غريبة خريطة «هذه» الطريق: إيران تسعى إلى العودة إلى الإمبراطورية الفارسية وأيام داريوس الكبير، وتركيا تسعى إلى العودة إلى أيام الإمبراطورية العثمانية والسلطان سليم والسلطان سليمان «القانوني». والمتطرفون يريدون العودة إلى العصر الحجري. والشعب العربي وحده خارج من بلدانه تاركا أرضه، لا يعرف أي قنابل يرد وأي خناجر يتقي، بعدما انتقلنا من عذر خناجر الصدور.
لم نعد أكثر من موضوع على جدول أعمال. استقالت مفوضة اللاجئين في الأمم المتحدة، لأن المسألة أصبحت أكبر منها ومن الأمم: نصف الشعب السوري في حاجة إلى مأوى وطعام ومياه وكل شيء بشري مُتخيّل. والدكتور وليد المعلم، يُبشّر من موسكو، أنه «لا بدّ من وضع آلية للتفاوض».
«آلية» لماذا؟ للتفاوض؟ على ماذا يا دكتور؟ السيدة أموس تقول إن نصف الشعب السوري في عراء الحياة والأرض. ونصف سوريا يقال إنه برلين 1945. وثلث سوريا في كنف الكهوف. ومعاليك تتحدث عن «آلية». وهذه الأسرة الدولية وصِيتُها المعروف تتحدث عن العودة إلى جنيف واحد. أي من الصفر. وفي هذا الباب تعبير بلاغي عبقري لعلي عبد الله صالح يوم كان يجلس على آلية التفاوض في اليمن: «تصفير العدّاد». وهو، كما ترى، مأخوذ من قيادة السيارات وليس قيادة الأمم.
هذا أقصى ما يعدنا به الزعماء بعد 30 عاما من الحكم: تصفير العدّاد. أو أقصى ما يُبشّر به رئيس الدبلوماسية السورية بعد 4 سنوات من دمار سوريا والسوريين، وبلوغ أعداد المشردين العرب 3 أضعاف اللاجئين الفلسطينيين.
وعلي عبد الله صالح يحاول أن يعود. لقد أخذوا منه سيارة تدعى اليمن فيما كان يحاول أن يبدأ من جديد: انسوا ثلث قرن مضى وصفروا العدّاد، وتعالوا نمتطي ظهر اليمن من جديد. سبقه شركاؤه الحوثيّون. صفّروا العدّاد معه ومع آل الأحمر ومع جميع القبائل. ومثل سيادة الفريق وقّعوا مائة عقد وعهد ثم صفروها.
لم يصل الأمر بجميع المسؤولين العرب إلى مطالبة شعوبهم بمبدأ تصفير السنين والعقود، ولكن هذا ما يقصده معظمهم في أي حال. تصفير الشعوب وتصفير البلدان بعد تصفير التاريخ. لم ينظر نوري المالكي إلى العراق على أنه أكثر من شيء عادي يبدأ تاريخه معه. تعامل مع العراقيين كما تعامل أباطرة روما مع عبيدهم. وكانت النتيجة هي التطور الأهم: الانتقال من عصور العبيد إلى عصور السبايا.
ودعونا نصفر العداد ونتفق على آلية، لماذا؟ للتفاوض؟
نقلا عن الشرق الاوسط