د إميل شكرالله
كنت دائما لا اجد تفسيرا لظاهرة عجيبة نراها بوضوح في المجتمعات العربية ألا وهي أن السلوك العام للأفراد والمجتمعات والحكومات لا يتوافق مع ما نسمعه ليل نهار من على منابر الشيوخ.
ففي حين يقولون أن النظافة من الإيمان، تجد القذارة هي المنظر والسلوك العام، وفي حين يتكلمون عن سماحة الأديان تجد الكراهية والبغضاء تملأ المكان والزمان. وفي حين تسمع منهم عن احترام عقائد الأولين تجد المناخ العام يكفر الأولين والآخرين.
الآن عرفت السبب و”إذا عرف السبب بطل العجب” كما يقول المصريون. نعم فقد سمعت ما قاله الشيخ القرضاوي مفتخرا ومتفاخرا في خطبة يوم الجمعة في الجامع الأزهر 16نوفمبر 2012 حيث قال أن في ليبيا مليون شخص يحفظون القرآن وفي مصر أيضا ثم أضاف و”في باكستان يحفظون القرآن وهم لا يعرفون معانيه”.
في الحقيقة إن هذا التصريح الخطير من عالم دين اسلامي بحجم الشيخ القرضاوي يكشف الستار عن أهم اسباب تخلف العالم الإسلامي وهو موضوع التلقين أو الحفظ بدون فهم. فشكرا لك فضيلة الشيخ على التوضيح.
في الواقع أن أسلوب الحفظ والتلقين بات من علامات التخلف في الدول المتقدمة لما له من آثار جسيمة على تدمير قوى الإبداع الفكري والتفوق العلمي عند الإنسان. لذلك نجد العالم المتقدم اليوم يتبنى سياسة ” علم أقل وفهم اكثر”. فحسب أحدث دراسات التعلم والتعليم فأن الفهم الجيد للعلوم والمعارف هو الذي يولد المزيد من العلوم والمعارف وليس الحفظ والتلقين.
فبالحفظ والتلقين تتكدس النصوص الجامدة (النصوص غير المفهومة) في ذاكرة الإنسان فتعيق حركة التفكير الحر وتحجب عته نور العقل فلا يعود قادرا إلا على تلاوة ما تيسر له مما حفظ عن ظهر قلب.
والنتيجة الحتمية لهذا التصرف الخاطئ أن يأتي بعد ذلك “إنسان الحفظ والتلقين” للحياة فيصطدم مع الواقع المستنير وهنا تكون المأساة الكبرى لأنه يحاول أن يخضع العالم لما يحفظ هو من نصوص لا يعرف معانيها ولا يعرف علاقتها بالزمان والمكان، فلا يستطيع، فيدخل في حالة صدام وتصادم مع نفسه أولا ثم مع المحيطين به والعالم أجمع ثانيا.
أيا إنسان الحفظ والتلقين كم من مجازر ارتكبت، وكم من مآسي حصدها الإنسان المسالم بسببك، وكم من الأرواح أزهقت وكم من الحريات انتهكت وكل هذا بسبب انك تحفظ ولا تفهم. تقرأ ولا تعي. فكيف تريد تطبيق شرع الله وأنت لا تفهم معانيه؟ حقا إنها المأساة.
يا فضيلة الشيخ عندما تفتخر بأن هناك اناساً يحفظون القرآن ولا يعرفون معانيه فآنت بدون قصد تشجعهم على عدم الفهم ويخرجون خارج دائرة “يا اولي الألباب”. ألا تعلم أن الإنسان عندما يكتفي بحفظ النصوص الدينية عن ظهر فلب يكون هذا النهج له بمثابة السلوك العام ويتعامل بالمثل مع بقية العلوم فيحرم نفسه من ملكات الإبداع؟ فيعيش متخلفا عن حركة الزمن ويفشل في الاستفادة من استحقاقات المكان.
في علم الرياضيات نعلم أن المشكلة تكون مشكلة بسبب وجود بعض المجاهيل مرتبطة رياضيا مع بعض الثوابت. وان الحل المطلوب هو معرفة قيم هذه المجاهيل من خلال الثوابت المعطاة. ماذا يعني هذا الكلام؟
لنفرض المعادلة البسيطة x+1=2. هنا المجهول هو x والثوابت هي 1،2 فيكون الحل هو x=1. أما إذا كانت المعادلة كلها مجاهيل مثل x+2x=3x ففي هذه الحالة لا يمكن الحصول على قيمة المجهول x بسبب عدم وجود ثوابت. بنفس المنطق النصوص المفهومة هي ثوابت معلومات تساعدنا على الحصول على قيم المجاهيل (الحلول) للمشاكل المطروحة. ما يعني أن حفظ الآيات لا قيمة له إذا كنا لا نعرف معانية لأنه في هذه الحالة ستكون المشكلة غير قابلة للحل وذلك لأنها اصبحت كلها مجاهيل (unknowns).
ففهم معاني النصوص يجعلها ثوابت معروفة وليست طلاسم مجهولة. لذا فالتفكير والتفكر والتأمل ومن ثم الفهم الجيد للنصوص هو الذي يحل المشاكل اما الاكتفاء بالحفظ فقط فهو الذي يبقي على المشاكل دون حلول.
متى يعلم الشيوخ أن فهم آية واحدة تحض على المحبة والعطاء والتسامح والحياة النقية أفضل بكثير جدا من حفظ الكتاب كله. متى يطالب الشيوخ أن يستبدلوا مسابقات حفظ القرآن بمسابقات فهم القرآن. مسابقات لفهم المعاني الطيبة والنبيلة التي جاءت بها كل الأديان وأن يعيشوا بها ويطبقونها عمليا على أرض الواقع فذاك افضل من حفظ كل الكتب السماوية والفلسفات الارضية.