السلطة العراقية بين المشروع والارادة المنزوعة
د.محمد الموسوي
يبدو أن المتسلطين في العراق بهويتهم الموبوءة المتهرئة يسيرون بين أمرين أجملهما قبيح وأحلاهما مر مهين.،الامر الأول ثقافة البعث التي نشأوا عليها وتأثروا بها وواضحة في نهجهم وسلوكهم حتى وان لم ينتموا اليه مما دفع بالبعض الى اطلاق مصطلح سياسي جديد الا وهو (البعثيين الاسلاميين)فرغم بقاء من هم في صدارة السلطة العراقية اليوم لزمن طويل في المنفى القريب او البعيد كمعارضين لحكم البعث الذي نذكره الان لا لإحيائه وانما للمقارنة والتدارس ورغم معايشتهم لشعوب متمدنة متحضرة راقية ومترفعة تدني الانتماءات الضحلة والافكار المخلة بالانسانية إلا أنهم لم يتحرروا من امراض الماضي السياسية والاجتماعية التي هي أساس محنة اليوم ومع تشابه ممارساتهم اليوم بالممارسات البغيضة للبعث فيما مضى فانك ان قارنت بين الطرفين فاز البعث وبيضت صفحته السوداء وفي توضيحنا للشق الاخر للهوية تتعزز نتائج المقارنة.، والامر الثاني وهو الشق الثاني للهوية هو الارادة المسلوبة التي تمتلكها طهران وتوجهها منذ عقود حتى باتت اليوم أمرا وتكليفا شرعيا لا مفر منه ولا عدول عنه والامر لا يقتصر على فصيل معين داخل مهزلة السلطة العراقية مما جعلها تيها بين صورتين غير ملائمتين لمشروع العراق الجديد مشروع الديمقراطية والتنمية والإصلاح وحقوق الإنسان وهذا ما أدى الى قيام دولة الميليشيا والجماعات القائمة على المحاصصة بدلا من دولة الفرد الإنسان .،وتجدنهم في تيههم اليوم واقعين من جهة بين جهلهم وضيق افقهم ونزواتهم والمشروع الواجب تنفيذه المشروع الذي تشدقوا به كثيرا و ساندهم النظام الدولي لأجل ذلك وبين رغبات وتكليف النظام الايراني من جهة اخرى وبما أن الانصياع للنظام الايراني تكليفا شرعيا وأمر في شكل رغبات سيكون السير بالسمع والطاعة لصالح النظام الايراني وهو ملبيا للطموح والاطماع والنزوات أيضا وعلى هذا الأساس لا شك ادنى الشك في أن سلطة المهزلة هذه ستكون قائمة على انتهاكات حقوق الانسان وانتهاك ميثاق الاعلان العالمي لحقوق الانسان وجرائم ضد الانسانية وانتهاكات للقيم القانونية والدستورية التي اقروها وصادقوا عليها بأنفسهم ولو انهم صاغوها بفكرهم وتوجههم أمنوا بها واستوعبوها واحترموها ودافعوا عنها وكانت عهدا بينهم وميثاقا للدولة
بعد حل الدولة العراقية ومؤسساتها بـ 12 عاما لم يستطع دعاة حقوق الإنسان والمشروع الديمقراطي العصري إعادة بناء الدولة ومؤسساتها مفهوما وفكرا ونهجا وتوجها وبناء سلطة قانون قائمة على هذا الأساس تستطيع المضي قدما بنجاح ملبية جميع الآمال والطموحات مستمدة شرعيتها من منطق الدولة المؤسساتية دولة الحقوق والواجبات دون تميز أو تمييز دولة المواطن والإنسان بالمطلق دون تعريف.،وسلطة للتسامح والتعايش السلمي تدعو اليه وتفرضه داخليا وملتزمة بالقيم والمعايير والقوانين الدولية خارجيا وبالتأكيد فإن سلطة قوامها المتردية والنطيحة والطبالين والمتملقين والجهلة ومنزوعي الارادة لا يمكن لها ان تكون بمستوى مفاهيم الدولة أو تقف على الارض بمنطق مؤسساتي مهني ولا يمكن لهم استيعاب معنى مشروع الدولة أو المؤسسات التي تؤدي بالنهاية الى وجود دولة وبالتالي مشروعها الديمقراطي الانساني الحضاري.، ولا يمكن لهذا النوع من رجال السلطة وليس رجال الدولة ادارة زمام الامور دون خطاب عنصري سواء كان الخطاب طائفيا او دينيا او عرقيا او فتنة او مال اسود بسبب افلاسهم الفكري وانحسار الرؤية الناجم عن ذلك لديهم وهذا ما حدث طيلة الاعوام الماضية فوقع الناخب في دائرة التغرير وردود الافعال والترغيب والترهيب وتغييب العقول فضعفت خياراته والتبس عليه الامر وسلم لاول يد تقتاده الى المجهول.
في الجانب الاخر لم يخلو الامر في العراق من مشاريع فكرية سياسية ناضجة الا انه لا يمكنها الولوج الى مسرح الغنائم هذا نظرا لضعف قدراتها المادية ومن سبقها وتميز بفعل دولة اقليمية او جهة دولية استتب له الامر واصبح في موقع المحافظ على المكتسبات التي وسمت بالمشروعة فهم من يكتب التشريعات ويمرر القوانين ويصدر القرارات وسن سنينة الاحزاب الرئيسية (احزاب الغنائم) واحزاب التصفيق..ولقد فرحوا بمكاسبهم دون أن يدركوا انهم اقل من ادوات في لعبة ادارة الصراع لدول اقليمية على ارض العراق ..العراق الذي يتساوى فيه اليوم قائد ميليشيا مع رئيس وزراء أو رئيس جمهورية وقد يكون هذين الرئيسين قادة لـ ميليشيا بشكل او بآخر.، لم يدركوا أن ما فعلوه في سنواتهم السابقة على سدة الحكم سيكون سببا في المزيد من السلطات السائبة واحتكاما اكبر للقوى الاقليمية التي تتخذ من العراق مسرحا لادارة صراعاتها بعيدا عن أراضيها وهي ليس عابئة بقيام مؤسسات الدولة لديك بل على العكس فانه ووفقا لمصالحها يجب تعطيل مشروع الدولة لديك الى اقصى حد ممكن لان ذلك سيسمح لها بان تكون هي الدولة وما انت الا ادوات امتدادية لها.
الخطاب الطائفي والخطابات المفلسة التي ادارتها الجماعات السياسية ادت في نهاية المطاف الى خلق ثغرات للقاعدة وداعش وكل فصائل الارهاب بشتى انتماءاتها ،وبعد فوات الاوان يدرك البعض منهم ان عدم وجود دولة مؤسساتية هو سبب هذه المأساة فالاكثرية اليوم ترى نفسها فوق منطق الدولة وما دامت محاصصة فالامر لا يتخطى قواعد الامتياز.
الفئوية والعنصرية والطائفية والقبلية البغيضة التي تم استدعائها لتكون وسيلة لبلوغ الغاية غيبت القانون وادت الى نكبات وامراض وفساد داخل دوائر الدولة العراقية مما صاعد من وتيرة التعسف والظلم والقهر والتعذيب داخل السجون السرية والعلنية وما دام الحال على هذه العشوائية فإن الباطل رأسمال هذه السلطة ووسيلتها فان كان كذلك ما العيب وما الخطأ في ردود افعال الناس ومن اي فئة كانوا وما العيب في استغلال القوى الاقليمية والدولية للثغرات التي اهديتها وأوجدتها بظلمك أو جهلك وبغيك وقد فعلها من هو قبلك ودارت عليه الدوائر ولم تدم وقلتها انت (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك)ولم تعتبر لهذه المقولة.
وما دامت الارادة منزوعة لصالح قوى خارجية فسقوط دول قوية اقرب من قيام مشروع الدولة في العراق.
*كاتب عراقي
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :