أضحت وهي عاتبة………على الخليفة تشكو الجوع والجربا
ربما خير دليل على ذلك ما حدث لفاتح الأندلس طارق بن زياد الأمازيغي، والذي تنسب إليه الكثير من الانتصارات، وفي النهاية يستدعى إلى عاصمة الأمويين في دمشق مهاناً، فقيراً، مُهمَلاً، وعلى نحوٍ آخر قيل في (مقدمة في تاريخ بلاد المغرب- في الهوية الأمازيغية بأنه) “أهين وأرسل مكبلا إلى الشام حيث مات… الأمازيغي، فاتح الأندلس، والذي همش ونبذ من طرف النظام الأموي الفاسد، وتجاهل المؤرخون ذكر سيرته ونهايته المؤلمة، فقط لأنه بربري عاش في زمن سادت فيه روح استعلائية عربية غير مسبوقة، وقد انتهى أمر ذلك البطل الشجاع أن مات معدما بائسا”
كان أساس الحكم الأموي التمييز بين العرب وغيرهم، ذُكِر في العقد الفريد ج1 ص420عن الحجاج أنه: “أقبل على الموالي، وقال، أنتم علوج وعجم، وقراكم أولى بكم، ففرقهم وفض جمعهم كيف أحب، وسيرهم كيف شاء، ونقش على يد كل رجل منهم اسم البلدة التي وجهه إليها”، وقيل نحوه في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ج1 ص106: “إذ أن هؤلاء لما أسلموا، كتب عمال الحجاج إليه، بأن الخراج قد انكسر، وأن أهل الذمة قد أسلموا، ولحقوا بالأمصار، فأمر بإخراج أهل القرى إلى قراهم، وأن تؤخذ منهم الجزية، على نحو ما كانت تؤخذ منهم وهم كفار”، وفي النجوم الزاهرة في ملوك مصر ج1 ص96: “لما ولي يزيد على إفريقية عزم أن يسير فيهم بسيرة الحجاج في أهل الإسلام الذين سكنوا الأمصار… فأراد يزيد بن أبي مسلم أن يفعل بأهل سواد إفريقية كذلك؛ فكلموه في ذلك فلم يسمع وعزم على ما عزم عليه؛ فلما تحققوا ذلك أجمع رأيهم على قتله، فوثبوا عليه وقاتلوه وقتلوه”.
وقد ورد في محاضر الأدباء ج1 ص158 بأن العرب كانت إلى أن جاءت الدولة العباسية “إذ أقبل العربي من السوق ومعه شيء فرأى مولى دفعه إليه ليحمله معه غلا يمتنع، ولا السلكان يغير عليه، وكان إذا لقيه راكباً وأراد أن ينزله فعل”، وفي كتاب سلمان الفارسي ص123: “وقد قرروا: أن ضياع الاندلس كان سببه التمييز بين العرب، وغيرهم.”
بعيداً عن سخافات الحجاج وتاريخ الأمويين والعباسيين ومن شاكلهم، نقرأ عن روما قبل الإسلام في “قصة الحضارة -> قيصر والمسيح -> الزعامة -> رومة العاملة -> الطبقات- ص3477: حيث “كان ابن العبد المحرر يتمتع بجميع حقوق الأحرار، وكان في وسع حفيده أن يصبح عضواً في مجلس الشيوخ، بل ان حفيد أحد المحررين قد أصبح امبراطوراً بعد قليل من هذا الوقت الذي نتحدث عنه.”
بالرغم من التحولات التي عرفتها البشرية، والخطوات التي خطتها، إلا أن بلدان ومجتمعات (الإسلام العروبي) وبسبب غزو الأفكار الدينية والقبلية الهدّامة لعقول بسطائها، لا تزال بعيدة عن تلك التحولات، ولا تزال في غيها واستعبادها ورفضها وتخوينها للغير، هي لم تتجاوز مرحلة البداوة بعد، والتعالي على الآخرين ورفض (غير العرب) في مناهجهم هو عبارة عن ممارسة حق من الحقوق الشرعية التي كفلها الإسلام للعرب، وبسبب ذلك نرى اليوم أن القوميات غير العربية الموجودة فيها تعاني من التمييز والإقصاء، ولا تزال العروبة تعيش في حرية اعتبار غير العرب أخوة لهم تارة، وأدنى منهم منزلة تارة أخرى، مسلمون تارة، وأعداءً للإسلام تارة أخرى، وذلك حسب ما تتطلبه مصلحتهم القومية، ولا يزالون يعتبرون أن المواثيق الدولية وبنود حقوق الإنسان ما هي إلا نقم ودسائس ومؤامرات عليهم وعلى دينهم.
المؤمنين بنصوصٍ قديمةٍ لا تسمح لهم ثقافتهم بتجاوزها، والمتخيلين بأن العرب أعرق و أقدم وأنقى الأمم، لا يمكنهم أن يكونوا اليوم جزءاً من المنظومة العالمية والحضارة الإنسانية التي هي نتاجٌ ساهمت به كل الشعوب، ومن المؤكد بأن الوضع المزري للدول العربية هو تحصيل حاصل، ونتيجة حتمية لتلك الثقافة المتخلفة السائدة، ثقافة لا تقدم للبلاد سوى الخراب والإرهاب، والذي يؤدي بدوره لحرمان إنسانها من التعلم والتقدم والعيش بحرية وكرامة في ظل قانون يحترم الجميع، واستمرار ارتباطهم بتلك الأفكار البالية لا يزيدهم إلا ابتعادا عن مواكبة التقدم والعمل و الإبداع وبناء المؤسسات، والأوطان.
يــــتــــبــــع سردار أحمد