إذا كنت تحاول فهم مشجعي كرة القدم الذين يتسمون بالاندفاع والتهور وأصبحوا قوة سياسية في مصر الجديدة، فقد يساعدك الاطلاع على رواية أنتوني بورغيس
«A Clockwork Orange»
(البرتقالة الآلية) التي ألفها عام 1962. تتناول الرواية مستقبلا فوضويا تشكله عصابات متجولة من الشباب الأشداء. وكان أفراد العصابة، التي يتزعمها أليكس، يسكرون بشرب كوكتيل من المخدرات واللبن، ثم يرتكبون أفعالا وحشية وصفها بورغيس بأنها «شديدة العنف». ويقول أليكس وهو يصف أعمال العنف المفرط: «تظل تهاجم وتهاجم حتى لا يتبقى أي شيء. لقد خسرت اسمك وجسدك ونفسك ولم تعد تهتم». رواية بورغيس، التي اشتهرت بعد تحويلها إلى فيلم عام 1971 من إخراج ستانلي كوبريك وبطولة مالكولم ماكدويل الذي يقوم بدور أليكس، جديرة حقا بنظرة جديدة، وتعد دليلا ينبئنا على نحو مخيف بمستقبل العصابات العنيفة من الشباب التي تنتشر في شوارع مصر ودول أخرى. ما الذي نستنبطه من هؤلاء المخربين عن المستقبل، ليس في مصر فحسب، بل أيضا في دول أخرى فقد فيها القادة المستبدون القدرة على قمع معارضة الشباب الغاضب؟ يبدو أن الناهبين المراهقين فقدوا احترامهم لعالم آبائهم ولقوى السيطرة الاجتماعية التي نشأت في المجتمعات التقليدية مثل مصر. لقد تمزق النسيج الاجتماعي القديم. تحتقر عصابات الشباب الذين يملكون الشارع الشرطة وأكثر رموز السلطة. وإذا أصدرت الحكومة المصرية أمرا بحظر التجول يعاند مشجعو كرة القدم ويتعمدون البقاء طوال الليل في الشارع. ويبدو أنهم لا يحترمون جيل الآباء لتضحيتهم بكرامتهم والخضوع والإذعان لنظام مبارك. ويعرف مشجعو كرة القدم الذين ينتهجون سياسة العنف في مصر بـ«الألتراس»، وهو مصطلح كان ليعجب به بورغيس، ويضطلعون بدور سياسي يتنامى يوما بعد الآخر. لقد ساعدوا في الإطاحة بنظام مبارك منذ عامين في ميدان التحرير. ويقدمون أنفسهم الآن باسم «البلاك بلوك» ويتحدَّون خلَف مبارك في الحكم، الرئيس محمد مرسي، وحكومة الإخوان المسلمين. ويضع المحللون نظرية يزعمون فيها أن جذور مشجعي كرة القدم تعود إلى عهد مبارك، حيث أتيحت للشباب في تلك الفترة طريقة غير سياسية للتنفيس عن غضبهم بعيدا عن المساجد والمعارضة السياسية. مع ذلك أصبحت العصابات التي تنتهج طريق العنف بمثابة قوات الثورة المهاجمة التي أسقطت نظام مبارك. وساعدوا في منع قوات الأمن من اجتياح الميدان خلال الأيام الأولى للثورة.
يفسر جيمس دورسي، الصحافي والأكاديمي وصاحب مدونة «العالم المضطرب لكرة قدم الشرق الأوسط»، بزوغ نجم «الألتراس». ويرى دورسي، كما صرح لمجلة «فورين بوليسي»، أنه بعد سنوات من خوض مواجهات ضد الشرطة المصرية في ملاعب كرة القدم، تبدد الخوف من نفوسهم ولم يعد لديهم شيء ليخسروه واكتسبوا خشونة بفضل المعارك.
وكان التحدي الذي تواجهه مصر بعد الثورة هو احتواء هذا الشباب الغاضب من خلال المشاركة في بناء نظام ديمقراطي جديد. وتتضح هذه المشكلة جلية في بقاع ساخنة من دول الربيع العربي مثل تونس وليبيا، حيث يتسمون بالنزق ومن الصعب السيطرة عليهم. غياب الاستقرار في المجتمع المصري، الذي يعشق النظام، حاد، فمنذ عام أسفرت أعمال العنف التي شهدتها مباراة كرة قدم في بورسعيد عن مقتل 74 شخصا. وتم قتل أكثر من 30 خلال الشهر الماضي أثناء أعمال شغب اندلعت في السويس وإسكندرية والقاهرة وبورسعيد. وكان مرسي على وشك فقدان السيطرة على الوضع إلى أن أرسل الجيش قوات لحماية المنشآت الحيوية.
المشكلة، حسبما أخبر دورسي صحيفة «فورين بوليسي»، تتعلق بـ«كيفية القيام بالتحول من الشارع إلى النظام». وهذا لم يحدث في مصر أو ليبيا، وبدأ يحدث فقط في تونس.
إن ثورة مشجعي كرة القدم الشباب المهمشين ليست مقتصرة على شمال أفريقيا، ففي إسرائيل يدعم فريق كرة قدم يحمل اسم «بيتار القدس» مشجعون شباب عنصريون يرددون هتاف «الموت للعرب»، وعلقوا مؤخرا لافتة تحمل عبارة «بيتار طاهر للأبد» للتعبير عن معارضتهم لانضمام لاعبين مسلمين إلى الفريق. هكذا تحدث نضال عثمان، مدير ائتلاف مناهضة العنصرية في إسرائيل، لصحيفة «نيويورك تايمز».
إن تخريب مشجعي كرة القدم منتشر أيضا في بريطانيا والكثير من الدول الأوروبية الأخرى. يمكن سماع الهتافات العنصرية في ملاعب كرة القدم عبر أنحاء القارة الأوروبية.
في كتابه المنشور في عام 2004، «كيف تفسر كرة القدم العالم؟»، يشير فرانكلين فوير إلى المفارقة التي مفادها أن المخربين وعصبيتهم القبلية العنيفة مستمرة حتى مع انتشار كرة القدم عالميا. تقدم فرق كرة القدم تجربة تقارب عاطفي قوية في المجتمعات التي قد انقطعت فيها أواصر الروابط والصلات الأخرى.
يمكننا أن نشهد هذا الموضوع يتجلى في مصر، إذ إن الشباب الصغير الذي قام بالثورة يرفض الاستقرار والتزام مقعده. فعلى غرار الرهبان الدومينيكان في فرنسا في عصر الثورة، يحكم هؤلاء المنتمون إلى فريق «الألتراس» الشوارع، ساعين لفرض سيطرتهم الكاملة في المستقبل.
* خدمة «واشنطن بوست»
دلالات لابد منها … ؟
١: لايعاب على الشباب مهما فعلو لأنهم يمتلكون طاقات تتحدى حتى ملائكة الموت ، ولكن العتب على الحمقى الكبار الذين نزعو عنهم حتى ورقة التوت ؟
٢: الدولة التي لاتستطيع أن تسخر طاقات الشباب للتقدم والتطور والبناء ، لابد أن من يحكمها شلة من الجهال والحمقى وألأغبياء ، والدليل مايجري في تونس ومصر من نهضة لاتوجد إلا في عقول من كانو مرضى أو سجناء ؟