المشكلة يجب ألا تكون محصورة في تدمير الأسلحة النووية والكيماوية.. إنها أكبر من ذلك بكثير، لأنه مع مد وجزر المفاوضات، تبقى شعوب البلدين (إيران وسوريا) والدول المجاورة معرضة لخطر الموت الجماعي.
اليوم تستأنف الجولة الثانية من حلقة المفاوضات بين الدول الغربية وإيران.. سبقتها تصريحات يوم الأحد الماضي للمرشد الأعلى علي خامنئي، بأنه «غير متفائل.. إنما يجب عدم عرقلة المفاوضين الإيرانيين». وجاءت يوم الاثنين تصريحات للرئيس حسن روحاني بأنه هو أيضا «غير متفائل»، لكن «هذا لا يعني ألا يكون لدينا أمل في إزالة المشكلات»، وما عناه روحاني هنا بكلمة المشكلات: العقوبات الاقتصادية. بمعنى آخر؛ أن النظام الإيراني نفسه لم يتغير، على الرغم من الصورة الجديدة التي يروّج لها روحاني، فالسؤال الجوهري هو عن مجال التحرك والالتزام الذي سيعطيه المرشد، صاحب القرار الأخير، إلى روحاني.
أثير كثير عن أن خامنئي حذر يوم الأحد الماضي العناصر المتشددة بألا تنظر إلى جهود روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، على أنها استسلام.. «يجب ألا ننخدع بذلك».
أبدت العناصر المتشددة على كل مستويات المجتمع الإيراني عدوانية متزايدة في الأسابيع الأخيرة. شعار «الموت لأميركا» انطلق حتى في مجلس النواب ولدى «الباسيج»، والعناصر الأكثر راديكالية هددت الشخصيات البراغماتية في النظام وعلى رأسها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي عبر عن دعمه نهج روحاني بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية والمحادثات النووية.
خامنئي لا يريد للأمور أن تخرج عن نطاق السيطرة، ولهذا جاءت ملاحظاته. علاوة على ذلك، فإن خامنئي نفسه وضع بعض الخطوط الحمر الواضحة التي على حكومة روحاني التقيد بها وعدم تخطيها.. لن تكون هناك تنازلات بالنسبة لتخفيض مستوى تخصيب اليورانيوم في «فوردو»، المنشأة المحمية قرب قم، ولن يجري التخلي عن تصنيع المياه الثقيلة في منشأة «آراك»، وهذا يعني أنه عندما تبدأ أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في التكاثر، ويبدأ إنتاج البلوتونيوم، فستكون إيران على شفا طاقتها لتصنيع الأسلحة النووية.
إزاء هذه الخلفية، لا يوجد أي تغيير أيضا فيما يتعلق بسياسة إيران الإقليمية، التي تهدف إلى نشر ثورة الخميني في كل الدول العربية والإسلامية، (احتفلت أخيرا السفارة الإيرانية في بوركينا فاسو بعيد الغدير وحضره طلاب «مؤسسة الإمام الخميني للإغاثة»). وتتكاثر التقارير عن الدور الإيراني في سوريا مباشرة، أو عبر حزب الله اللبناني. وكالة «مهر» الفارسية أشارت يوم الاثنين الماضي إلى مقتل قائد في الحرس الثوري في سوريا هو محمد جميل زاده، وأضافت: «لم يسافر إلى سوريا من أجل الحرس الثوري؛ إنما تطوع للدفاع عن مسجد السيدة زينب»! لكن الأخطر في هذا كله هو ما يمكن أن يتعرض له لبنان بسبب ما تقوم به إيران من استعمالها أجواءه باستخدام طائرات غير مأمونة تحمل أسلحة متطورة إلى سوريا وأيضا إلى حزب الله. إن لبنان يواجه كارثة جوية بسبب الطيران الإيراني. «الخطوط الجوية الإيرانية»، وغيرها من الشركات في خطر كبير، وفي كل رحلاتها يمكن لحادث أن يقع في الأجواء التي تحلق فيها وعلى رأسها لبنان؛ حيث إن هذه الطائرات غالبا ما تتوجه إليه محملة بشحنات عسكرية ومواد متفجرة.
بتنسيق من قوة «القدس» التابعة للحرس الثوري الإيراني، فإن الشركة الأساسية «الخطوط الجوية الإيرانية» وشركة طيران «ماهان» تقومان سرا بنقل عتاد عسكري – بما فيه أسلحة استراتيجية متقدمة – إلى سوريا وإلى حزب الله وحلفاء آخرين للجمهورية الإسلامية.
ووفقا لمصادر مطلعة، فإن «الخطوط الجوية الإيرانية» على وشك الانهيار بسبب الصعوبات التي تواجهها لجهة الحصول على قطع الغيار اللازمة من الولايات المتحدة الأميركية من أجل الإبقاء على عمل أسطولها الجوي. ويرجع ذلك إلى القيود المالية الكبيرة التي فرضها المجتمع الدولي على إيران بسبب سياسات النظام التي لا يزال ملتزما بها، ليس فقط البرنامج النووي؛ بل رعايته منظمات إرهابية معينة.
هذه الحقيقة عن وضع شركة «الخطوط الجوية الإيرانية» التي تلعب دورا مهما في نشاط الاقتصاد الوطني، عبر عنها مدير الرحلات في الشركة؛ إذ كشف للجميع أن 60% من مجموع 220 طائرة مدنية صارت خارج نطاق الخدمة بسبب مشكلات تقنية ولوجستية. إضافة إلى ذلك، فإن الطائرات التي تديرها شركة «الخطوط الجوية الإيرانية» تجاوزت 22 سنة خدمة، في تباين مع الطائرات الغربية التي تتراوح سنوات طيرانها بين 10 و15 سنة.
الطيران الداخلي لـ«الخطوط الجوية الإيرانية» وخطوط طيران «ماهان» كان محط اهتمام وسائل الإعلام داخل الجمهورية الإسلامية، وصدرت عدة تقارير حول مسألة السلامة، كما وقعت عدة حوادث للطائرات المدنية.. فمنذ عام 2009 وقعت سبعة حوادث جوية راح ضحيتها المسافرون والطاقم الجوي.
قدم العمر، وعدم الصيانة، أثرا بشكل رئيسي على عوارض الأجنحة التي تصدعت، وأثرا على مثبتات الارتفاع، وعلى ما يثبت المحرك على الجناح.. هناك أيضا مشكلات أخرى ناتجة عن تآكل إطارات الأجنحة، وما يربط الأجنحة بهيكل الطائرة، وفي أبواب الشحن الخلفي.
هذه المشكلات أدت بالاتحاد الأوروبي إلى حظر بعض الطائرات الإيرانية ومنعها من القيام برحلات منتظمة إلى أوروبا. ومع ذلك، فإن حالة الطائرات التي هي دون المستوى المطلوب من ناحية الصيانة، لم تمنع إيران من المثابرة على مصالحها في الحفاظ على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ولهذا الغرض، هناك طريق مباشر إلى مطار دمشق، حيث يجري أسبوعيا تفريغ مئات الأطنان من الذخائر والأسلحة، كما أن هناك رحلات مباشرة إلى مطار بيروت محملة بالأسلحة الحديثة لصالح حزب الله.
مصادر لبنانية تقول إن الأفراد المسؤولين عن الأمن الجوي يدركون جيدا الحالة السيئة لأسطول الطائرات الإيرانية (قبل أسبوعين منع المسؤولون الفنيون طائرة مدنية كردية من الهبوط في المطار لنقص الصيانة المفروضة عليها)، ويعرف هؤلاء أن الاتحاد الأوروبي فرض قيودا على الرحلات الإيرانية إلى مدنه، لكن رغم معرفتهم، فإنهم لم يتخذوا أي إجراء جذري لمنع وقوع حوادث جوية قد تؤدي إلى مصرع المئات، وإلحاق الأضرار بالممتلكات، دون أن ننسى أيضا مصير الركاب على متن تلك الطائرات.
المعروف أن التأمين على هذه الطائرات تقوم به شركات إيرانية فقط، وفي حال وقوع حادثة جوية، فإن هذه الشركات لن تكون قادرة على تحويل المال لتعويض الضحايا وبدل الأضرار، نتيجة تلك العقوبات.
إن حادثة من هذا النوع، يمكن أن تقع في أي يوم، والناس الذين على علم بهذا الخطر المتوقع يتساءلون عما إذا كانت الحكومة اللبنانية أو سلطات المطار تحتاط للأمر وتستيقظ قبل فوات الأوان.
منقول عن الشرق الاوسط