التجلي الجوهري بين النص والقارئ يشكل تحدي راقي
ولد الشاعر طاهر الشوشي في قرية ” شوش ” التي تقع غرب مدينة عقرة في عام 1917م من عائلة دينية تعج بعدد من العلماء ،كأقرانه ومنذ نعومة أظفاره تعلم في الكتاتيب وانتقل بعدها في عدد من قرى المنطقة عقرة ودهوك وسوران وبالك كما درس في أربيل وحصل على الإجازة العلمية عام 1947م على يد العالم المعروف ” عبد الله البيتواتي ” ورغم إصابته بداء السل عام 1955 ودخوله في مستشفى الأمراض الصدرية في الموصل وبغداد إلا إنه ألف خلالها سيرة الرسول الكريم شعراً باللغة الكردية عام 1956م مع تعاليم وتوجيهات دينية كثيرة ضمنها كتابه العتيد ولم يمل في مواصلة عمله الأدبي فيقول عن نفسه في مقطع عن ترجمة حياته ” ومع هموم البال وتشتت الحال وكثرة الموانع والأشغال ومع ما بي من بقية هذا المرض وغير ذلك نظمته ” ويقصد سيرة الرسول ” إلى غزوة بدر الكبرى من حوادث السنة الثانية الهجرية وفاقت أبياته السبعة آلاف ، بيضت منها زهاء ألف وخمسمائة والباقي مسودة بعد ، فأعاد الله إلي المرض واضطررت إلى دخول المستشفى الصدري بتوثية ببغداد أسأل الله جلت حكته ووسعت رحمته إن يوفقني لإكماله كما يرام ويليق ونشره بين الأحباب من أهل العلم والتحقيق “تعددت مؤلفاته بين السيرة والشرح والقافية والتاريخ والشعر ومن غير التأليف كان خطاطاً بارعا وفي الشعر كان شاعراً متمكناً في الأسلوب والمضامين والمفاهيم والصور المبدعة متأثراً كغيره من الشعراء الكلاسيكيين بالشاعر الكبير” الجزيري” إذ قام الشاعر طاهر الشوشي بكتابة مخطوطة ديوان
الجزيري بخطه الجميل ،وله قصائد باللغة العربية رائعة أما كتابه ” رياض النور ” الذي ألفه باللغة الكردية فهو كتاب ثمين رغم عدم اكتمال طبعه لحد الآن فهو يدل دلالة أكيدة على قوته وطول نفسه الشعري وهو مؤلف على القافية مثل ” مم وزين ” لخاني وقد خدم بذلك التراث الكردي كثيراً فهو مصدر مهم لطلاب العلم الكرد والعالم بالإطلاع على سيرة الرسول شعراً وقد قام نجله ” حمزه ” باختيار بعض المواضيع من ذلك الكتاب وطبعها في كتاب مستقل في عام 1997م تحت عنوان ” بت ند وشيرت – العبر والنصائح ” يقول الشاعر طاهر الشوشي منها .
(( أيها الناظر في ” رياض النور “
لك مني أيها الأخ سلام كثير
أوجه لك بالمودة نصيحة
فاسمعها مني بقلب سليم
فهي باقة ورد اخترتها من الروضة
أقولها لك لوجه الباري ))
يكشف الشاعر عبر الود والوئام والنصيحة ويدعو القارئ إلى رياض النور فيدي استهلاله بالسلام بصفة نفس طيبة موجهة مع الهدف السامي بقلب سليم فهذه الرياض في حقيقة الأمر موجهة نحو الرقي والوعي رغم إنه ضعيف ومفقود في ذلك الزمان وعملية العمل بها شكل من أشكال التماثل الروحي والنفسي أو أحد أشكال الرسائل المرسلة لتعتبر وسيلة تأكيدية للدراية الفكرية ، هذه الصلة الواضحة بين الشاعر رياض النور وبين القارئ القلب والروح ، موضوع جلي داخل النص فحضور القارئ والنص من شانه أن يشكل تحدياً ومفهوماً راقياً للنفس بعيداً عن التطفل والتنصيب والتفويض بل إقتران النفس الأصلية بالنص ويتابع الشاعر هذا التدرج والتطور التوجيهي السليم بموجب تعابير سلسة بسيطة مفهومة المضمون .
(( فاسمعها جيداً واعمل بها
لكي تكون صاحب حصة في الدنيا والآخرة
فأكثرها مستلة من الآيات والأحاديث
أو إنها أقوال ذوي الدراية
فتعال لمعرفتها جيداً
واسمعها بالقلب والروح ))
إن علاقة الشاعر بالقارئ غائرة في القدم مستمدة جذورها ومطمئنة لوجودها واعني روح القارئ وروح النص الأدبي وإن كان من وجهة نظر نرجسية ، لكن تعود إلى هدفها السامي الأصلي علاقة القارئ بالنص خاصة عندما يتعرض النص إلى الإخفاق والخيبة أو السمو والارتقاء في الواقع لكن هنا يؤكد الشاعر طاهر الشوشي فاعلية النص ” ترفع الإنسان للمقام العالي ” هذه الايجابية تنكر احتمال الإخفاق لمدلولات جوهرية المضمون وأساسية التكوين الفكري والروحي والحسي ” تجعله حي القلب ذو صفاء ونور ” هذه الطبيعة التوجيهية الإرشادية والدعوة إلى الرقي والسمو والوعي تشير ارتباط وثيق بين القارئ والنص بل يعتبر واحد منهما منافساً للآخر لكن بالحب والعطاء .
(( إذ إنها ترفع الإنسان للمقام العالي
وتجعله حي القلب ذو صفاء ونور
لقد مات ” طاهر ” وهو في القبر
وهو ينظر إليك وإلى ” رياض النور “
فاقرأ لي الدعاء أحياناً
وافعل حسنة بان تذكرني بالاسم
ليكن الله معيناً وصاحباً لك
وأن يساعدك في العمل الطيب ))
بهذه المضامين الجميلة يقدم الشاعر طاهر الشوشي لكتابة ” رياض النور ” وكل ما يطلبه من قراءه أن يقرؤوا له الفاتحة وأن يدعون له بعد مماته ، مع أن دعوة الشاعر للقارئ تمثل فكراً ونشاطاً ذهنياً من خلال القراءة والتمعن والتدبير بهذه الحالة تصبح العلاقة مع النص فاعلة أكثر وتأثيره أعمق وإن هذه الدعوة تعتبر وقاية ضد الجهل والظلام التي تعتبر صورة مزدوجة الرمز التي تميل إلى تجسيد المعاني الإنسانية والمفاهيم الفكرية بعدما ينأى النص والقارئ عن أصولهم النرجسية ليكون مزجاً من اقتران الذات والوعي الذي يمارسه الذهن حتى يطغي جوهره على النص والقارئ معاً يرتبط هذا المفهوم في حالات معينة تتعلق بالقارئ ” الرغبة “والنص ” ابداع إلى أن تصل إلى مرحلة ذهنية مبكرة من نواحي عاطفية وفكرية وحسية واجتماعية مما يثير من جديد ذلك الشأن الذي يجعل النص والقارئ محركاً أساسياً يثير النفور أو الاندماج للوصول إلى رياض النور.
**************************************
طاهر الشوشي
ولد في قرية ” شوش” في غرب مدينة عقرة عام 1917م .
تعلم في الكتاتيب التي كانت بمثابة المدارس الدينية .
تنقل إلى عدة مناطق منها عقرة دهوك سوران وبالك .
درس في أربيل وحصل على الإجازة العلمية عام 1947م على يد العالم المعروف ” عبد الله البيتواتي ” .
أصيب بداء السل عام 1955م وادخل مستشفى الأمراض الصدرية في الموصل وبغداد .
كتب عن سيرة الرسول الكريم محمد صل الله عليه وسلم شعراً باللغة الكردية عام 1956م .
أعد نجله ” حمزة ” كتاب رياض النور كوليزار الجزء الأول عام 1987م .
كتاب العبر والنصائح إعداد نجله ” حمزة الشوشي ” دهوك 1997م.
وهناك كتب لم تطبع لحد الآن منها ” الشرح المنظوم ، فن القافية ، والمنتخب في ذكرى فخر العرب والعجم باللغة العربية وموجز تاريخ حياتي .
إضافة إلى الشعر كان خطاطاً بارعاً وحصل على إجازة في الخط من قبل الخطاط الكردي المعروف محمد طاهر الكردي في بلاد الحجاز
توفي 12/ك1/1962م في مدينة عقرة ثم نقل جثمانه إلى قرية ” الشوش ” ليدفن هناك في مسقط رأسه .
المصدر :
كتاب من ينابيع الشعر الكلاسيكي الكردي ، الأديب رشيد فندي ، الجزء الأول . أربيل كردستان العراق 2004م
معظم صور الشعراء المنشورة في هذا الكتاب الخيالية منها والحقيقية مأخوذة من كتاب – شعراء الكرد – للمرحوم صادق بهاء الدين ما عدا الصور التالية :
الصورة الخيالية للشاعر شمس الدين الإخلاطي ” قطب ” مأخوذة من ديوانه المطبوع في السويد من قبل الأديب زاهد ممدوح البريفكاني .
صورة الشاعر ” أحمد نالبند ” مأخوذة من ديوانه ” باغي كوردا ” المجلد الثاني .
صورة الشاعر ” طاهر الشوشي ” مأخوذة من كتابه ” العبر والنصائح ” المطبوع من قبل نجله حمزة الشوشي.