وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي بالانسحاب من سوريا، لكنه فتح هناك الأسبوع الحالي جبهة جديدة ضد الديكتاتور السوري بشار الأسد، مما قد يهدد بانزلاق الولايات المتحدة في صراع أوسع نطاقاً في سوريا. وقد سعت إدارة ترامب، بمهاجمتها الأسد في وقت مبكر من صباح يوم أمس، إلى تحذير الرئيس السوري إزاء مواصلته استخدام أسلحة كيميائية غير قانونية، عقب شنّه هجوماً بالغاز ضد المدنيين قرب دمشق في نهاية الأسبوع الماضي.
وقد اعتبرت الإدارة الأميركية أن توجيه رسالة إلى الأسد بشأن الأسلحة الكيميائية يفوق أهمية احتمال إثارة رد من حلفائه، لاسيما روسيا، سواء أكانت ردة فعل متوقعة على أرض المعركة المباشرة في سوريا، أم في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، بل وربما في الفضاء السيبراني.
ويرى المحللون أن الخطر يكمن في أن الولايات المتحدة ستجد نفسها حينئذ في دائرة من التصعيد تجر الجيش الأميركي إلى عمق الصراع السوري، أكثر مما كان ينوي. وقال الجنرال الأميركي المتقاعد والباحث لدى معهد «دراسات الحرب»، «جيمس دوبيك»: «في ضوء الارتباط بين روسيا وإيران والأسد، فإن أي هجوم نعتبره محدوداً وموجهاً ربما يُساء تفسيره من أحد الأطراف الثلاثة ويبرر من وجهة نظره ضربة انتقامية». وتساءل: «ماذا سنفعل عندئذ؟».
والسيناريوهات المحتملة لأية ضربة انتقامية تشمل هجمات من قبل ميلشيات مدعومة إيرانياً ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، وعمليات تصعيد ضد القوات الأميركية وحلفائها داخل سوريا، و«ردوداً غير متماثلة» كهجمات إلكترونية خارج مسرح العمليات ذاته.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الضربات الجوية التي نفّذتها الولايات المتحدة، وحليفتاها بريطانيا وفرنسا، ستمنع قوات الأسد من اللجوء إلى الأسلحة الكيميائية في المستقبل، بينما يسعى الرئيس السوري إلى توسيع سيطرته في أنحاء البلاد، وتعزيز مكاسبه في الحرب الأهلية الدائرة.
وأكد السفير الأميركي السابق لدى سوريا والباحث في معهد الشرق الأوسط وجامعة «يال»، «روبرت فورد»، أن العمل العسكري لن يردع الأسد عن استخدام أسلحة كيميائية ما لم تتابع الولايات المتحدة عبر القيام بضربات إضافية عندما تقع تجاوزات جديدة. وقال «فورد»: «لا أتصور أنه من الممكن أن يكون هذا هو الهجوم الأخير من أجل إظهار قوة رادعة»، معتبراً أن من بين أسباب لجوء الأسد إلى استخدام الأسلحة الكيميائية افتقاره إلى قوات بشرية. وتوقع الدبلوماسي السابق أن الأسد سيختبر الإرادة الأميركية، ولا بد عندئذ من توجيه ضربات أخرى.
وقد وعد ترامب عقب الضربات بأنها لن تكون الأخيرة بالضرورة، وقال في كلمة بالبيت الأبيض: «نتأهب لمواصلة هذا الرد إلى أن يتوقف النظام السوري عن استخدامه لأسلحة كيميائية محظورة».
وبعض من يؤيدون الضربات يؤكدون أنه حتى إذا أخفقت في منع الأسد من استخدام أسلحة كيميائية في المستقبل، فإنها ستوجه رسالة مفادها أن المجتمع الدولي يراقب ويعتزم تطبيق الحظر على الأسلحة الكيميائية الذي أقرته الدول عقب الحرب العالمية الأولى.
وأفادت رئيسة الوزراء البريطانية أن الضربات، التي شاركت فيها المملكة المتحدة وفرنسا، ستوجه رسالة واضحة لجميع من يتصورون أن بمقدورهم استخدام أسلحة كيميائية من دون عقاب. وقالت، في إشارة إلى الهجوم الأخير بغاز أعصاب على جاسوس روسي سابق يعيش في إنجلترا: «لا يمكننا السماح بأن يصبح استخدام الأسلحة الكيميائية أمراً طبيعياً، داخل سوريا أو في شوارع المملكة المتحدة أو في أي مكان آخر في عالمنا».
غير أن التدخل العسكري يأتي أيضاً في وقت تخلت فيه واشنطن تخلياً كاملاً عن السعي إلى الإطاحة بالأسد منذ أكثر من سبعة أعوام في الحرب الأهلية السورية. ويرغب ترامب في سحب القوات الأميركية بعد أن قضت الميلشيات التي يقودها الأكراد وتدعمها واشنطن، على فلول تنظيم «داعش» الإرهابي.
ويتصور محللون استراتيجيون وعسكريون أن مغادرة القوات الأميركية ستمهد على الأرجح لتعزيز الأسد سيطرته على الأراضي السورية، بدعم من روسيا وإيران وميلشيا «حزب الله» اللبنانية. والنتيجة هي ما وصفه وزير الدفاع الأميركي «جيم ماتيس» في شهادته أمام الكونجرس، يوم الخميس الماضي، بـ«قوى دفع مضادة»، إذ يرغب ترامب ألا تكون للولايات المتحدة علاقة بما يحدث في سوريا من جانب، لكن من جانب آخر يرغب في أن تملي واشنطن قواعد السلوك في ميدان المعركة السوري!
أما أولئك المتشائمون بشأن الضربات العسكرية الانتقائية رداً على استخدام الأسلحة الكيميائية، فيقولون: «إن الولايات المتحدة امتنعت حتى عن التأكيد على ضرورة رحيل الأسد، وهو ما يعني أن قواته ستواصل قتل من تشاء بينما تحاول تعزيز سيطرتها، حتى إذا كانت ستفعل ذلك باستخدام الأسلحة التقليدية».
وذكر «كينيث بولاك»، المحلل السابق لدى «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» (سي آي إيه) والباحث لدى «أميركان إنتربرايز إنستيوت»، أنه طالما أن الاستراتيجية القائمة هي ترك الأسد في مكانه، والسماح له بقتل شعبه كما يحلو له، فسيفعل ذلك، مضيفاً: «من المحتمل أنه سيعيد استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى».
غير أن «فورد» أشار إلى أنه لكي تمنع واشنطن الأسد من قتل المزيد من مواطنيه، فإنها تقترب من سيناريو تغيير النظام لأنه يمارس القصف يومياً، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستنجر إلى الصراع السوري، وعندئذ سيمكنها السيطرة على مجريات الأمور هناك.
ويشك «بولاك» في أن النظام السوري وحليفه الإيراني سيحاولان الانتقام من الولايات المتحدة، لأنهما يسيطران على الوضع في ميدان المعركة الذي وعد ترامب بمغادرته، ومن ثم لن يرغبا في الانخراط في أي عمل يمكن أن يمنع مغادرة الولايات المتحدة، والذي سيعتبر انتصاراً كبيراً لهما. لكن روسيا يمكن أن يكون لديها دافع أكبر للانتقام، لأن فلاديمير بوتين لديه مصالح أكبر من سوريا، ترتبط بمدى سماحه لواشنطن بالتصرف كما يحلو لها، ومدى رغبته في إظهار أن بمقدوره الرد.
*كاتب أميركي
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»