كاتب ومفكر عراقي
يحكى بأن أحد السلاطين زعم أنه يعرف نظم الشعر، فأنشد يوما قصيدة أمام جحا وقال له: أليست قصيدة بليغة يا جحا؟ فقال جحا: ليست بها رائحة البلاغة والشعر. فغضب الأمير وأمر بحبسه في الإسطبل. فقعد محبوسا مدة شهر ثم أخرجه. وفي يوم آخر نظم السلطان قصيدة أخرى وأنشدها أمام جحا، فقام جحا مسرعا، فسأله الأمير: إلى أين يا جحا؟ فأجابه: إلى الإسطبل يا سيدي! بمعنى بقي الحال على نفسه.
تفاءل بعض العراقيين سيما من أهل السنة بتولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء خلفا لنوري المالكي رئيس الوزراء السابق الذي قاد العراق بكل إرادة وتصميم إلى هاوية سحيقة لا العبادي ولا ألف مثله يمكنهم الخروج منها. في حين رأي البعض منهم إن العبادي لا يختلف عن المالكي فكلاهما ولد في الرحم الإيراني، وهما ينتميان إلى حزب طائفي متطرف له تأريخ دموي لا يختلف عن بعض الأحزاب الإرهابية الموجودة في الساحة. كما إن العبادي كالمالكي ورائه أجندة خارجية فهو لم يتولى الرئاسة إلا بعد أن ضمنت إيران بأنه سيكمل المشوار الذي بدأه المالكي، لذا وافقت على إستبدال المالكي جوكرها القوي خلال ثمان سنوات، بالعبادي الذي عرف بضعف شخصيته، وتتجاذبه الأهواء يمينا ويسارا.
بدأ العبادي مشواره السياسي بمقبلات شهية أعدت في مخابرات نظام الملالي، بإيقاف قصف المدنيين متذرعا بأنه لا يسمح بأن تراق قطرة دم عراقية بريئة على الساحة، وهو طرح سليم لو لم يبقى حبرا على ورق، فشمر سنة السلطة عن سواعدهم لتأييد الخطوة الجبارة التي إتخذها العبادي قبل أن يتيقنوا من صحتها. وفاجأهم العبادي بطبق فاخر من الفسنجون الإيراني عندما وافق على تشكيل ما يسمى بالحرس الوطني لحماية أهل السنة من غدر الميليشيات الشيعية، فتبادل نواب السنة النظرات إلى هذا الطبق المغري، مهنئين أنفسهم على هذا الإنتصار الساحق وزغردت نائبات السنة في البرلمان مباركنٌ مبادرة العبادي الشبحية، وآملين جميعا وضعا جديدا يريح جميع الأطراف.
لإكمال المسرحية، إعترضت الأحزاب الشيعية على الخطوتين وخرج بعض النواب الموالين لإيران منتقدين سياسة العبادي الجديدة في الإنفتاح على أهل السنة، مع إنهم على دراية تامة بأن الأمر ليس أكثر من مسرحية للضحك على نواب أهل السنة، الذين لا يمثلون السنة لا عن قريب ولا عن بعيد، ولا يستطيع أي منهم زيارة أي محافظة يمثلها. المهم تكاملت المسرحية وخاب ظن أهل السنة فيها كالعادة، سيما أولئك الذين تسرعوا في إعلان تعاونهم مع العبادي وإستعدادهم لدعمهـ مع إن طائراته ومدافعه تصبب حممها فوق رؤوس أهاليهم. وسرعان ما هدأ النواب الشيعة ولم يتحدث أي منهم عن قصف المدن ولا عن الحرس الوطني. وفي نفس الوقت لم يعلق النواب السنة عن الوضع الذي لم يتغير قيد أنملة. ولم يطلب أحد منهم إستضافة العبادي للإستفسار عن عدم الإيفاء بعهوده وهو ما يزال على عتبة الوزارة.
جيش الإعلام الحكومي والطائفي إستعرض حياة العبادي ومؤهلاته العلمية وأسرته البرجوازية وتعلمه في لندن وعيشه وهناك موحيين بأن تجربته في بلد متطور كبريطانيا تعد تجربة فريدة على كافة الأصعدة، يمكن أن يستفيد منها لخدمة العراق، ويبدو إنهم جهلوا أو تجاهلوا بأن إبراهيم الجعفري (وزير الخارجية الحالي) مفجر الحرب الأهلية عام 2006 عاش في لندن أيضا، وعادل عبد المهدي (وزير النفط الحالي) عراب جريمة بنك الزوية عاش في باريس، وكذلك معظم الزعماء والمسؤولين مزدوجي الجنسية،. إنهم جميعا من طينة واحدة. كما إن إنتخاب العبادي لمجلس الوزراء وفؤاد معصوم كرئيس للجمهورية هو بحد ذاته مخالفة للدستور، لأنهما متجنسان بجنسية أجنبية، وأقسموا بالولاء لبلدهم غير الأم.
الطائفية لا تعترف بالشهادة ولا بالمنصب ولا بالجاه ولا بالمسؤوليه، إنها فوقهم جميعا، ومهما حاول الطائفي أن يتستر بالوطنية، فإنه سرعان ما ينكشف وتظهر حقيقته أمام الجميع. فقد لبس العبادي الجلباب الوطني فوق اللباس الطائفي، وسرعان ما تهرأ الأول وبقي الثاني. في هذا الإسبوع تلخصت نشاطات العبادي في ثلاث زيارات ذات مغزى طائفي واضح.
أولهما: زيارته الى السيستاني في مقر إقامته في النجف للحصول على المباركة والبركة من جهة، ولأعلان الخضوع التام لتوجهات المرجعية بشكل صريح. وأخيرا لكسر الطوق الذي فرضه السيستاني على المالكي، برفض إستقباله. وكانت توجيهات السيستاني للعبادي، رفض وجود قوات أجنبية برية في العراق، وهي نفس التوجيهات التي تلقاها من الخامنئي، الغرض منها إبقاء النفوذ الإيراني في العراق بلا منافس! والإهتمام بقوات الحشد الطائفي وصرف رواتبهم ودمجهم لاحقا بقوات الجيش والشرطة. والإستمرار بقصف مدن أهل السنة بحجة مواجهة الدولة الإسلامية، وأخيرا الإستمرار على نهج نصرة المذهب، وعدم فسح المجال لتنفيذ مطالب أهل السنة لأنهم سيطالبوا بالمزيد.
ثانيهما: زيارة العبادي لطهران كأول محطة له، وهي زيارة ذات مغزى واضح، سيما سبقها تهجم من العبادي على جهات يعتبرها الولي الفقيه معادية له وهي السعودية وتركيا والإمارات. وهذا التهجم ليس تمهيدا للزيارة فحسب، بل إعلان من العابدي بأنه ما يزال ملتف بعباءة الولي الفقيه. وكانت توجيهات الخامنئي، رفض وجود قوات برية أجنبية في العراق، دعم المليشيات الطائفية المواليه لإيران، المساهمة في فك الحصار عن إيران من خلال رفع مستوى الإستيراد وإجهاض اي عملية تصنيع في العراق سيما في مجال الصناعات النفظية والغازية، ورفع تأشيرات المرور من قبل الطرفين لتشجيع السياحة نظرا لمردوداتها المالية الإيجابية لأيران. وكان رد العبادي ” بارشادكم نجتاز المرحلة”، حسبما ذكرته وكالة الانباء الايرانية الرسمية آيرنا. والأيام كفيلة بكشف صحة إجتياز المرحلة حسب إرشادات ولاية الفقيه!
علما انه لم يكن في إستقبال رئيس الوزراء العبادي نظيره الإيراني حسب البروتوكول المتبع بين الدول ذات السيادة، بل ولا وزيرا هذه المرة، فقد إستقبله مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين عبد اللهيان! وهذا حالة شاذة لا يمكن قبولها من قبل أي دولة لها سيادة أو كرامة وطنية، وفي لقاءات العبادي مع الخامنئي وبقية رموز نظام الملالي لم يكن هناك وجود للعلم العراقي، بل العلم الإيراني فقط! وحاول المصور أن يحصر الصورة في ركن العلم الإيراني فقط. وبما إنه وجهت للمالكي إنتقادات شديدة لهذه الوضعية الشاذة والمخالفة للمراسم الدولية، لذا كان من الأولى بالحيدري أن يتداركها، ولكن هل يحق للعبد الإعتراض على سيده؟
ثالثهما: زيارة العبادي لآية الله محمود شاهرودي والذي يشغل منصب رئيس مجلس الخبراء في نظام الملالي. والطريف في هذا اللقاء الودي للغاية ان الشاهرودي نصح العبادي ” بالإستفادة من التجارب الناجحة لحكومة سلفه المالكي وخدماتها القيمة”، إن الإقتداء بالمالكي من شأنه ان ان يعزز جبهة الحق ضد الباطل، والتصدي للإستكبار والصهيونية”. لا حاجة للتعليق على هذا المقترح! لكن يتبادر للذهن السوال الآتي:
لقد سلم المالكي نصف مساحة العراق للدولة الإسلامية، فهل يتوجب على العبادي أن يسلمهم ما تبقى منها؟
العجيب في سنة السلطة إنهم ما يزالوا مقتنعين بحكومة العبادي ونهجه الطائفي رغم وضوحه لكل لبيب وصاحب بصيرة، فهذا إسامة النجيفي أو ما يسى بنائب رئيس الجمهورية حث على” أهمية دعم الحكومة ومساندتها وتمكينها من تطبيق الاتفاق السياسي، فهناك من يحاول افشال الحكومة ووضع العراقيل امام تنفيذ التزاماتها التي انبثقت بموجبها”. فعلا كما يقول المثل” من هالمال حمل جمال”.
علي الكاش