تضطر الشعوب والحضارات المنهزمة إلى تحويل فشلها وشعورها بالظلم والاحباط وقلة حيلتها إلى عقائد انتظارية غبية وخرافية، تشبه حكايات السوبر مان الذي سيخلصنا من الأعداء والشرور، وغزاة الفضاء الخضر، قصة وفلسفة مثيرة للشفقة، وباعثة للتخلف تلك التي تختلقها النفوس والشعوب المقهورة والمسلوبة الإرادة.
وعلى سبيل التقريب، انك لو سألت او حاولت ان تتسلل الى اغوار طفل في الخامسة أو السابعة من عمره، واجه مشكلةً ما, كانت بتلك الاستحالة الواقعية على الحل أو على إدراكه لحلها، ستجد انه قد حاول اختلاق وسائل خيالية للتغلب على تلك المشكلة، كاختلاق شخصية السوبرمان الذي سيخلصه من مشكلته أو اختلاق شخصية خيالية أو كرتونية تأتية من النافذة لتخبره بالحل، أو ربما في أكثر التصورات واقعية لديه قد يتخيل أباه او احد معلميه وهو يحلق بجناحين أو برداء طائر أو بقدرات سحرية، وهكذا تكون عقلية الطفل وإرادته بذلك العجز الذي يجعله يختلق خيالات وآمال بعيدة الواقعية والإمكانية، لان تلك عقليته، ولان تلك حدود قدرته وإرادته، وكذلك هي الحضارات القديمة المسلوبة الإرادة والقدرة، حين شعرت بالعجز وفقدان كل شيء اضطرت إلى ان تدافع عن نفسيتها المقهورة بنفس ردة فعل ذلك الطفل أو تلك السيكولوجية الطفولية، التي من خلالها اختلقوا فلسفة المهدي المنتظر أو السوبرمهدي أو بشكل عام فلسفة المخلص، واختلقوا فلسفات وتصورات عديدة تخيلوا من خلالها واقع مستقبلي مشرق يخلصهم من كل معاناتهم وهزائمهم، واقع مستقبلي ساحر، لا يتكلفون فيه عناء العمل أو التفكير المنهجي أو الجهد الباعث للشقاء، وخاصة شقاء من لا يملك أي إرادة أو وسيلة أو قدرة للتغلب على أعداءه أو على واقعه الذي سحقه إلى ذلك الحد الذي سلبه كل شيء ليعود ويغوص في نفسية طفولية ضعيفة وبكائية واختلافية ترفض أن تكبر لتواجه العالم والحياة بعقلية ناضجة بعيدة عن الشطحات الطفولية واللامعقولة.
ومن هنا تكون غالب الفلسفات والمعتقدات الانتظارية والغيبية هي فلسفات واعتقادت خلقتها عوامل نفسية بالدرجة الأولى، وخاصة عندما نعلم ان الإنسان عبر التاريخ كان بارعاً في تبرير كل ما يصيبه، وتحويل تفاصيله النفسية إلى عقائد وعبادات ليخفف من وطأتها أو ليبرر وجودها.
ولا بد للخروج من هذه العقدة الطفولية التي تعيشها الحضارة العربية والإسلامية على وجه الخصوص، ان تسير وفق كل طريق من شأنه ان يجعلها تكبر، ويجعل عقليتها أكثر نضوجاً في استيعاب الواقع مرة أخرى ومقاومته من منطلقاته الحقيقية والسببية لا من منطلقاته الغيبية والميتافيزيقية ذات السيكولوجيا المقهورة، عليها ان تكبر من جديد، وتستعيد إرادتنا الواقعية، وتتخلى عن تلك الدمى الطفولية التي تشبث بها طويلاً واعتقدت ببراءة وعجز الأطفال أنها حية وحقيقة وتسمع أمنياتنا وفي أي لحظة ستخلصنا من كل عذاباتنا وتخرجنا من هذا الواقع القاسي إلى واقع أكثر مثالية وفضائلية. بينما الفضيلة الوحيدة في هذا الواقع هي الإرادة القوية، ومواجهة الحياة وفق منطق القوة الواقعية لا وفق منطق الخيالات الغيبية.