أسئلة كثيرة تراودنا حول الغموض الذي يلفح سر العلاقة بين السياسة والدين
فلو تأملنا صفحات التاريخ ملياً وأرجعنا عجلة الزمن إلى الوراء لوجدنا أن فكرة الدين في الحضارات القديمة كانت مجرد خواطر أسطورية يحيكها الحكام من نسج خيالهم ويطورونها وفق أشكال مختلفة ويصدرونها إلى الثقافات الأخرى فالحاكم كان ينظر إليه على أنه ظل الآلهة على الأرض وهو بحاجة إلى الكاهن لإضفاء الشرعية لحكمه فالطرفان يحكمان البلاد على أساس أنهما ينفذان إرادة الآلهة
وهذا يرثينا إلى شواطئ حقيقة أن الحاكم والكاهن كانا رجال السياسة وصانعوها ولكن في هيئة الدين
فالقصة التي كتبها الملك الأكادي (سرجون)والذي بقي أصله غامضاً لإثبات منحدره الإلهي عاد ليثبت في قصته التي نسجها من خياله والتي تعتبر أقدم نص تاريخي يسجل دعوى لتلقي الحاكم السلطة من الآلهة
وهذا يذكرنا أيضا بملك القانون (حمو رابي)الذي شوهد في لوحة واقفاً أمام الإله (مردوخ)يتسلم منه الشريعة آو القانون الذي يتألف من قرابة مئتين وثمانين مادة ,وهذا يعني ,إن الشريعة مستمدة من الآلهة وليس من حمو رابي ويعتبر هذا ذكاء سياسي بحد ذاته ظهر أيضا في الحقيقة التي توصل لها جلجامش النصف الإله والنصف البشر ,والصراعات التي خاضها مع الآلهة وانخراطه في ملذات الحياة ,الصراع بين الخير والشر, ورحلته في البحث عن الخلود والحياة الأبدية والتي انتهت به إلى سن قوانين تنظم حياة البشر وأثبتت له أنها الحياة الأبدية بمعناها الأوسع والأعمق فقوانينه خلدت ملحمته الأسطورية.
ولا يقل رجال الحكم وكهنة المعابد في وادي النيل ذكاءً عن أقرانهم في ذلك الوقت حيث قاموا بتمثيل معبوداتهم من تماثيل وصور لحيوانات إلى هيئة بشرية كهيئة الإله(آمون راع) كبير آلهة مصر القديمة ولن يمسح من ذاكرة التاريخ الصراع بين الإله (آمون راع)والثورة الدينية التي أعلنها الفرعون (أخناتون )الذي وحد كل الآلهة في إله واحد هو إله الشمس (أتون)والتي كانت ستكشف حقيقة (آمون )وكهنته وانتهت بانتصار السياسة التي أطفأت بذكائها ثورة اخناتون.
وعندما اثبت الدين وجوده كحقيقة ملموسة وانتقل من هيئة أسطورية إلى واقع ملموس تجسد من خلال الديانات التي بعثت في الشرق القديم ومنها الديانة اليهودية إلى المسيحية فالإسلامية ,ودعم فكرة أن العلاقة بين السياسة والدين لم تكن حميمة بل عدائية تبلورت بأشكال مختلفة حسب ظروف الزمان والمكان الذي تواجدت فيه كل منهما .وثبت أن السياسة هي التي أوجدت الدين في البداية من خلال آلهة ادعت بوجودها ونجحت في حكم العالم من خلالها.
المصدر ايلاف