مشكلات منطقتنا متشابكة، فلا يمكن حل إشكالات سورية ولبنان والعراق واليمن.. إلخ، دون إيجاد حل جديد بفكر جديد للقضية الرئيسية، ونعني القضية الفلسطينية، التي إذا ما أطفئت نيرانها فستطفأ بالتبعية الحرائق المنتشرة على الساحة العربية، فتسعد شعوب المنطقة جميعا بكل أديانها وأعراقها وطوائفها!
****
وبداية الحل تكمن في الاعتراف بالأخطاء الجسام التي قمنا بها خلال المائة عام التي تلت وعد بلفور، فكان خطأ تسليم ملف القضية لشخص متشدد هو المفتي أمين الحسيني وعدم محاسبته وعزله رغم أخطائه الكوارثية منذ أيامه الأولى مثل رفضه توصيات لجنة بيل الملكية البريطانية التي كانت أول من نادت بحل الدولتين، وأعطت الدولة الفلسطينية 90% من الأرض، فرفض المفتي وهرب ليرتمي في حضني الطاغيتين هتلر وموسيليني، بينما راهنت الحركة الصهيونية على الحلفاء وربحت!
****
وكان خطأ فادحا رفض قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة 48، والأخذ بخيار الحرب رغم ضعف الإمكانيات، وخطأ تعظيم وإشاعة ما حدث في دير ياسين من قبل المفتي واستخدامه لتهجير الفلسطينيين من أوطانهم بحجة تسهيل عمل الجيوش العربية ولتدريبهم عسكريا في الأوطان العربية، وخطأ وضعهم في مخيمات للاجئين بحجة الحفاظ على القضية من الضياع، وخطأ عدم فهم حقيقة ان من يختار خيار الحرب ثم يخسرها.. يدفع لزاما الثمن!
****
ومن الأخطاء التاريخية الفادحة القبول بمتاجرة الثوريات العربية بالقضية الفلسطينية وتسليم ملفاتها لهم (52 ـ 67) ثم بعد ذلك للمغامرين أمثال أبوعمار وبقية «الأبوهات» دون محاسبتهم على مواصلتهم لمسلسل الأخطاء الكوارثية كتدخلهم في الشأن الأردني (67 ـ 70) ولبنان (69 ـ 89) ووقوفهم مع الطاغية صدام إبان احتلاله للكويت (90 ـ 91) ولجوئهم قبل ذلك الى العمليات الإرهابية كخطف الطائرات والبواخر السياحية وحافلات النقل.. إلخ، كوسيلة لخدمة القضية في الظاهر ولحصد أموال الابتزاز في الخفاء، ما تسبب في وقوع أفدح الضرر على القضية الفلسطينية ومازال قطار الأخطاء الكبيرة مستمرا مع قادة حماس دون مراجعات او عزل او حتى محاولة وقف ذلك القطار المتجه بالقضية الفلسطينية إلى هاوية لا قرار لها.
آخر محطة: من الفرص التاريخية الضائعة ما ذكره د.ثروت عكاشة الذي عمل ملحقا عسكريا بالسفارة المصرية في بون وباريس ومدريد في الخمسينيات ثم وزيرا للثقافة في الستينيات، عن قيام السفير الإسرائيلي في باريس وبعض قادة الحركة الصهيونية بنقل رسائل عن طريقه إلى الرئيس عبدالناصر إبان الوحدة المصرية ـ السورية تنص على قبولهم ودعمهم لمشروع وحدة الأوطان العربية واستعدادهم لأن تكون إسرائيل جزءا من تلك الوحدة أو الإمبراطورية العربية بشرط الاعتراف بهم وإعطائهم نوعا من الخصوصية ضمن تلك الدولة الواعدة، وكالعادة تم رفض المقترح لأجل أحلام واهية بالنصر ووعود إلقائهم بالبحر، فدخلت الأمة بعد ذلك في أعوام التيه العربي، ولا يوجد هذه الأيام إلا الظلام في نهاية النفق!
*نقلا عن صحيفة “الأنباء” الكويتية