الطائفيّة .. حقيقة أم خيال ؟
رعد الحافظ
2012 / 2 / 16
البعضُ يؤّكد جازماً , أنّ الطائفيّة ظاهرة مُستحدثة غريبة عن مجتمعاتنا , نزلت علينا من الفضاء ,أو إخترعتها وعلبتها وجاءت بها الإمبرياليّة الأمريكيّة عام 2003 , في عمليّة تحرير العراق من صدّام حسين وحزبهِ البعثي الفاشي .وأنّ عالميّة الإسلام أكبر دليل على غياب .. ( وهم ) الطائفيّة !
بينما يذهب الرأيّ النقيض , الى أنّها ظاهرة قديمة قِدَمْ الأديان ذاتها .
وبخصوص الإسلام , فهي وِلدت في البدء بين (المُهاجرين والأنصار) وإتضّح ذلك في غزواتهم , خصوصاً يوم فتح مكّة ,عندما تجادلوا حول الغنائم .
ثمّ إتضح الأمر أكثر يوم السقيفة , عندما إنشغل البعض بدفن النبي , بينما إنشغل الآخر بإعلان خليفة رسول الله .
ثم كان مقتل الخليفة الثالث وما تلاه , خصوصاً معركة الجمل , يشبه إعلان ولادة الطائفيّة رسمياً بين المُسلمين .
*********
بين هذين القولين (المتناقضين), توجد بالطبع درجات وتحسينات لفظيّة و صوريّة وتأريخيّة , وتلفيقات معتادة ورقصٌ على الكلمات والنأيّ بالنفس والجماعة والطائفة عن المشاركة في خلق تلك الظاهرة , بل إنكارها أصلاً !
وفعلاً يمكن للكثير من العراقيين أن يدّعوا بأنّنا تجاوزنا الطائفيّة في الماضي القريب حتى زمن حكم الطاغيّة صدّام .
لكن لو شئنا الدقّة فلنعترف بأنّ العلمانيين فقط من جميع الأطراف ربّما تجاوزوها , أمّا المتدينيين , فعميقة في وجدانهم .
وأنّ وجود الطاغيّة عادةً يدفع فئات الشعب المختلفة الى نوع من التضامن الروحي والمعنوي وحتى الإجتماعي , غير المُعلن .
لكن ما أنْ يزول ( القبغ ) الغطاء , إلاّ وتنكشف الخبايا والروائح والسوءات فيطفو على السطح الجيّد والسيء على السواء .
وعملياً , حتى العلمانيين من الساسة الجُدّد في العراق ,عادوا فإستخدموا الطائفيّة بأبشع صورها لنيل الكرسي وكعكة الحُكم .
والنتيجة عاشها العراقيون في السنوات الماضيّة خصوصاً عام 2006 بعد حادث تفجير المرقد العسكري في سامراء .
ومازالت آثارها واضحة وقائمة , تصل الى حدّ إنكار المرء لإسمهِ ولقبهِ !
و نتذكر جميعاً تصريحات الساسة التي كانت توصف بأنّها , طائفيّة ( بأنواعها ) إستقطابيّة , رغم محاولتهم إضمار ذلك القصد , أو التقرّب إليهِ على وجل .
لكن اليوم , بعد أن كشف الربيع العربي في آنٍ معاً , أفضل وأسوء ما لدينا في جميع الميادين ,صار الكلام الطائفي علني وبالفم المليان .
ومن لا يُصدّق فليشاهد الحلقة الأخيرة من برنامج الإتجاه المُعاكس بين , فيصل عبد الساتر / شبيح إعلامي أسدي , وثائر الناشف / إعلامي سوري مُعارض .
أثبتوا لنا أنّ العراقيين ملائكة , لا يعرفوا معنى الطائفيّة مقارنةً بالسوريين ؟
وربّما سوف تستغربون من كلماتي القادمة , لكنّها ما اُؤمن بهِ .
ففي ظنّي رغم قباحة المشهد فإنّ ذلك أفضل للجميع وللمستقبل .
أقصد كشف الستار عن الطائفيّة المتجذّرة عميقاً في مجتمعاتنا . حيث لا يُمكن حلّ مشكلة يُنكرها الجميع .
فالهروب ( الى الأمام ) من ذكرها ودفن الرؤوس في الرمال لاينفع . والأجدر وضعها على طاولة التشريح ومناقشتها بالتفصيل المُمّل لغرض علاجها نهائياً .
هذا ينطبق مع أغلب مشاكلنا الإجتماعيّة التي تحوّلت الى ظواهر ثابتة وقيح يمتلأ صديداً طوال الوقت !
تخيّلوا حتى الكويت الامارة الصغيرة المتخمة بالثروة فيها طائفية متنوّعة , ناهيك عن البحرين والسعودية والعراق ولبنان وحتى الباكستان .
وباقي الدول التي لاتوجد فيها بهذا الشكل تظهر بطريقة اُخرى بين المسلمين والأقباط مثلاً (في مصر) .
وبالأمس شاهدتُ تقريرعن حالة اليهود في اليمن مؤخراً , وكيف أصبحوا عرضة للنهب والتشريد .
حتى أنّ ثمّةَ رجل منهم قال : نحنُ يمنيّون عرب اُصلاء , فلماذا تُنتهك حقوقنا ؟
ربّما فقط الصومال شذّت عن تلك القاعدة , فهم متطابقون جداً ومع ذلك يتقاتلون فيما بينهم . ( أعتقد هنا الظاهرة المالتوسيّة تفعل فعلها ) !
وبصرف النظر عن كوننا اُمّة ( توصف بألسنة أبنائها) أنّها ظاهرة صوتيّة بُكائيّة تعتز وتفخر بالماضي التليد , دون السعي الحثيث لإصلاح الحاضر , والتحضير لمستقبل زاهر لأجيالها القادمة .
أقول يُجبرنا الواقع ويدعونا الى إستغلال الفرصة المتاحة ( الربيع الثوري العربي ) بإعادة النظر مرتين في حالنا وتراثنا ودساتيرنا وعاداتنا السلبيّة , وحتى إسلوب معيشتنا وتكاثرنا .
لأنّهُ ستبقى طويلاً هذهِ الأزماتُ إذا لم تُقصّر من عمرها الصدماتُ .
وذلك لن يكون بَطراً ولا لهواً ومضيعة للوقت .
بل لأجل تحديث عقولنا أو(دمقرطتها) لو شئنا التعبير بمصطلحات اليوم !
{ وأعلم أنّ الديمقراطيّة عمليّة تراكميّة يعيشها الناس }
القصد أن تصّب أعمال وثورات الشباب في صالح مجتمعاتها ومستقبلها عموماً . بدل ما نراهُ واضحاً صريحاً في الثورات التي نجحت بالفعل في طرد الحاكم الطاغيّة , أقصد سيطرة الإسلاميين وأشياخهم ( أو المحافظين في أجمل التعبيرات وأرّقها ) وسرقتهم لتلك الثورات والقفز على عربتها قبل أن يستقر لها قرار .
من حقّ الشباب وبعونٍ من وسائل الديمقراطيّة والإتصال الحديثة , أنْ يحلموا ويخططوا لعالم أفضل , إسوةً بالعالم الحُرّ الذي يدفع الكثير من هؤلاء الشباب أرواحهم فِداءً ( للمجازفة ) بالوصول الى برّهِ الآمن .
فلماذا يسرق الأشياخ المتدينون الدوغمائيون بسجعهم اللفظي وسيطرتهم على الثقافة الإجتماعيّة والدينيّة ( بحكم السلطة الأبويّة ) وإدعائهم اللبابة والحصافة والكياسة , حقّ الشباب ذوي التفكير الثقافي الذاتي الفردي الحُرّ , في القرار المناسب ؟ مَنْ يحكم ويُقرّر من هو الصحيح منهم ؟
أنّ القرار كان ( تأريخياً ) للمنتصر دوماً , أليس كذلك ؟
أفلا تعجبون مثلي عندما ترون الشباب المُنتصر (المصري مثلاً) , لم يحظى حتى بخُفيّ حنين ؟
فكيف حدثَ هذا , وهل هناك سرقة أكبر من هذهِ ؟
************
ملاحظات
1 / لو أجرينا إستطلاع لآراء العامة المُعمّاة من العراقيين وهم غالبية الشعب ,باللهِ عليكم / ألن يفوز مقتدى الصدر وحارث الضاري ؟
قولوا هذهِ ليست طائفية !
2 / شباب الثورات هو المعوّل عليهِ , فهذا الجيل قام ( ولن يقعُد ) ضدّ الظلم والديكتاتورية . وعليهِ ( بالمرّة ) عدم الركون أيضاً للهراء والظلاميّة .
وفي هذا الشأن يطيب لي نقل قول لكاتب فرنسي هو ستيفان هيسيل (93 عام ) يدعونا الى ما يسمى بثقافة التحدّث , أو مقاومة اللاعدالة , عبر كتابهِ
Indignez-Vous … كنتُ ساخطاً / أو صوت الغضب !
هذا الكتاب تُرجم الى 30 لغة , وبيع منه في فرنسا لوحدها أكثر من مليوني نسخة . ولهذا الكاتب حياة حافلة حيث أنّهُ اُعتقل مرتين خلال الحرب العالمية الثانية على يد النازيين الالمان , وتعرّض الى تعذيبهم , لكنّهُ تمكن من الهرب في كلتا المرتين من معسكر الإعتقال .
أعقب تلك الفترة في حياتهِ , حياة غنيّة بالتجارب كدبلوماسي وأحد مؤلفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , في الأمم المتحدة .
في محاضرتهِ في ستوكهولم العام الفائت , بدا هذا الرجل ( الساخط على الظلم ) , كأنّهُ لم يفقد شعلة الحياة وحيويتها , فقال عن كتابهِ / لم أكن أظنّه سيُحدث تلك الضجة لغير الفرنسيين . ثمّ خاطب جميع الشباب قائلاً :
أوصلوا صوتكم عندما تستاؤون من شيء كما إستأتُ أنا من النازية !!
شخصياً شعرتهُ يُخاطب شباب مجتمعاتنا مباشرةً .
بالمناسبة / هذا الرجل ناشط قوي في القضيّة الفلسطينية ومنزعج جداً من سياسات الإحتلال الإسرائيلي , ومهتم بقضايا البيئة , ومعارض عنيد للطاقة النووية التي يقول عنها , إنّها تستحق أعلى درجات المعارضة الصريحة !
*************
كلام مُفيد
مالم نفعّل مقولة ( الدين لله والوطن للجميع ) , فلن نتصالح مع أنفسنا وفيما بيننا ولن تقوم لنا قائمة !
على الإسلاميين الذين وصلوا الى البرلمانات الجديدة بواسطة قطار الإنتخابات الديمقراطيّة وصناديق الإقتراع أن يحافظوا عليها . وإلاً لو فكروا بالتنصل عنها فلن يستمروا طويلاً مستمتعين بكرسي الحُكم رغم تجربة ملالي إيران التي دامت الى اليوم 33 عام , وحماس المستمرة منذُ بضعة سنوات . لكن هذا لن يدوم !
والآن أوّد عمل إستفتاء قصير صريح بين القرّاء الكرام
هل الطائفيّة حقيقة واقعة في مجتمعاتنا , أم هي محض خيال ؟
تحياتي لكم
رعد الحافظ
16 فبراير 2012