بسم الله الرحمن الرحيم
الصفوية والصوفية
مناقشة عامة
على الكاش
كاتب ومفكر عراقي
السؤال المطروح بعد الإنتهاء من مباحث التصوف السابقة هو: هل الصوفية إيمان أم ضلال؟ هل منبعها الإسلام أم الأفكار الغنوصية؟ هل جميع المتصوفة مؤمنون أم فيهم من هو على ضلال؟ وهل هناك معايير لتصنيفهم وفق قواعد الإيمان والإلحاد؟ وهل الصوفية وأفاعيل الدراويش من ضرب الدرباشات والسيوف وأكل الزجاج والجمر وغيرها، هي من البدع ام من صلب العقيدة الإسلامية؟ وهل هذه الممارسات من قوة الإيمان بالله تعالى؟ ام من قوى الظلام التي يقودها الشيطان؟
يذكر ياسين رشدي بأن من المتصوفة ” من جعل القرآن والسنة أساسا لطريقته وهم قلة، ومنهم من ابتدع معاني لآيات القرآن لا يحتملها اللفظ وتأباها قواعد اللغة، مدعيا إنها تفسير باطني، ومنهم من تأثر بثقافات أجنبية وفلسفة اليونان والرومان، وأدخل فيها عقيدة الحلول والإتحاد، ومنهم من أسقط التكاليف عن نفسه، كالصلاة والصيام مدعيا إنه وصل إلى نهاية الطريق”.(التصوف ما له وما عليه/ 8).
نود أن نبين باديء ذي بدء بأن من يؤمن بوحدة الوجود ومنفعة السحر والمعاجز والعروج الى السماء والرجعة والفناء والحلول وغيرها من مصطلحات التصوف الشاذة، لا يمكن أن يحسب على عقيدة الإسلام. أما من كان متصوفا بمعنى الزهد في الحياة الدنيا والتفرغ للعبادة وإداء الفرائض ولا يحيد عن كتاب الله وسنة نبيه المصطفى فهذا أمر لا غبار عليه، ولا يعنينا البته! لأن العلاقة بين العابد والمعبود علاقة ثنائية وليست متعددة الأطراف لا شأن لنا بها عن قريب أو بعيد. العبادات امر يعني الإنسان نفسه فقط، وكل نفس رهينة ما تكسب. لكن المعاملات هي التي تخصنا لأنها تهتم بعلاقات البشر بعضهم البعض. لذلك ميز الدين الحنيف بين العبادات والمعاملات من حيث التأثر والتأثير فقط، لأن المعاملات تستند أصلا على العبادات، من حيث الإلتزام بها أو التنصل منها.
ذكر الشيخ العلامة محمد الشنقيطي” لاشك إن من الصوفية من هو على الطريق المستقيم، من العمل بكتاب الله وسنة رسوله (ص)، ولم تظهر منهم أشياء تخالف الشرع”. (أضواء البيان4/502). منهم عمرو بن عثمان المكي، والحارث المحاسبي، وعبد الله بن خفيف، و إبراهيم بن أدهم، وبشر الحافي والفضيل بن عياض، وأبو سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد البغدادي ويوسف بن اسباط، ومعمر بن زياد الأصفهاني، والشيخ عبد القادر الكيلاني الذي قال فيه عبد الله بن قدامة” ما رأيت أحدا يعظمه الناس للدين، أكثر منه”. ومدحه ابن كثير ” لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وشدة زهده”. ووصف ابن تيمية طريقته في التصوف بأنها” الشرعية الصحيحة”.
كذلك الشيخ أحمد الرفاعي – ذاته وليس أصحاب طريقته- فقد أشاد به كبار العلماء المسلمين كإبن تيمية الذي وصفه بأنه من (أئمة السلف)، والإمام الذهبي الذي قال فيه مادحا، وبنفس الوقت منتقدا أتباعه “لكن أصحابه فيهم الجيد و الرديء، وقد كثر الزغل فيهم، وتجددت لهم أحوال شيطانية، منذ أخذت التتار العراق، منها دخول النيران، وركوب السباع، اللعب بالحيات، وهذا ما لم يعرفه الشيخ، ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله من الشيطان”. (سير أعلام النبلاء21/77).
هذه الآراء تدفعنا للقول بإن الجيل الأول من المتصوفة يختلف تماما عن بقية الأجيال التي تلته. فلم تكن عقائد الحلول والفناء ووحدة الوجود والحقيقة المحمدية والسكر والشطحات والأساطير وغيرها قد دخلت بعد في لبٌ التصوف وغلبت عليها. لكن عندما نناقش التصوف بشكل عام لا يجوز ان نحكم عليه من الرأس ونترك الجذع والأطراف! عندما يكون الرأس بلا عيب فهذا لا يعني سلامة الجذع والأطراف. كما ان الجيل الأول يمكن تصنيفه في باب الزهد أكثر منه في باب التصوف. وعندما نفكر في التصوف سوف لا يخطر على بالنا الفضيل بن عياض، وأبو سليمان الداراني ويوسف بن اسباط فحسب، بل أيضا ابن عربي والحلاج والبسطامي والقشيري والترمذي والجيلي وابن الفارض، وهؤلاء ليسوا كسلفهم المؤسسين للتصوف. كما أن كبار المتصوفة رفضوا الفصل بين هاتين الفئتين المتناقضتين لسبب لا نفهمه ولم يوضحوه لنا! ولذا سنتماشى مع رغبتهم آسفين، فقد كان بودنا لو إنهم قاموا بهذا الفصل وعزلوا السليمين عن المرضى، وفصلوا ما بين الحقائق عن البدع، والإيمان عن الضلال، والإسلام والغنوصية، لكانوا أراحوا أنفسهم، وأراحوا غيرهم.
لذا بحثنا لا يتعلق بالمقارنة والمفاضلة بين المتصوفة وفرز الجيد من الرديء. وإنما العلاقة بين الصفوية والصوفية، وليس المقارنة بين الشيخ أحمد الرفاعي واسماعيل الصفوي على سبيل المثال. فالثريا ليست الثرى وشتان ما بينهما. ناقشنا العلاقة بين العقيدتين والمؤتلف بينهما ولم ندخل في مبحث المختلف. هناك بالطبع إختلافات ولكن برأينا إن كفة المؤتلف أرجح من كفة المختلف. وعندما تطرقنا إلى المآخذ على بعض الزهاد والمتصوفة، فهذا لايعني إننا لا سامح الله ننتقص من قيمتهم ومكانتهم عموما، وهذا ما فهمه البعض مع الأسف دون ان ينتظر انتهاء المباحث ليحكم بشكل عادل، فبعض المتصوفة كما أسلفنا أشاد بهم من هو أفضل منا وأعرف بهم منا! لكن هذا لايعني إنهم معصومون عن الخطأ والزلل والسهو، فهم بشر والبشر خطاء والكمال لله وحده فقط. لذا فأن إشارتنا لمواطن الزلل لا تعني مطلقا إن مكانة الصالحين منهم ستتصدع في قلوبنا وقلوب محبيهم.
كما أن نقاط الضعف التي أشرنا لها لم نأتِ بها من جيوبنا، وإنما من جيوب شيوخم ومقلديهم (المريدين) وناقل الكفر ليس بكافر. الشطحات التي تسيء للذات الإلهية ولنبيه المصطفى من بعض المتصوفة لا ينفع تبريرها بذريعة السكر والشطح وعدم القصد حتى، لو بررها الإمام الغزالي وغيره من العلماء. حدود الإيمان معروفة وحدود الإلحاد معروفة أيضا على خارطة الإسلام، ولسنا بحاجة لمن يبرر الكفر بأية حجة كانت، مع احترامنا الكبير لعلمائنا الـفاضل. صحيح إن القرآن الكريم فيه الكثير من الأسرار التي توصل لها العلم، أو لم يتوصل لها بعد، لكن العلماء فقط، وليس الأئمة والمتصوفة ورجال الدين هم من حلوا هذه الأسرار للبشرية.
يرى المقريزي في خططه بأن أمر الصوفية بدأ يتدهور بعد موت الشيوخ الأوائل” حتى صاروا من سقط المتاع، فلا ينسبون إلى علم ولا ديانة”. من البديهي إن المتصوفة الصالحين لا يتحملون مسؤولية ما عبث به خلفهم من الأتباع، ولكننا نتحدث عن وقائع ملموسة وليس عن عفاريت يتحدث بهم الناس ولا يرونها. الحكم يكون شاملا على الظاهرة عندما تكون واحدة ومتجانسة، وليست متجزأة.
وإذا كان التصوف طريقة للعبادة فقط! فلماذا يدخل في باب المذاهب الباطنية؟ يذكر ابن حزم” دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه، وهو جهر ولا سر تحته، وكله برهان”. وهل يحتاج الإسلام طريقتهم الخاصة للعبادة؟ وهل هناك ألغاز في الفرائض لم يتحدث عنها القرآن الكريم أو يوضحها النبي(ص) والصحابة وكباء الفقهاء فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات؟ ألم يُفصل فقهاء المسلمين كل ما يحتاجه المسلم في عبادته؟ بل احيانا وصل الأمر إلى الإسهاب المفرط الذي يشمل دقائق دقائق الأمور. فهناك عشرات المجلدات تتحدث عن الطهارة فقط! لقد قالوا للصحابي الجليل سلمان الفارسي: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة(قضاء الحاجة).
ثم هل كان النبي(ص) والصحابة والإئمة رضوان الله على الجميع من المتصوفة؟ يذكر عز الدين التنوخي بان” التصوف هو روح الإسلام، والرسول هو الصوفي الأعظم”. ويضيف الشيخ محمد عبده الصوفي ” لقد ضاع الإسلام بضياع التصوف”. (مجلة الثقافة السورية2/24). لكننا قرأنا بحمد الله، القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ووجدنا الكثير من المفاهيم حول العالمين والمتقين والمريدين والخائفين والعارفين والأولياء والصادقين والخاشعين والمحسنين والسائحين والمجتبين والمقربين والصالحين والمتوكلين والمؤمنين والحاكمين والصابرين والتابعين وغيرها لكننا لن نقرأ شيئا عن الصوفيين!
كما ان القرآن الكريم نزل باللغة العربية وبلغة قريش تحديدا، قرآنا فصيحا مفهوما وسهلا، لا يصعب فهمه على الناطقين بالضاد. نحن عرب ونتحدث بلغة القرآن والسنة النبوية ومن يدعِ إن للقرآن ظاهر وباطن فليكفنا باطنه لنفسه، فلسنا بحاجة الى الباطن! الظاهر منه هو الذي يعنينا، وهو والحمد لله يكفينا في الحياة الدنيا وزيادة. لقد جاء القرآن الكريم لكل البشر، وليس للأئمة والشيوخ والمريدين، فكلام الله تعالى لم يفصل على عقولهم وفهمهم فقط. ولو كان التصوف طابع خاص للعبادة بين الشيخ وربه، وبين الإمام وربه، ما كنا تدخلنا فيه أصلا. أما أن تنحرف الناس عن القرآن والسنة وتركض وراء الأوراد والإذكار ومفاتيح الجنان ودعاء كميل. فهذا خط أحمر يستدعي ان يتدخل كل مسلم حريص على دينه لتحصين نفسه والآخرين من البدع والضلال، وذلك أضعف الإيمان. ألم يذكر النبي(ص) الحديث” خيركم من تعلم القرآن وعلمه”؟ (صحيح البخاري/ باب فضائل القرآن).
دخل احد الصباط الانكليز في صومعة القلعة وقد اجتمع عدد من الناس وهو يصيحون ويرقصون بشكل جنوني، فسأل ترجمانه: ماهذه الغوغاء ونحن نعلم إن صلاة المسلمين في غاية الخشوع والآداب والسكينة؟ فقال له ترجمانه انهم الصوفية وهذه اكبر صلاة عندهم. لاحظ وصف الأجنبي بأن صلاة المسلمين خشوع وهدوء! وليس فوضى وصخب. لقد عبر النصراني جيدا عن خلق الإسلام، و هو من غير دين الإسلام!
إن ذكر الله تعالى لا يحتاج الى الغناء والرقص والزعيق وأكل الزجاج والجمر والضرب بالدرباشة والسيوف والخناجر، انها بدع ومفتريات على الدين، ولو كان فيها تقرب لله تعالى لكان أولى بالنبي المصطفى(ص) والصحابة من السلف الصالح ان يقوموا بها. الإسلام لا يحض المسلمين على خرق أجسادهم بالسيوف والدرباشات ليلفتوا إنتباه الجهلة والساذجين إلى بطولات وهمية لا نفع منها.
إن ما نقوله بحق الدجاجيل(أول من جمعها هكذا مالك بن أنس)لا يختلف البته عما قاله كبار الصوفيه يحق أتباعهم المسيئين، فقد ذكر السيد احمد الرفاعي” طريقنا الكتاب والسنة، ومتى ما انحرف الإنسان عنهما ضلٌ عن الطريق، طريقنا أن تقف عند حدود الشرع ولا تتعداه، وكل طريقة خالفت الشرع هي زندقة”. وقال أبو القاسم الجنيد” مذهبنا التقيد بالكتاب والسنة”. وقال ابو القاسم السندوسي” هذا الطريق مبني على الغيرة لله ورسوله المصطفى، فمن كان يعد نفسه في اعداد أهل هذا الطريق وليس له غيرة على الله ورسوله، فهو دجال ومنافق ومبتدع فإجتنبوه ولا تخالطوه”. وقال الشيخ علي القرشي” من لم يكتفِ بالكتاب والسنة والإجماع، فهو على الضلال”. (مجلة الاستاذ/ ج35/830).
قال ابو عمرو محمد الزجاجي النيسابوري” من انحرف عن جادة الظاهر فلا باطن له، هكذا وجدنا السلف الصالح”. وقال أحند بن ابن ابي الحواري الدمشقي” من عمل بلا اتباع السنة فعمله باطل”. وسأل رجل رويم البغدادي: دلني على الطريق؟ فأجابه: ليس لك إلا بذل الروح، وإلا فلا تشتغل بترهات المتصوفة. (مجلة الاستاذ/ ج35/ 830). هذا الكلام المقبول والعقلاني الذي يتوافق من المنطق الإسلامي، وأخلاق وسيرة النبي(ص) والصحابة الأجلاء هو فصل الخطاب، ولا جدال حوله.
وإن كان هناك تعارض وإختلاف في المواقف، فمن البديهي ان نرجع الى الحاكم الأوحد في مثل هذا الأمر! فقد جاء في سورة النساء/59 (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)). فهل ما يقوم به المتصوفة من افعال، هي من صلب العقيدة المذكورة في كتاب الله وسنة رسوله أم هي من البدع؟ الجواب لا يقبل الوسط أما القول: لا يقبل حسبما وضحه القرآن الكريم! أو القول: يقبل! وعندها نطالب المعارض بالبرهان.
والحقيقة إن التصوف فيه حيرة أيضا، لأنه يضعنا في مواجهة غير عادلة، فهل كان الإسلام ناقصا، فجاء المتصوفة لإكماله؟ فإن كان الإسلام كاملا كما جاء في القرآن الكريم (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) سورة المائدة/3، قال عليّ بن أبي طلحةَ عن ابنِ عبَّاس في قوله تعالى(( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) هو الإسْلام، أخبر الله نبيَّه – صلَّى الله عليْه وسلَّم – والمؤمِنين أنَّه قد أكمل لهم الإيمان فلا يَحتاجون إلى زيادةٍ أبدًا، وقد أتمَّه الله فلا ينقصه أبدًا”. )تفسير إبن كثير5/246). إذن الدين كامل، ولا حاجة للتصوف؟ وإن كان ناقصا فنتركك المعارض مع الله تعالى فهو الحاكم وليس نحن، لأنك النقص سيعود على الذات الإلهية، وهذا كفر ما بعهده كفر.
علاوة على ذلك، نقول لمعشر المسلمين: ألا يكفِ محاربة الاسلام من قبل الجبهة الخارجية ليفتح المتصوفة والشعوبية جبهة داخلية عليه؟ ثم كيف نفسر توحد ارادة اعداء الخارج مع اعداء الداخل لخدمة هدف واحد؟ هل هي الصدفة؟ أم هي مؤامرة حقيقية على الإسلام؟ وإلا ما الهدف من شق عصا الجماعة، وزرع بذور الفتنة والنفرة والعداء بين المسلمين؟ ثم من المستفيد منها؟
تعليقات القراء الأفاضل التي اتفقت معنا أو عارضتنا في الطروحات كانت جميعها موضع احترامنا وتقديرنا، فالإختلاف لا يفسد للود قضية، نحن نعيش في عصر التفتح والنور، ولا نكتب معادلات رياضية لا تقبل الخطأ. إنها أفكار قد تصح جميعها او نصفها أو أقل وربما لا تصح البته عند البعض ولا توجد مشكلة في هذا الأمر، فلكل منا قناعاته الشخصية صحيحة كانت او غير صحيحة. كما ان الخصم في النقاش لا يجوز أن يأخذ الجانب النظري(الأفكار) فقط من المسألة. ويترك الجانب العملي(الممارسات) الذي يرافقها. على سبيل المثال نحن نؤمن ان بعض الشيوخ كالرفاعي والجنيد لم ينحرفا عن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ولم يحضروا الموالد والأذكار ولم يرقصوا على الدفوف، ولم يتحدثوا عن عروجهم للسماء ولا عن وحدة الوجود والفناء، كما شهد لهم كبار العلماء القدامى ولكن لا يمكن تنزيه خلفهم في تحريف الطريقة وتغيير المسار وطمس معالمه، كأكل الزجاج وادخال الدرباشات والسيوف في اجسامهم واكل الجمر والمشي حفاة على النار، والمعجزات التافهات كالطيران والمشي على الماء تحت مسمى الكرامات. ولا الشحاذة من الناس، والكفر تحت مسمى الشطحات، وغير من الفعاليات الشاذة التي لا تمت بصلة للإسلام؟
ولماذا يتسمون بالرفاعي؟ وإطلاق مصطلح الطريقة الرفاعية! هم وليس نحن من أطلق هذه التسمية؟ هم من يدعون إن قطبهم هو الرفاعي وليس نحن؟ هم من يذكرون ان اسرار الصنعة(مشروب الطريقة) اخذوها عن الرفاعي بالتوارث وليس نحن! وكذلك بالنسبة للصفويين وما يمارسوه من لطم وتطبير وضرب بالزناجير! هل هذه الممارسات مستمدة من الأئمة وأوصوا بها؟ أم هي شعائر سنٌها وزير الشعائر الحسينية في العهد الصفوي، وقد إستقاها من النصرانية خلال زياراته لأوربا؟
إن من يضع نفسه موضع التهمة يتحمل نتائجها!
مع ثقتنا الكاملة برأي كبار العلماء بالشيخ الرفاعي، لكن مع هذا لنستمع إلى بعض ما نسبه له تلامذته رغم إنه لم يؤلف كتابا في حياته! لكنهم إدعوا بأنهم جمعوا أقواله في ثلاثة كتب هي (جمع أسرار الشريعة والحقيقة والطريقة( يُختصر بالبرهان)، وكتاب النظام الخاص لأهل الإختصاص، وكتاب رحيق الكوثر). علما إنه يذكر عن نفسه” لست بشيخ ولست بمقدم عليكم، ولست بواعظ، ولست بمعلم، حشرت مع فرعون وهامان إن خطر لي إني شيخ على أحد”. وهو صاحب المقولة الشهيرة” كل ما يخالف الشرع هو زندقة. والطريق إلى الله هو القول: آمنت بالله، ووقفت عند حدود الله، وعظمت ما عظم الله، وانتهيت عما نهى الله”.( د. عبد المنعم الحفني كتاب الموسوعة الصوفية/ 180).
حسنا! لنقرأ ما نُسب للشيخ الرفاعي من ترهات على يد أصحابه” إذا تمكن العبد من الأحوال بلغ محل بالقرب من الله تعالى، وصارت همته خارقة للسماوات السبع، وصارت الأرضون كالخلخال في رجله، وصار صفة من صفات الحق جل وعلا لا يعجزه شيئا، وصار الحق تعالى يرضى لرضاه ويسخط لسخطه”.(طبقات الشعراني/142). لكن هل بلغ الرسل والأنبياء هذه المكانة يرضى الله برضاهم ويسخط بسخطهم؟ كيف نفسر عتب الله جلٌ جلاله على رسوله المصطفى وعدم رضائه على سخطه كما في الآية الكريمة((عبس وتولى)) وغيرها كالإنتقام من قريش بسبب مقتل الحمزة؟ ومنها القول المنسوب للشيخ احمد الرفاعي” وعدني رسول كرمه أن يأخذ بيد مُريدي ومُحبي ومن تمسك بيٌ وبذريتي وخلفائي في مشارق الأرض ومغاربها إلى يوم القيامة، عند إنقطاع الحيل، وبهذا جرت بيعة الروح ولا يخلف الله عهده”.( البرهان المؤيد/82). لاحظ هو يتحدث عن كرامة مع النبي(ص) وليس عهدا مع الله تعالى لا يخلفه!
ويذكر الشعراني بأنه(الشيخ الرفاعي) عندما يصادف الكلاب والخنازير يقرأهم السلام! عليكم وهذه تحية المسلم للمسلم وليست تحية المسلم للخنازير والكلاب! (الطبقات/143)! وينقل عن الشيخ يعقوب الكراز عندما صاحب الشيخ الرفاعي للحج القول” لما صعدنا عرفات رأينا تة أنفار قادمين من جهة الشام، خمسة يلبسون ثيابا خضر، والسادس ثوبا أبيضا، فتقيد الرفاعي بإثنين منهم خاصة. سألت الرفاعي عنهم فقال لي إذهب واسألهم! فذهبت لهم، وأجابني لابس البياض: أنا الخضر وهؤلاء الخمسة سيد المرسلين وابو بكر وعمر وعثمان وعلي”. ويطلب الشيخ الرفاعي من المريدين تقبيل يد شيخهم ورجله! نترك الحكم للقراء الأفاضل وننصح بهذا الصدد قراءة المناظرة بينهم وبين الشيخ إبن تيمية.
من جهة ثانية، فإن جميع الأحاديث التي استشهدنا بها في المباحث السابقة مستمدة من أمهات المصادر والمراجع الشيعة والصوفية، وجميعها صالحة وثقة كما يدعي اتباعها كالكافي وبحار الانوار والاستبصار وروضات الجنات وغيرها بالنسبة لكتب الامامية. وطبقات الصوفية وجامع كرامات الاولياء ورسالة القشيري وقوت القلوب وغيرها مما ذكرنا بالنسبة للمتصوفة(يمكن الرجوع الى المصادر والمراجع). فنحن لن نأت بحديث من عندياتنا، ولم ندس على أحد، ويكفينا ما دسوا وافتروا على الإئمة والشيوخ.
بمعنى نحن لا نلام عن ما موجود في امهات كتبهم من أكاذيب وإفتراءات بحق الأئمة والشيوخ، وان هذه الأكاذيب يتحمل وزرها من صنعها ومن ينشرها دون ان يهذبها ويصححها! هناك الكثير من المضحكات المبكيات التي عزفنا عن ذكرها كي لا ندوس على الجرح اكبر. هل قرأتم ما ذكره جعفر الصادق من قصص واساطير تشبه قصص الف ليلية وليلة ولكنها اكثر كفرا وافتراءا؟ الا تبدو إطلاق صفة الصادق عليه مثيرة للعجب! هل هذه احاديث رجل يوصف بالصادق! فماذا نطلق إذن على الكاذب؟ معاذا الله ان يكون الامام الصادق بهذا المستوى الرقيع من العلم والمعرفة! معاذ الله أن يجهل قول الله تعالى(( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون)). سورة النمل/105. أليس الصادق من تخرج على يديه الكريمتين فئة من كبار علماء المسلمين؟ أكيد هو صادق والف صادق ونلقم مداسا في فم كل من يفتري عليه! فتلك الفئة الضالة التي نسبت له الأكاذيب والأساطير لتشويه شخصيته تتزعم إنها من أنصاره! فهل هذا فعل أتباع أم أعداء؟ وان كان أهل السنة اعداءا لأهل البيت كما يزعم الصفويون، فلماذا لم يسيئوا أهل السنة للصادق؟ بل إعتبروه من أفاضل العلماء؟
نحن نؤمن ببرءاته مما نسب اليه من كذب ودجل وسحر وأساطير، كإيماننا ببراءة امنا الفاضلة عائشة حبيبة المصطفى مما نسب نفس الأوغاد لها. من يحب الأئمة حقا ينزهم عن الرجس والكذب والكبائر ولاينسبها لهم. ومن يحب الأئمة على معجزاتهم واساطيرهم لا يختلف عمن يحب شخصية سوبرمان الوطواط وهاري بوتر. من يؤمن بطيران الأئمة والشيوخ لا يختلف عمن يهوى قصص بساط الريح.
نحن نحب الأئمة والشيوخ الحقيقيين، وليس الشخصيات الأسطورية. نحن نحب خلف النبي(ص) وليس أرباب الأغريق وسلالاتهم. نحب سيرة الأئمة والشيوخ وأقوالهم وتواضعهم وزهدهم وشدة صبرهم وتضحياتهم ومحبتهم للإسلام واعتصامهم بحبل الله. نحب الإمام على كخليفة زاهد بايع الخلفاء قبله وكان مستشارا رائعا لهم، ولا نحب الإمام علي الذي صوته البرق وابتسامته الرعد يقوم مقام الله ويحمل كل صفاته. نحب الإمام الحسن ليس لأن جده النبي(ص) بل لأنه ضحى بخلافته لجمع وحدة المسلمين، وأصلح بين فئتين مسلمتين. تخلى عن الرئاسة بمحض إرادته منعا لسفك دماء المسلمين، وليس تقية كما يدعي الدجالون والمغرضون. من يحب الأئمة والشيوخ يحافظ على سيرتهم، ويقلدهم بأخلاقهم وسلوكهم، وليس بالدراباشات والزناجير واللطم والنحيب. من يحب الأئمة والشيوخ لا يغالِ بسيرتهم وأفعالهم، ولا يغالِ أيضا بحبهم فهم مع علو مقامهم، ليسوا بمنزلة أكبر من منزلة النبي(ص) نفسه.
يذكر حسين جوزو “غالى الفقهاء من جهة، والصوفيَّةُ من جهةٍ أخرى، فحوَّل علماء الظاهر الإسلام إلى مجرَّد قشور، بينما أفرط علماء الحقيقة في الجانب الروحي”. (الإسلام والعصر/135). ويضيف علي عزت” الفلسفة الصوفية والمذاهب الباطنية تمثل بالتأكيد نمطاً من أكثر الأنماط انحرافاً. ولذلك يمكن أن نطلق عليها وصف (نصرنة) الإسلام، إنها انتكاسة بالإسلام من رسالة محمد(ص) إلى عيسى(ع)”.(الإسلام بين الشرق والغرب/287). ولكننا في نفس الوقت نستغرب من إنه، لا الصوفية ولا الشيعة المحدثون العقلاء إنتقدوا ما ورد عن أئمتهم وشيوخهم من غلو وتخاريف، ولم يصححوا ويهذبوا مصادرهم التأريخية المطبوعة حديثا، ولم يرفعوا عن الإئمة والشيوخ الغبن الذي لحق بهم! مما يعني موافقتهم على ما جاء بها من لغو وغلط، او الرضا عما كُتب عنهم، على أقل تقدير.
البعض اقترح علينا قراءة كتب محددة عن التصوف كما يفترض قبل الكتابة عن الموضوع أو لتصحيح رؤيتنا عن التصوف والصفوية! وهنا نود الإشارة بأننا لم نبحر في بحار الصوفية والصفوية بلا بوصلة! لذلك تداركنا الإنحرافات الخاطئة قدر إمكاننا. اطلعنا والحمد لله على مئات الكتب عن العقيدتين فشمرنا ساعدنا بعدها للكتابة، ويمكن ملاحظة ذلك في إشاراتنا للمراجع التي استقينا منها الأحاديث، وكنا حريصين في هذا الجانب كي لا نقع في مصيدة الأفك جنبنا الله أياها. لذلك فالبعض الذي يعارضنا بدعوى(من أين أتيت بهذا الكلام؟) من الأجدر به أن يرجع إلى المصادر المذكورة ليعرف من أين أتينا بالكلام!
البعض الأخر إقتص من مقالاتنا أسطر ليجعل منها قضية مستقلة، فصلها عما قبلها وعما بعدها، لتكون جملة شاذة غير متكاملة المعنى. وهذه الحالة تذكرنا بمقال سابق كتبناه عن الغزو الامريكي للعراق، فأجتز أحد الأساتذة عنوان المقال فقط” عندما تموت سأبصق على قبرك” وبدأ يتهجم على سلوكنا واخلاقنا قائلا: أهذه أخلاق مسلم؟ يبصق على قبر مخلوق ميت من عباد الله؟ أين الاسلام واين الرحمة واين حرمة الموت…الخ. أما الجملة التي قبلها، والذي لم يذكرها الأستاذ فهي” رسالة الى الرئيس الامريكي بوش: عندما تموت سأبصق على قبرك”. وكانت التعلقات على ما ذكره الأستاذ قاسية جدا!، فمنهم من قال: لا يجوز ذلك هذا حرام! وآخر قال للموت قدسية، وآخر قال ربما الكاتب غير مسلم او لا يعرف الإسلام! وهناك من سبٌ ولعن ( معذورون في حكمهم، فهم لم يطلعوا على المقال كاملا، بل على جملة منه فقط).
الأستاذ العزيز: لقد بصقوا الامريكان على قرآننا، واتخذوه هدفا للرمي بأسلحتهم، ورموه في حظائرالخنازير، ودنس عناصر من المارينز نسخ من القرآن بالتبول عليها في العراق المحتل! لكنك لم تتأثر بكل هذه الإنتهاكات، واستحيفت بصقة على من دمر بلادنا وقتل الملايين من أبناء شعبنا وبسببه ما زال نزيف الدم مستمر! ألا تف عليه وألف تف!
البعض طالبنا بقراءة كتب الإمام الغزالي كإحياء علوم الدين لما فيه من معلومات هامة تفند بعض ما جاء في مباحثنا! نقول والحمد لله، لم يفتنا ذلك، فلقد طالعناه بإمعان ودقة وننصح من نصحنا بقراءته مشكورا بأن يطلع بنفسه عليه! ويوافينا بإحصائية عما تضمنه الكتاب من أحاديث كاذبة منسوبة للنبي(ص) والتي لاوجود لها في الصحاح والسنن! سيما المتعلقة منها بالفقر والزهد والجوع لغرض ترويج العقائد الصوفية. ونبادله النصح بأن يطلع على ما أحاصاه العلامة السبكي في كتابه( الطبقات) عن الأحاديث النبوية التي إستشهد بها في كتابه الأحياء بدون سند! وقد وصفه د. زكي مبارك بقوله” فهو( أي الغزالي) في جمعه الأحاديث كحطاب الليل”. وإلا سنكيفه بما قال عنه أخص أصحابه( أبو بكر بن العربي الفقيه المالكي) أن” شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منها فما قدر”. علما إن الغزالي نفسه يقر في كتابه التأويل: بأنه رجل رديء البضاعة في الحديث. زالحقيقة أن كتابه الأحياء هو نسخة محدثة من كتاب(قوت القلوب) ولكنه لم يشر الى إقتباساته منه، بما يعتبر سرقة أدبية! وننصح بقراءة( باب التوكل) في الكتابين لمعرفة الحقيقة.
كما تحدث أبو بكر الطرطوشي عن الإمام الغزالي وأهم كتبه(إحياء علوم الدين) بقوله” شحن كتابه بالكذب على رسول الله(ص) وما على بسيط الذكر أكثر كذبا منه”. (راجع كتاب الرسائل/ عبد اللطيف آل الشيخ3/137). وهو نفس تقييم الإمام الذهبي لـ (إحياء علوم الدين) حيث قال” فيه من الأحاديث الباطلة جملة”. ويلاحظ ان الخلاف بين الغزالي وبقية المتصوفة يدور حول نقطة واحدة، وهي إنكاره نزول الملائكة على الشيوخ، وقد ردٌ عليه الشعراني بقسوة منتقصا من قدره ومكانته الصوفيه! لأنه لم يصل إلى مرتبة كبار الصوفية، لذلك لم تنزل عليه الملائكة. ورجع الشعراني في دعواه الى آراء إبن عربي بهذا الصدد (للمزيد راجع اليواقيت والجواهر).
في حين أجاز إبن عربي نزول الملائكة على الشيوخ بما فيهم هو نفسه! وذكر في الفتوحات المكية” جميع ما أكتبه في تصانيفي ليس عن فكر ولا روية، وإنما هو عن نفث في روعي من ملك الالهام”. (الباب/366). وفي مكان آخر” جميع ما كتبته وأكتبه إنما هو عن إملاء إلهي وإلقاء رباني او نفث روحاني”. كلام واضح غير قابل للتأويل يكشف حقيقة ابن عربي ومؤيديه.
في الختام نود الإشارة بأننا لا ندعِ الوصول الى الحقيقة كاملة، ولا غيرنا يمكن أن يصل إليها! والسبب هو تأويل الكلام واتباع التقية واسلوب الرموز والحروف والطلاسم وغيرها من غوامض الأمور التي يدعي الأئمة والمتصوفة بأن فهمهما مقصور عليهم وعلى أتباعهم فقط، وهي كما يبدو طريقة مبتذلة للمراوغة والمناورة أكثر منها طريقة علمية ومنطقية لإستكشاف الحقيقة ونشرها بين الناس. كلنا ايمان بأن العقائد السرية حتى وان كانت هامشية هي أكثر خطورة من العقائد المعلنة حتى لو كانت عميقة.
علي الكاش
تحيه وبعد ….. تحيه لفارس الكلمه, حسب معلوماتي المتواضعه وارجوا ان لااكون خاطئا” وبعد الاستفسار من دكتور بالتاريخ الغنوصيه والغنوصيين هم من قاموا بترجمة التراث الاغريقي وهو التراث الوحيد المتحضر في اوربا ونقلوه الىى مكتبة المامون وبعد اندثار تلك الحقبه الاغريقيه وضياع الكتب قاموا الغنوصيين باعادة ترجمة الكتب من العربيه الى الاغريقيه وارسلت الى اليونان. مع كامل اعتزازي وتقديري لكم .