ترددت كثيراً في الرد على المجلس الإسلامي السوري حول فتواه التي صدرت يوم الجمعة والتي تصف قوات الحماية الكوردية
(PKK) و(YPG)
ب (داعش الأقليات) وقد أردف المجلس الإسلامي، (كما قالها وبصريح العبارة: “لا لداعش ولا لجرائمها ومنهجها الخارجي التكفيري”، يقولها: “لا لعصابات الحماية الكردية، ولا لماركسيتها وإجرامها”، كما أفتى المجلس الإسلامي السوري بحرمة الانضمام إلى داعش وحرمة القتال معها، يفتي بحرمة الانضمام إلى هاتين العصابتين المجرمتين والقتال الطائفي الباغي تحت رايتهما) …
هكذا وبكلمات بسيطة ومنهج تبسيطي مخل يذهب المجلس إلى حيث يظن أنه ريح باله وفؤاده وأرضى ربه…
لكن في حقيقة الأمر إن المطلوب من مجلس إسلامي يفترض أن يمثل الحكمة الدينية السورية ليس استصدار بيانات وإدانة وتكفير واتهام بل عليه أن يلتزم:
1- الخطاب العاقل الأخلاقي:
فالخطاب أو الفتاوى الدينية أشبه ما تكون بكائن عاقل وأخلاقي يمتلك (كرامة) تستوجب احترامه بوصفه كذلك، وهذا الاحترام يجب أن يقوم على اعتبار (الإنسان غاية) في ذاته وليس وسيلة لتحقيق غاياتنا ومصالحنا الشخصية، مع رفض التعامل مع الإنسان كوسيلة لأن ذلك سيؤدي إلى معاملته كالأشياء ، وبالتالي يحط من قيمة الإنسان إلى مستوى الأشياء المادية والحيوانية غير العاقلة ، وما سيترتب على ذلك من إضرار وصراعات وتضارب المصالح وبالتالي العودة إلى قانون الغاب وهو ما لا تقره الشرائع .
هنا لدي استفسار إلى من توجه هذه الفتوى؟ إلى الاكراد الذين يعانون من داعش وتغولها ومن اضطهاد سابق لا مثيل له مورس بحقه من قبل النظام العبثي البعثي؟ إن الأكراد لا ينتظرون هذا الفتوى بل ربما ينتظرون دعماً وينتظرون رشداً وتواصلاً وينتظرون خلاصاً …
من سيقنع الأكراد بمصداقية هذا الفتوى وإنسانيتها وأخلاقيتها التي حرضت ضد قواهم العسكرية وصمتت عن جبهة النصرة مثلاً ؟
المسألة أخلاقية بامتياز وعلى المجلس الإسلامي أن يراجع فتواه كي لا يتهم في عمق التزامه بالإنسان بغض النظر عن دينه وقوميته هذا جانب مهم في أنسنة الخطاب والفتوى.
2- منهج التثبت والاستقراء:
وفي جانب آخر علمي على المجلس الإسلامي أن يسلك منهج التثبت والتمحيص وبالأخص في أجواء مضطربة ومتناقضة جداً، ثم يتخذ موقفاً أخلاقياً يدعو الى التصالح وتغليب قيم الالتقاء على قضية اسقاط بشار والعمل لما فيه نفع كل من هو على التراب السوري.
3- الحكم وليس المخاصم:
وفي جانب آخر ينبغي أن يتخذ المجلس أيضاً موقف الحكم لا أن يتحول الى مخاصم وإلى جزء من المشكلة بمعنى أن يتخذ موقفا أخلاقياً تصحيحياً فيعمل على رأب الصدع واستثمار كل القوى الموجودة من أجل إسقاط بشار وحماية الإنسان وتمكين المشروع الديمقراطي من امتداد رواقه على كل سوريا .
4- الأصل في العلاقات بين المسلم والأحزاب المسالمة لا الإسلام:
أخطأ المجلس الإسلامي في إمعانه في توصيف الأحزاب الكوردية وعقائدها بقوله (لا لعصابات الحماية الكردية، ولا لماركسيتها وإجرامها) إن المطلوب من مجلس إسلامي موقر ليس توزيع الاتهامات وممارسة دور المخاصم والمعادي بل على المجلس الإسلامي أن يظل يتعاون مع الأحزاب السورية على قاعدة المسالمة والتوافق على القضايا الكبرى وللمجلس الإسلامي أسوة برسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما وضع في دستور المدينة ( وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيت).
لماذا لم يصر المجلس على قاعدة بسيطة ذكرها ابن تيمية في الفتاوى ( 1/86) (جماع الحسنات العدل وجماع السيئات الظلم وهذا أصل عظيم) .
أليس هذا أجدى من الدخول في حروب مع أحزاب تمثل شريحة لا يستهان بها من الكورد ؟
كما أن التغافل عن قدرة وقوة هذه الأحزاب يضر بصحة عمق الفتوى حيث إنها تفتح جرحاً كبيراً بين العرب والكورد وبسببها ربما تسيل دماء !!!
لقد تم نعت الأحزاب الكوردية بالماركسية والداعشية فماذا سننتظر منهم ومن غيرهم ؟
لقد شعرت بالألم الشديد وعيناي تضرب بحروف تجلد الضمير وتصدر هذا الآلام من جهة نكن لها كل الاحترام والود!!!
إن الموقف الإسلامي لا يمثل بفتوى غير متيقنة من صحة الأخبار …
إن شعباً من الشعوب لا يكتب تاريخه فقط بالرعد والصواعق كما يقول نيتشه ، فإذا كان لابد من طوفان وقيام كوارث من كل نوع لتستيقظ الضمائر وتنشط الجوارح فان ثمن الصفحة من التاريخ سيكون باهظاً جداً …
لابد للمرجعية الاسلامية إذا ما دقت ساعة الخطر أن تكون في مستوى الأحداث وأهمها (البحث عن الحقيقة).
• لماذا لم يشكل المجلس الإسلامي فرقاً من الحكماء والحقوقيين ودخل إلى الأراضي السورية التي يشاع أنه تم فيها التهجير وتحقق مما يقال؟
• لماذا لم يكلف المجلس الاسلامي نفسه عناء البحث عن الحقيقة (إنها تعيش بين المادي واللامادي بين المرئي واللا مرئي وبين الظاهر والمخفي والمظهر والجوهر بين الذات والموضوع )؟
• كيف غاب عن المجلس الاسلامي ان قوات الحماية تمثل رئة الكورد…
وعلى المجلس الاسلامي ان يراعي هذه النقطة وبالأخص ان الكورد تَرَكُوا لداعش تفترسهم ولولا الله وبعض الثوار من الجيش الحر وقوات التحالف وقوات الحماية لابتلعت داعش الكورد؟! هل يدرك المجلس الاسلامي ان فتواه تبتعد بسبب آليات الخداع البصري عن الحق والحقيقة ؟!
هل يعرف المجلس الاسلامي ان الكورد يزدادون تعنتاً بسبب ظلمهم المزدوج من النظام ومن بعض المحسوبين على الثورة وبسبب بعض الفتاوى ومنها هذه؟
إنني ككردي سوري مسلم أرفض الظلم من أي جهة كانت ومن أي حزب سواء أكان
(PKK) و(YPG)
أو أخوان مسلمين أو أي حزب كان…
ولا أتشرف بأي حزب يتنكر للقيم الجامعة والأخلاق المانعة عن الجور والحيف …
ولكني أرفض ايضاً إلقاء التهم ولا أستطيع التعميم كما لا يمكن ان أتجاهل خصوصية وحساسية ما يحصل ….
لقد تواصلت مع بعض الفاعلين من الشخصيات الكوردية وقيادات وحدات الحماية وقالوا لي بالحرف الواحد:
لم نهجر أحداً والأراضي مفتوحة لكل من يريد ان يتأكد الا من المخونين والمروّجين للأكاذيب!
وقالوا لي أيضاً : مرحب بكل وطني يدافع عن المشروع الديمقراطي داخل سوريا وكل المنظات الحقوقية والمدنية لزيارة المناطق التي يتم تلفيق وادعاء التهجير منها ..
كما واتصلنا بالقيادات العسكرية بغرفة عمليات بركان الفرات الذي يضم قوات من الوحدات الكوردية وقوات من الجيش الحر وايضاً رحبوا بزيارة اي وفد اعلامي او سياسي او عسكري وتعهدوا بتسهيل حركتهم ومهمتهم لمقابلة الأهالي والاطلاع على الاوضاع ولتبيان حقيقة الوضع على أرض الواقع .
وختموا كلامهم: كل مايشاع الهدف من أكاذيب ,الهدف منها منع تحقيق مشروع ديمقراطي على الأراضي السورية ولفت نظري إلى أن كل مناطق الادارة الذاتية في كوباني وغيرها تحت حكم العرب السوريين والأكراد السوريين ومرحبًا بالتلاقي ونحن نريد أن تدلنا أي جهة على أي تجاوز كي نحاسبه ولاننكر وجود أخطاء فردية وهذا مفهوم ولكنه غير مقبول …
أليس من الشرع والعقل والوطنية أن يتحاور المجلس الإسلامي مع القوات الكوردية بدلاً من شتمها وووو….!
وفي الختام: الاستجابة الصحيحة للأحداث هو في استعادة دور الإسلام العاقل الحكيم وانه يميل الى المصالحات والتوافقيات، وإنني كمتهم واعمل في المجال الحقوقي امد يدي معكم ومع كل الأطراف بغية نصرة المظلوم ووأد الفتنة والعمل على مشروع مدني نسقط به الوثن السياسي ونعلي فيه روح الله ذلك الانسان المقدس بغض النظر عن لونه وقوميته ودينه.
لنتخيل أن الفتوى التي صدرت من المجلس الاسلامي هي الآتي :
(نبارك لقوات الحماية الكوردية ولفصائل الجيش الحر المشاركة في المعارك ضد داعش انتصارهم ونترحم على الشهداء ونشد على ايديكم فأنتم الاكراد كُنْتُمْ ومازلتم شوكة في حلق النظام ونطالب القوات الكوردية بفتح المجال للعمل الإغاثي والانساني والالتزام بقواعد الشهامة والاخلاق الكوردية والعربية والإسلامية في التعامل مع كل المكونات داخل الاراضي التي تحت سيطرة قوات الحماية، كما نطالب بتطبيق العدل والمحاسبة لكل معتد أو متجاوز على أحد ,نصركم هو نصرنا ويدنا في أيديكم، والله معكم والشعب معكم ما دمتم أنتم مع العدل والإحسان )…
اليس هذا الخطاب أجدى من التخوين ؟! كم سنربح وكم سنترفع عن الدخول في متاهات لا آخر لها …
السلطة الرابعة : د. علاء الدين ال رشي .رئيس المركز التعليمي لحقوق الانسان. ألمانيا