علاء, شاب بغدادي بالثلاثين من العمر, لم يكمل تعليمه بسبب الظروف الاقتصادية القاهرة, والتي يتوارثها الإباء عن الأجداد, يعمل مع الاسطة عيدان كعامل بناء, وكل ما يأتيه من رزق هو أجره اليومي, وتنتظره العائلة بشراء احتياجاتها, مما يعني تبخر كل دينار يكسبه, مما أدى الى تأجيل حلم الزواج الى زمن أخر, وتأجيل معالجة أسنانه الى حين ميسرة, الى أن حصلت الفاجعة بعائلة علاء, حيث وقع علاء من سطح احد البيوت التي يعملون بها, وأصاب رأسه فطر بالاضافة لكسر الساقين والحوض واليدين, صرف المقاول لعلاء ثلاثمائة ألف دينار فقط, لغرض العلاج, كمبادرة إنسانية منه.
كان العلاج مكلفا والمراجعة لعيادات الأطباء تحتاج لأموال كثيرة, ولا توجد جهة حكومية أو مستقلة تتكفل علاجه, فأصبح علاء معاقا مريضا, يحتاج لمن يعينه للحركة, ودخلت الأسرة فترة قاسية مما اضطر إلام للخروج للشارع للاستجداء.
هكذا العمال في العراق من دون أي حماية ولا أجور كافية, كانت انطلاقة النقابات في الخمسينات والستينات بزخم اكبر, لكنها ألان هياكل فارغة, العامل اليوم هو ضحية بيد زمن لا يرحم, فالدولة لا تشغل بالها في مصير عامل بناء أو مرض صباغ أو تعسر اسكافي, فهذه الطبقة يتم سحقها من قبل الجماعة الحاكمة فقط يغتصبون أصواتهم بإشكال متعددة من المكر والخديعة.
ويمكن تشخيص أهم ثلاث مرتكزات للعمال تمثل الهم والحلم, والتي لو تم حلها حلا عادلا لتغير شكل الوطن.
أجور قليلة وإعمال متقطعة
يعاني العمال في العراق من تدني أجورهم اليومية, بحيث لا تتناسب مع حجم ساعات العمل, ولا تتفق مع حجم الأسعار المرتفع, فالمعاناة كبيرة لكن تتعرض للتجاهل من قبل الحكومة والأحزاب, فلا تجعلها من أولوياتها لأنها لا تدخل فلسا في جيوبها والمعروف أن الأحزاب في العراق مجرد تجارة, فلا تعمل من دون مكسب مادي, مما جعل العمال ضحية لبلد يعيش حالة من الضياع ويلتهمه وحوش الفساد.
مع أن العراق يعتبر من البلدان الغنية, لكن العمال يعانون فيه وبالكاد يستمرون بالعيش, لكن من دون أحلام, لأنهم عمال وعليهم خدمة الطبقة المرفهة فقط, وكل ما يتحصلون عليه يسد رمق العائلة لا أكثر من ذلك.
مع حالة قلق دائمة فرزق العمال غير مضمون, أحيانا بسبب الظرف الأمني يعيش العامل بطالة ولا يجد الا الاستدانة ليكمل العيش هو وعائلته, وأحيانا الأزمة الاقتصادية تجلسهم في البيوت, وعليهم أن يواجهوا مصيرهم الأسود وحدهم, فالحكومة لا يهمها العمال حتى لو ماتوا جوعا.
نحتاج في العراق لكيان يدافع عن العمال ويضمن لهم أجور مناسبة بحسب معطيات السوق, وهذا من مسؤوليات الدولة التي أهملتها لعقود.
غياب الضمان الصحي
عندما يتعرض العامل الى وعكة صحية فان لا احد يعطيه أجوره, ولا احد يدفع عنه مصاريف العلاج, مما يعني دخول العائلة محنة حقيقية, فمراجعة الطبيب ومصاريف العلاج تعتبر من الأمور الهائلة لطبقة العمال, والتي تحتاج لفترة من الزمن لجمع مال العلاج والطبيب, ولذا فاغلب العمال يترك العلاج ويذهب فقط للصيدلاني ويشتري ارخص أنواع الدواء, بل بعض العمال يلجئون الى بسطيات الدواء لان أسعارها اقل.
اعتقد على العراق وبما يملك من إمكانيات أن يصرف بطاقة ضمان صحي للعمال, بحيث يكون التشخيص والعلاج مجاني ي مستشفيات الدولة, وان تجبر الصيدليات على تخفيض أسعارها للفقراء والعمال بحيث يكون له رصيد شهري من الدواء المخفض وبهذا تحقق الدولة بعض العدل لبيوت سئمت من الظلم الطويل.
غياب الراتب التقاعدي
كم تألمت عندما شاهدت عجوزا في السبعين من العمر, وهو يحمل الطابوق ويعمل كعامل بناء, ذكرني بقصة الأمام علي عليه السلام عندما شاهد عجوزا يهوديا يعمل, فرفض أن يعمل ووفر له راتب من بيت المال, عدل علي حلم الإنسانية في كل زمان.
مما يفرض معاناة مستمرة للعمال, من المستقبل المخيف الذي ينتظرهم في أخر العمر, فبعد الستون تضعف قواهم ويصبحوا شيوخا, وهنا تبدأ معهم محنة كبيرة, عندما لا يقدرون على بذل الجهود والتي تحتاج لقوة الجسد, فالراتب التقاعدي لكبار السن حق لكل إنسان عراقي في رقبة الحكومة, فمن أين يأتي الشيخ الكبير بالمال وقد ضعفت قوته, وهو قد خدم الدولة على مدار سنين عمره كعامل بالأجر, هنا من باب العدل يجب توفير رواتب تقاعدية لكل كبار السن لحفظ كرامتهم.
الثمرة
بمناسبة يوم العمال العالمي, نطالب هنا بثلاث أمور أساسية يفتقدها في واقعه الحالي نتيجة الفشل الحكومي في إدارة الدولة وضياع دور مؤسسات المجتمع المدني, والأمور الثلاث التي يحتاجها العامل العراقي بشدة, هي:
أولا: توفير أجور مناسبة بحيث تتناسب مع تضخم السوق وتعدد الحاجات الإنسانية.
ثانيا: توفير ضمان صحي للعمال, بحيث يتحصل العامل على علاج ودواء مدعوم حكوميا, وهذا حق في عنق الطبقة الحاكمة.
ثالثا: توفير رواتب تقاعدي للعمال من وصل لسن الستون فما فوق, وهذا حق لكل كبار السن في العراق بعنق الطبقة الحاكمة.