عرض وترجمة عادل حبه
نشرت الباحثة نانسي بيردسال رئيس مركز التنمية العالمي والمعاون التنفيذي السابق لبنك التنمية في القارة الأمريكية، مقالاً تحت عنوان ” الطبقة المتوسطة ضمانة للحكم الرشيد” في المجلة الشهرية ” الشؤون الدولية”
(Foreign Affairs)،
في عددها الصادر في آذار – نيسان من عام 2016. وقد تطرقت الباحثة بشكل أساسي إلى دور الطبقة المتوسطة المؤثر في استقرار الديمقراطية في عالم اليوم، إضافة إلى موضوعة التسارع في نمو الاقتصاد العالمي، وتنامي التيارات المتطرفة اليسارية واليمينية في العالم. كما تناولت الباحثة التعثر أو التراجع في العملية الديمقراطية الفتية، وتورد مقترحات من أجل الحفاظ على الطبقة المتوسطة.
لقد لاحظت الباحثة وجود نوعين من التنمية الاقتصادية في عالم اليوم، فمن ناحية تمركزت الثروة بشكل لم يسبق له مثيل بيد 1% من سكان العالم، إلى جانب تراجع واضح في ظاهرة الفقر في الدول النامية وخاصة في الصين. وفي الوقت نفسه لوحظ، وهو أمر هام، نمو الطبقة المتوسطة في البلدان النامية. إن ظهور الطبقة المتوسطة في الدول النامية جراء النمو المستمر للاقتصاد العالمي في العقدين الأخيرين؛ ترك تأثيراً ليس على الاقتصاد فحسب، بل على إدارة البلدان. إن تحليل التاريخ المعاصر يشير إلى أن وجود طبقة متوسطة كبيرة تتمتع بالاستقرار، يشكل قاعدة متينة ومؤثرة لإرساء حكم ديمقراطي، حسب رأي الباحثة. فالطبقة المتوسطة لا تدفع فقط الضرائب من أجل تأمين الرأسمال الكافي للخدمات العامة مثل الطرق والتربية والتعليم والخدمات الصحية وغيرها، بل هي تطالب وتسعى إلى إرساء حكم القانون وتطبيق القرارات، وبشكل كلي تأمين الحاجات العامة للمجتمع بحيث يستفيد كل أفراد المجتمع من ذلك.
إن وجود ونمو الطبقة المتوسطة الجديدة في العالم ما هو إلاّ نتيجة العولمة الرأسمالية، رغم تعرض العالم الراهن إلى تراجع في سرعة النمو الاقتصادي. ويوجّه التراجع في النمو الاقتصادي بشكل متزايد في الدول النامية لطمة إلى نسبة كبيرة من فقراء المجتمع الذين يعدون الضحايا الأساسيون للاقتصاد الضعيف وللحكومات التي تنتهك حقوق الشعب. كما إن التراجع في النمو الاقتصادي العالمي يعرّض البلدان الغنية إلى مشاكل جدية مثل خطر تنامي نفوذ المجاميع الإرهابية وتعاظم موجة الهجرة والتخريب في البيئة.
وعلى الرغم من أن الطبقة المتوسطة هي مفهوم نسبي في المجتمعات الراهنة، إلاّ أنها تتمتع بمفهوم مشترك: فالطبقة المتوسطة تشمل أؤلئك الذين لديهم وارد كاف ومضمون ليواجهوا الأزمات الاجتماعية كالبطالة والعوارض المرضية والافلاس المالي للرأسماليين الصغار. ويتحلى هذا التعريف بأهمية خاصة في البلدان النامية.
ومن أجل أن يكون للطبقة المتوسطة تأثير في المجتمع، فيجب أن تشكل 30% من أفراد المجتمع كي تغطي الضرائب التي تقدمها حاجة البلاد من الخدمات العامة. كما تستطيع الطبقة المتوسطة أن تستجيب للحاجات الحياتية للمجتمع مثل فرض إرادتها على الحكم من أجل الحفاظ على الأمن العام. وهناك أحتمالات ضعيفة في أن يقع أفراد في الطبقة المتوسطة ضحية للأفكار المنحرفة كالتمييز المذهبي أو العنصري.
بالطبع لا يعني وجود الطبقة المتوسطة لزوماً وجود ثبات سياسي واستقرار حكم ديمقراطي. ففي فنزويلا وإيران، وببركة استخراج وبيع النفط الذي تحتكره الدولة، فإن الفئة المتوسطة تشكل 50% من سكان البلدين. ولكن الحكم لا يلزم نفسه بالاستجابة لمطاليب هذه الفئة. وفي تايلند بلغ دخل 50% من السكان يومياً في عام 2012 أكثر من 10 دولار في الفترة التي أعقبت الانقلاب العسكري في البلاد. وفي روسية التي تتمتع بثروة نفطية كبيرة، توجد طبقة متوسطة كبيرة ومنظمة، ولكن بوتين استطاع المقاومة تجاه مطاليبها الاجتماعية.
إن الحاجة إلى حكم مستقر لا يعني إلزاماً وجود طبقة متوسطة كبيرة. ففي رواندا يبلغ حجم الطبقة المتوسطة 10% من مجموع السكان، ولكنها استطاعت خلال العقدين الأخيرين التمتع بحكم مستقر في البلاد مقترناً بنمو اقتصادي مستقر.
خلاصة القول، إن حجم الطبقة المتوسطة المنظمة هو عامل مهم ولكنه لا يمثل كل شيء.
يشير مركز البحوث PEW ( مركز بحوث غير حزبي وغير سياسي في أمريكا في مجال الشؤون الاجتماعية والافكار العامة والاتجاهات المجتمعية في الولايات المتحدة والعالم)، إلى أن حجم الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة قد تراجع في عام 2015، مما يوضح توجه الناخب الأمريكي صوب اختيار مرشحين غير حزبيين. وفي أوربا أيضاً، برز جيل جديد من المكائن أدت إلى نمو الأنظمة المؤتمة التي تستفيد من الإنسان الآلي في الورشات التي يمتلكها على الأغلب أفراد من الخريجين الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وهذا ما يوضح نمو الأحزاب اليمينية والاتجاهات المعادية للمهاجرين. ومن أجل أن تصبح الطبقة المتوسطة قوة سياسية ايجابية، فليس من المهم أن تشغل نسبة كبيرة في مجموع السكان في المجتمع، بل أن تتمتع بالنجاح في الجانب الاقتصادي وأن تتمتع بالاعتماد على النفس.
قبل 25 سنة مضت، كان من النادر أن نجد طبقة متوسطة كبيرة في البلدان النامية. فمن المعتاد أن نرى طبقة صغيرة مرفهة مقابل أكثرية ساحقة من الفئات الفقيرة، رغم وجود استثناءات لذلك: ( في ايران قبل ثورة عام 1979 وُجدت طبقة متوسطة كبيرة الحجم رغم أنعدام أي دور لها في الشؤون السياسية). وهناك نموذج كوريا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية، التي سارت على طريق النمو الاقتصادي بحيث بلغ الدخل السنوي لـ 60% من أفراد المجتمع ما يعادل 10 آلاف دولار. وحوّل هذا النمو الاقتصادي لكوريا الجنوبية إلى مجتمع الطبقة المتوسطة بعد أن تجاوزت البلاد عشرات الحكومات العسكرية، وتحول المجتمع إلى مجتمع ديمقراطي.
كما يمكن أن نشير إلى الصين والهند وبلدان جنوب الصحراء الأفريقية، حيث لا يبلغ دخل 2% من السكان أكثر من 10 دولارات في اليوم. ولكن منذ عام 1990 وإلى العقد الأول من القرن الحالي، شهدت هذه البلدان نمواً سريعاً. ففي الفترة الممتدة من عام 1990 وإلى عام 2015، تحرر حوالي مليار شخص في العالم من الفقر. ففي الصين والهند فقط تحرر 650 مليون مواطن من الفقر، والتحق قرابة 900 مليون بالفئة المتوسطة في المجتمع.
وشهدت دول مثل تشيلي وماليزيا وإيران في العقدين الماضيين نمو في الطبقة المتوسطة بلغ 60%، مما أحدث تغييرات إيجابية في الاستقرار الاقتصادي والسياسي في هذه البلدان. وحتى الرئيس روحاني في إيران، فإنه بحاجة إلى الطبقة المتوسطة الأوسع وذات التعليم من أجل إحراز النصر والتقارب مع الغرب. علماً أنه مازالت الطبقة المتوسطة قليلة في المناطق غير المدينية في الصين وجنوب شرقي آسيا وجنوب الصحراء الأفريقية، حيث لا تتعدى نسبة 10% في هذه المجتمعات. كما أن الدول التي لا تعتمد على المداخيل النفطية في الشرق الأوسط مثل تونس والمغرب، تحتل الطبقة المتوسطة نسبة ملحوظة في المجتمع، في حين لا تبلغ نسبة هذه الطبقة التي تحصل على أكثر من 10 دولارات في اليوم في البلدان المنتجة للنفط إلاّ 6% فقط.
الغرب أولاً ثم تليه بقية البلدان
في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، جربت البلدان النامية نفس التجربة التي مرت بها انجلترة في مرحلة التصنيع في القرن التاسع عشر، والذي أدى إلى استقرار الديمقراطية الليبرالية في أوربا وأمريكا الشمالية.
وعلى مدى سنوات القرن العشرين تجاوز الغرب كل دول العالم. فقد بلغ متوسط دخل العائلة في الغرب مقارنة بدول العالم الأخرى 5 إلى 1 في عام 1900، في حين بلغت هذه النسبة 20 إلى 1 في عام 2000. وقد مر الغرب ، بإستثاء الحربين العالميتين والركود الاقتصادي في نهية العشرينيات، بمرحلة طويلة من الازدهار التي شهدت نمواً اقتصادياً وتوسع في حجم الطبقة المتوسطة وإرساء حكم القانون والمؤسسات مما وفّر الظروف للتجديد والتحكم في السوق.
وشهدت البلدان النامية في العقدين الأخيرين مظاهر مشابهة. فعولمة “الرأسمال” وفّر السوق للطبقة المتوسطة الحاصلة على التعليم، كما وفرت القروض لبناء المساكن وكل أشكال الأئتمان وتنشيط خطوط انتاج البضائع المصرفية وتوفير فرصاً أكثر للشغيلة المهرة. وبالأرتباط مع التقدم الحاصل في تكنولوجيا الاتصالات مثل الانترنت والموبايل وشبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت الطبقة المتوسطة قادرة على تنظيم نفسها سياسياَ وبالتالي جلب أنظار الأوساط الحاكمة.
إن التفاؤل الذي حصل جراء هذه التغييرات شكلت العامل الأساس الذي أدى إلى التحولات السياسية في بعض البلدان. فقاومت الطبقة المتوسطة في تركية نزوع أردوغان لفرض جبروته، إضافة إلى ممارسة الضغط والانتصار الذي أحرزته هذه الطبقة في الأرجنتين ضد السيدة كريستينا كيرشنر ومنعها من الاستمرار في أهدار المال العام في مشروعها الشعبوي الاقتصادي. وليس من قبيل الصدفة أن تونس التي يبلغ حجم الطبقة المتوسطة فيها 30%، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بغالبية الدول العربية، كانت الدولة العربية الوحيدة في بلدان الربيع العربي التي انتقلت إلى نوع من أنواع الأنظمة الديمقراطية.
الآثار المدمرة لتراجع النمو الااقتصادي
إن المشكلة الرئيسية التي تواجه التطور السياسي كنتيجة للنمو الاقتصادي هي أنها تستلزم نمواً اقتصادياً دائباً، وإن ما يهددها هو تراجع سرعة نمو الاقتصاد العالمي. إن الطبقة المتوسطة في البرازيل والقاطنين في مدن الصين وتركية رغم كونها تشكل نسبة كبيرة من مجموع السكان، إلاً أنها لم تقف لحد الآن على قدميها. فهي إن سعت إلى أن تقوم بدور مؤثر سياسي، فإنها بحاجة إلى تنظيم نفسها كي تقوم بهذا الدور.
إن التقلص المستمر ولمدة طويلة في الجانب الاقتصادي من شأنه أن يعقّد المشاكل في هذه البلدان. أما في الولايات المتحدة وأوربا الغربية التي تعاني الطبقة المتوسطة من نفس المشاكل، إلاّ أنه قد أرست مؤسسات متينة وقوية وتقوم بالمحافظة عليها.
وتندمج أسواق غالبية البلدان بالسوق العالمية وتصبح مصدر تصدير المواد الخام والاعتبارات السهلة له، حيث يلتحق المتعلمون فيها بقطاع التوزيع والمبيعات أو الخدمات العامة بشكل أكثر بكثير من الانخراط في الانتاج الصناعي أو الزراعي الكبير. ويعبر الاقتصادي ديني رودنيك** عن قلقه من أهمال التصنيع في البلدان النامية، بحيث لا يعمل في مصانع البرازيل والهند سوى 15% من قوى العمل، في حين أن زيادة الانتاج والمواجهة بين العمال وأرباب العمل أديا إلى انتعاش الميول الديمقراطية في الغرب. إن هذه النسبة لا تشكل في كوريا الجنوبية سوى 30% من قوى العمل في عام 1980.
هناك خشية من أن تتعرض الطبقة المتوسطة الجديدة إلى ضربة جراء النمو الاقتصادي العالمي الناشئ من الطرق السهلة القائمة على تنامي صادرات المواد الخام، وليس عن طريق الزيادة في الانتاج الذي يؤدي إلى زيادة المداخيل وتحسين معدلات مستوى المعيشة لعامة الناس. هناك احتمال أن تسعى الطبقة المتوسطة والفئات المرتبطة بها إلى مواجهة الركود أو الإنهيار في المداخيل عبر دعم السياسات الاقتصادية أو القرارات التي تؤدي إلى التنمية الشاملة للاقتصاد لمدة طويلة. وهناك احتمال معاكس أن تسعى إلى دعم برنامج قصير الأمد وشعبوي يحافظ على الوضع الراهن ويتزايد توقعاتها حول الوعود بتحسن الأمور.
وخلاصة القول، فإن تراجع النمو الاقتصادي، والأسوأ الانهيار الاقتصادي، يمكن أن يحرم الطبقة المتوسطة من إبداء الدعم للحكم الرشيد والاصلاحات الاقتصادية التي تحتاجها الطبقة المتوسطة. فعلى سبيل المثال نورد نموذج البرازيل في فترة النمو الاقتصادي، فإن الطبقة المتوسطة قد ساندت المعونات التي قدمها رئيس الجمهورية دو سيلفيا إلى الطبقة المحرومة في المجتمع، ولكن في ظل الضغط الاقتصادي، فإن الطبقة المتوسطة أبدت ميلاً أقل صوب تقديم الدعم للطبقات المحرومة واقتربت من برامج الميسورين في المجتمع.
هناك حاجة إلى عشرات السنوات كي تستطيع أية طبقة أن ترسي وتنمي مؤسساتها الاجتماعية، ولكنها لا تستطيع الطبقة المتوسطة أن تضمن استمرار حياة المؤسسات الديمقراطية في مراحل معقدة من حياة المجتمع. لقد واجهت ألمانيا في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين وبعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى التضخم الحاد والركود الاقتصادي الشديد الذي أدى إلى إنهاك الطبقة المتوسطة وفُتح الباب أمام الشعبوية النازية الخطيرة.
الحفاظ على المكتسبات المهددة بالانهيار
في الاقتصاد العالمي الراهن البالغ الأندماج، فإن التراجع الاقتصادي في الصين والاقتصاد المتعثر في البرازيل وفي سائر الأسواق التي تسعى إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي، يخلق جملة من تراكم المشاكل في كل جوانب النشاط الاقتصادي. ولذا فإن السياسة الاقتصادية العديمة المسؤولية والخطوات غير السليمة تؤدي إلى التضخم وتلحق الضرر بالجميع.
وعلى الدول النامية أن تقوم بإجراء إصلاحات في التأمين التقاعدي وخدمات الصحة العامة وبرامج مكافحة البطالة كي تكسب ثقة المواطن بمستقبله؛ وهذا لا يقتصر على الطبقة المتوسطة فقط، بل يشمل أولئك الذين يعانون من الفقر المطلق والذين يأملون بالتمتع بنفس ظروف وأمن الطبقة المتوسطة.
فضلاً عن ذلك، فإن جميع الطبقات المتوسطة في البلدان النامية تستفيد من إصلاح التربية والتعليم وزيادة توظيف الرساميل في قطاع الخدمات والبنى التحتية. فوجود مدارس وطرق مناسبة هو أمر يعود بالفائدة على الجميع، خاصة وأنها تؤدي إلى نشاط القطاع الخاص وزيادة الموارد التي تعود إلى الطبقة المتوسطة. ويمكن أن تلعب الدول الغنية دوراً في ايجاد طبقة متوسطة في البلدان النامية. إن برامج التنمية ذات تأثير محدود، في حين يجب أن تركز الدول الغنية على إزالة الموانع التي تقف أمام بناء مجتمع سليم ونموه في هذه البلدان.
ينبغي سد الطريق أمام التخلف عن دفع الضرائب وتحسين قوانين الخصخصة (في البلدان الغنية)، فقد كان من السهولة بمكان التستر على الضرائب المنهوبة التي أدت إلى تقلص في مداخيل الدول النامية من جباية الضرائب. ومن ضمن الإجراءات التي يجب اتخاذها، إصدار قرارات ضد تفشي الرشوة ووضع نهاية لسياسة الحماية في ميدان الزراعة وصناعة النسيج وتحسين الإدارة في مجال استقبال المهاجرين.
ويستطيع عالم الأغنياء أيضاً أن يقوم بالتنسيق من أجل معالجة المشاكل في البلدان التي لا تستطيع أو غير قادرة على معالجتها. إن الخطر الأساسي الذي يواجه العالم هو تعرضه إلى أزمة مالية أخرى. فمثل هذه الفوضى والإنهيار المالي يوجه ضربة شديدة إلى الطبقة المتوسطة والمتعلمين من أفراد المجتمع جراء تناقص الدخول أو الانخراط في أعمال غير رسمية وغير ثابتة. كما أن مشاكل تلوث البيئة والتغيرات في المياه والمناخ، توجه هي الأخرى ضربة إلى عملية التنمية الاقتصادية، والتي لا يمكن مواجهتها إلاّ عبر توظيفات الدول الغنية.
إن الشخصيات الميسورة والشركات العالمية تستطيع أن تساهم بتوفير الفرص في مختلف بقاع العالم، وخاصة في ميدان توظيف الرساميل في التكنولوجيا الجديدة. وكمثال، فإن القسم الأعظم من الطبقة المتوسطة في البرازيل تتمركز في جنوب البلاد، حيث أدى توظيف رساميل الدولة والشركات والبحوث الزراعية إلى زيادة واضحة في انتاج ” الصويا” والتفاح والمنتوجات الزراعية الأخرى. إن التوظيف الأخير لمبلغ 2 مليار دولار للثري بيل غيتس وزوجته في ميدان البحوث وتوسيع انتاج الطاقة النظيفة، أدى بشكل غير مباشر إلى إيجاد فروع صناعية جديدة للمحصولات الزراعية وتوفير فرص عمل جديدة للطبقة المتوسطة في مناطق مختلفة.
بالطبع لا يمكن أن تزيل كل هذه الاجراءات بالطبع النتائج المدمرة للركود الاقتصادي بشكل كامل، فالتنمية الاقتصادية المنسقة والمتينة وحدها قادرة على إيفاء هذا الدور. ولكن التردد والتعلل وعدم اتخاذ أية إجراءات لا يؤدي إلاّ إلى تشرذم وإنهاك الطبقة المتوسطة التي تعد الطبقة من أكثر الطبقات المعول عليها في التنمية في أي مجتمع خلال العقود الثلاثة الماضية.
إن البحث لا يخلو من ثغرات جدية. فقد أغفلت الباحثة نانسي بيردسال أمراً هاماً في بحثها يتعلق بالدور الذي تلعبه الطبقة المتوسطة في إرساء دعائم الديمقراطية، دون التطرق إلى دور الحركات العمالية في إرساء دعائم الديمقراطية في البلدان الرأسمالية عبر نضالها المستمر ضد الأنظمة الأوتوقراطية. فالطبقة العاملة في أوربا كانت السباقة في رفع شعار الديمقراطية في هذه البلدان. كما أن الباحثة لا تتطرق إلى دور “عالم الأغنياء” في كبح التطلعات الديمقراطية في البلدان النامية من خلال سلسلة من الانقلابات العسكرية التي حاكتها المخابرات الأمريكية والأوربية في إيران والعراق وأندنوسيا وعدد من بلدان أمريكا اللاتيتية مثل غواتيمالا وتشيلي، مما ألحق الضرر بالتطور الديمقراطي في هذه البلدان.
وعلى الرغم من هذه الثغرات الجدية، فإن البحث يتناول قضية هامة تشغل بال المعنيين في بلداننا وهي قضية دور الطبقة المتوسطة في بلداننا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإرساء الحكم الديمقراطي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نانسي بيردسال تشغل منصب رئيس مركز التنمية العالمية. وفي الفترة بين عام 1993 -1998 تبوأت منصب الرئيس التنفيذي المساعد لبنك التنمية الأمريكي، الذي يعد من أكبر بنوك التنمية الاقليمية التي قدمت قروضاً عامة وخاصة بلغت 30 مليار دولار. وعملت قبل ذلك لمدة 14 سنة في البحوث والسياسة والإدارة في البنك الدولي، وبضمنها تولي منصب رئيس قسم البحوث السياسية. كما عملت لعدة سنوات كعضو مشارك ومدير لمشروع الإصلاح الاقتصادي في مؤسسة كارنيج للسلام العالمي. وتمركزت بحوثها على العولمة وعدم المساواة وإصلاح المؤسسات المالية الدولية. مؤلفة ومشاركة في تأليف الكثير من الكتب والأطروحات، وأحدثها تحت عنوان “الدفع والاستلام: تناول جديد للمساعدة الخارجية وأفكار جديدة حول التنمية بعد الأزمة المالية”. حصلت بيردسال على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة يل والماجستير من مدرسة هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة.
**داني روديك اقتصادي تركي في مؤسسة فورد وبروفسور في مادة الاقتصاد السياسي العالمي في مدرسة كندي الحكومية في جامعة هارفرد.وعمل في السابق كبروفسور في مادة العلوم الاجتماعية والاقتصاد السياسي في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برينكتون.قام بتأليف عدداً من المؤلفات ومنها “الديمقراطية ومستقبل الاقتصاد العالمي” و ” الصحيح والخطأ في العلم الكئيب وفي مفارقات العولمة”. كما يعمل الآن كرئيس تحرير مناوب لمجلة ” سياسة العولمة”.