فى مقال للكاتب الاستاذ محمد حسين يونس بعنوان (( وضاع كفاح قرنين يا مصر ))
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=337886
علق الاستاذ نواف الشمرى من حائل بالسعودية (تعليق رقم 7) تعليقا كنت أريد ان أعقب عليه بتعليق مثله ولكنى وجدت القلم يسترسل دون إرادة منى ليرد على تعليقه القاسى والذى يتمنى للمصريين فيه نفس مصير السعودية وقد عبر سيادته عن هذه الأمنية كالتالى:
((بجد انا سعيد انكم ستصبحون مثلنا -وعقبال الشريعة الاسلامية وهيئة المنكر يارب – لانكم يا أستاذ ما انفككتم يوما عن معايرتنا بتخلفنا ونظامنا الديني البدائي الهمجي والكبت وقلة الترفيه وانعدام الفنون والشماغ والنقاب وهيئة المطاوعه التي تجلدنا للصلاه وتغلق كل شيئ حتى تنتهي – كنتم دائما تسخرون منا وتتندرون علينا بمقالاتكم وافلامكم – الان اتمني لكم كل هذا باذن واحد احد – اريدكم ان تصبحون مثلنا لانه مفيش حد احسن من حد – وان كنا سنظل افضل منكم علي الاقل لدينا المال الذي يجعلنا نتحمل حياة الكبت والتزمت ونسافر بين فينه واخرى للترويح ونسيان -الوضع الذي نعيشه – لكن انتم يا حسره لن يكون لديكم المال – لا مال ولا حريه – ذوقوا قليلا مما ذقناه طوال قرون – اهنيكم علي الانضمام لنادينا ومبروك مقدما.))
يؤسفنى سيدى أن أمنيتك لن تتحقق وأننا لن نكون مثل السعودية أبدا وذلك لأسباب عديدة أولها الفقر الذى عايرتنا به .. هذا الفقر الذى تراه عار هو مدرسة فى حد ذاته، هو الذى يعلـِّم الانسان المصرى ما لا نهاية له من المهارات، بدءً من مهارات الخبث والالتفاف حول كل المشكلات التى تواجهه والكثير من المهارات الذهنية، الى المهارات اليديوية والبدنية لكى يستطيع أن يتغلب على فقره ويعيش حياته.. أدخل الدش لبيته ـ والذى قد يكون عبارة عن عشة من الطين وبعض بقايا الأخشاب والقش ـ بعمل إختراع مكون من وصلات سلكية عجيبة ولديه من القنوات الفضائية أكثر مما لديَّ فى بيتى والذى ندفع فيه الشئ الفلانى شهريا.. تجيد إمرأته طبخ كل الأصناف مستخدمة أرجل الدجاج والأجنحة أو عظام البقر لإطعام أورطة عيال يأكلون ويشبعون وينامون فوق بعضهم البعض فى مساحة محدودة يفرشها بسجاد مصنوع من بقايا وقصاقيص الأقمشة .. الفقر يعلم يا سيدى ويصقل الشخصية، الفقر مشكلة تواجه المصرى الشقيان وعليه أن يحلها، وفى أثناء حلها يتعلم الكثير، والمطلوب نظرة أكثر تعمقا منك على الفارق بين خبرات ومهارات الانسان المصرى التى يكتسبها يا ولداه ـ فقط ـ بسبب فقره ومثيلتها لدى الانسان السعودى، إن الاحتكاك بالحياة ومواجهة مشاكلها بشكل يومى بل أحيانا على مدار ساعات اليوم الواحد ينمى عقول المصريين ويساعدهم على الفهم والتطور رغم الجهل ( عدم الالمام بالقراءة والكتابة )، وهذا هو ما يجعلهم أكثر المغتربين تميزا لأنهم إعتادوا العمل فى بلادهم فى أحلك الظروف، لذا فحين يعملون فى ظروف مواتية وفى ظل منظومة ما تجد أمامك أفضل العقول.. أما حياة الجمود والملل والرتابة التى تنتج بسبب كثرة المال بدون وعى وبدون تعب وبدون مجالات بناءة لإنفاقه، تدفع الانسان للاسراف والسفه والخمول والاتكالية.
نظرة أخرى على الفارق بين مجتمعنا ومجتمعكم ، نحن أمة تحب السمر، تجمعنا أغنية ويلم شملنا موقف عاطفى، ولو أتيحت لك فرصة زيارة مصر للترويح والنسيان ـ كما كان مشايخكم يفعلون زمان ـ أنصحك بالذهاب فى جولة حول قصر الاتحادية فى عز أيام المظاهرات والاعتصامات وبالطبع ميدان التحرير وهو الأصل، تجد بين المتظاهرين بائعى البطاطا والذرة المشوي والحلابسّة .. وفى لحظة يندمج الجميع ، كل الشرائح والطبقات والطوائف عندما يمر العلم المصرى العظيم أمام أعينهم جميعا محمولا مشدودا بين أكف الشباب يستظلون به ويتقدمون تحت لواءه ، فيصيح الجميع بما فى ذلك الباعة الجائلين ” تحيا مصر ” .. ” مصر يا أم، ولادك أهم ” .. ” ويسقط يسقط حكم المرشد “.
يا أستاذ المصرى يولد متحضراً والحضارة هى المعرفة والخبرة الحياتية .. إكتسبها المصريون وورَّثوها لأبناءهم على مر العصور الطويلة، بين محتل غازى وحاكم مستبد، وفقر قاسى والعيش فى ظل الاستبداد والقهر والحركة المجتمعية الدائمة والأحداث المتلاحقة التى لا تهدأ كل هذه العوامل تشحذ المقاومة فى نفوسنا ضد أى نوع من أنواع الضغوط والتسلط والظلم .. مصر عصيَّة وأبناءها عنيدين، هل تصدق ان وعي الانسان المصرى على مدى السنتين الماضيتين وحدهما قد تغير وقفز الى مستويات لا يمكن ان يمنحها مجتمع ساكن ميت كمجتمعكم الصحراوى.
لدينا ـ من قبل أى بلد عربى ـ مصانع نسيج وحديد وصلب وأعنى هنا أن لدينا عمّال ومنظومة عمل متكاملة .. حقيقى أنها تعرضت كغيرها للفساد الذى تجذر إضافة الى فقدان الشعور بقيمة العمل التى حلت فى النفوس مع العائدين من السعودية وبلدان الخليج منذ أواخر السبعينيات، لكنها فى النهاية لم تزل موجودة صروح عظيمة، ببعض الاهتمام تعود لأفضل مما كانت عليه وقت أن بدأت.
حين يتصور السعودى أنه مسيطر على المصرى وأنه أفضل منا بماله ، يضحك المصرى فى كمِّه محدثا حاله ” خليه على عماه “.
كل هذا يحفر فى الانسان المصرى روحا وفكرا رغم الجهل والأمية والفقرالتى تنخر عظامه، لكنه يختلف كل الاختلاف عن مثيله السعودى .. الرمال يا سيدى ليست كالطين، الرمال تبتلع المياه وتمنحك التصحر .. لكن الطين يرتوى ويعطيك الخير فتستقر بجواره تتراكم فى عقلك الذكريات .. تلتصق بالمكان وتخلص له لا تبرحه.. أما الرمال فلأى سبب ستبقى بجوارها.. هذا هو الفرق.
المصرى الذى إعتاد على الطقوس الرمضانية والسهر حتى الفجر فى الموالد والأفراح وحفلات السمر وحلقات الذكر، لا يمكن أن يسمح لأحد ان يجبره على هذا النكد الذى تطبقه تلك الهيئة اللعينة لديكم فى السعودية.. فالفقر يحرمك من كل شئ ولكن هيئة النكد العالمى تحرمك حتى من القليل المتاح وتسلب أحد أهم الأشياء بالنسبة للانسان المصرى وهو حريته الشخصية فى أداء طقوس دينه بالطريقة التى إعتادها منذ آلاف السنين، المصرى متدين ولا يحتاج وصاية من هيئة نصابين تعتاش على تعذيبه وفرض أشياء يفعل هو مثلها وأكثر.
وبعيدا عن كل هذا هناك عنصر فى المجتمع المصرى ليس من السهل سحقه والسيطرة عليه ألا وهو النساء المصريات.. فعلى سبيل المثال السيدة المصرية الصعيدية ( ويطلقون عليها اسم الكبيرة ) تقود عائلات بأكملها بها رجال ذوى شوارب يقف عليها الصقر، الست المصرية وقفت بجوار الرجل كتفا بكتف فى كل ما مر بالبلاد من نكبات ومصائب ، وهذا ليس فقط أثناء أو بعد 25 يناير، وإنما فى أيام المخلوع أيضا ، وأنا لا انسى ما حييت الصحفيات اللاتى تعرضن للانتهاك والتحرش وهتك العرض من رجال أمن مبارك فى الشارع وعلى مرأى ومسمع من الرجال الذين جبنوا فى هذا اليوم، يوم الاستفتاء على المادة 76 من الدستور وهى المادة التى تكرس للتوريث، الشئ الذى ثار من أجله المصريون فيما بعد، وكانت حادثة قد قامت بتسجيلها كاميرات وكالات الأنباء العالمية ، التى فعلت الشئ نفسه حيال وقوفها بصبر شديد فى طوابير الانتظار لا نهائية الطول تنتظر ان تدلي بصوتها فى الاستفتاء الذى زوره الاخوان.. فهل فى تصورك أن من تحملت هذا الغبن وهذه القسوة يمكنها أن تسمح لثلة من الرجال العاطلين كل موهبتهم تتركز فى قهرها والتحكم فى مظهرها ومسلكها وعودتها للبيت كقطعة أثاث جامدة، وهى التى تحملت ما لا يطيقه بشر فى سبيل الدفاع عما تؤمن به..!!
حقيقى لديكم سيدات قويات مثل منال الشريف التى قادت سيارتها متحدية قوانينكم التى تحط من شأن المرأة لدرجة منعها من قيادة سيارة، والمناضلة وجيهة الحويدر الناشطة فى مجال حقوق المرأة، والرائعة ندين البادير المطرودة ـ يا ولداه ـ لقوة منطقها وجرأتها وشجاعتها، لكن هذا لا يمنع أن تاريخ نضال النساء فى السعودية تاريخ حديث للغاية..إنما بالنسبة للمرأة المصرية فهو تاريخ طويل فى الكفاح سواء مع الرجل فى كافة المجالات أو من أجل حريتها وهذا على الأقل لما يقرب من 100 سنة. لا أظن اليوم انها سوف تضحى بكل هذا وترضى أن يكون مصيرها مثل مصير نساء السعودية.. أقصى أمنياتهن خلع العباءة داخل طائرة تقلع متجهة لإحدى البلدان الأوروبية.. فى رحلة ترويح ونسيان بأموال الجاز. لذا سيد نواف الشمرى لا تفرح كثيرا لأن هذا لن يحدث . فاتن واصل – مفكر حر