في الستينات وجدت مدينة رينو الأميركية الصغيرة نفسها بلا مداخيل وموارد، فراحت تبحث عن حلول. وخطر للمجلس البلدي أن إجراءات الطلاق صعبة (يومها) في جميع الولايات المتحدة. فهتف صوتًا واحدًا: وجدتها! وجدتها! وأصبحت رينو مدينة الطلاق السريع كالهامبورغر. يأتي الزوجان الراغبان إلى المجلس البلدي من أي مكان، وبعد ساعتين يخرجان حرين طليقين.
لكن كان هناك شرط «قانوني» واحد لمنح الطلاق وهو أن يبدي الزوج، أو الزوجة، سببًا «مقنعًا» في الأمر. وغالبًا كان السبب «أن الزوج لا يحب كلبي»، أو أنه «يمنع الهرة من الدخول إلى غرفة النوم». وسرعان ما يأخذ القاضي بالسبب الخطير ويمنح الطلاق.
ذكرتني تفاصيل عزل رئيسة البرازيل ديلما روسيف بمدينة رينو. فالسبب القانوني هو مخالفتها «إجراءات الميزانية»! وحل محلها في الرئاسة ابن مهاجر لبناني يدعى ميشال تامر، ورث عن أبيه سياسات اليمين، بينما هي ابنة مهاجر بلغاري ورثت عن أبيها سياسات اليسار.
على ماذا يلتقي أهل اليمين واليسار في البرازيل؟ على الفساد. تزعَّم سلفها الحركة العمالية إلى أن وصل إلى الرئاسة، فاستهوته إنعام الفخامة. وهو الآن متهم مثلها بمخالفات لن يعرف أحد حجمها. والرئيس الجديد ميشال تامر تلاحقه أيضًا تهم. والبرازيلي الذي ليس عليه شبهات مالية هو الذي لم يولد بعد.
لكن من أجل اللياقات وإبقاء الكثير من الأبواب مغلقة، أكتفي بأسباب على طريقة رينو، ويخيل إليّ أنه إذا قررت المعارضة اليمينية المضي في مطاردة الرئيس والرئيسة السابقين، فسوف يحول اليسار إلى قضية شرف وطني ومؤامرة كونية ولعبة أميركية إمبريالية. وبعد مظاهرة واثنتين وقليل من الحرائق، تنسى الناس أن القضية ليست اليمين ولا اليسار، بل المليارات التي يعرف الجميع كيف أتت ولا يعرف أحد كيف اختفت.
صحيح أن البرازيل شبه قارة حققت الكثير من التقدم، وخصوصًا في عهد الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ولكن الفساد أشبه بثقافة عامة كما هو في أميركا اللاتينية والعالم الثالث. ويتميز هناك بسهولته وبوجود محكمة رينو، التي تتهم وتبرئ بالسهولة نفسها.