أعاد سماحة المفتي في المملكة العربية السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، لدى إجابته عن سؤال، على محطة «المجد» التلفزيونية، الحديث عن مشاريع التطوير الترفيهية، وهي جزء من خطط الرؤية المستقبلية للمملكة، التي تسعى للاستفادة منها في خططها التنموية، وإنهاء نحو عشرين عامًا من العزلة والجمود.
أثار كلامه جدلاً؛ فاحتفى به من احتفى، وانتقده من انتقد، لكن في رأيي، أن ما قاله المفتي فيه تأييد وليس ضد التوجه الجديد. لم يقل إنه ضد السينما مطلقًا ولا ضد الحفلات، إنما كانت لديه تحفظات، ردًا على سؤال أقحمت فيه عوامل افتراضية. وسماحته اشترط لرفضه في حال كانت الوسيلة لنشر الخلاعة والإلحاد. لكن المفتي لم يقطع إجابته بالرفض والتحريم، كما اعتدنا من بعض رجال الدين المتعجلين أو المتطرفين، بل دعا الله أن يوفق القائمين على هيئة الترفيه، وأن يحوّلوها من سوء إلى حسن.
كرسي الإفتاء في السعودية موقع ديني كبير، فهو بمثابة مفتي كل المسلمين السنّة في العالم، كون المملكة العربية السعودية تمثلهم وتقودهم دينيًا. والمفتي، سماحة الشيخ عبد العزيز، شخصية معتدلة، ومتسامحة، وخطبه وفتاواه عرفت بأنها خالية من لغة رجال الدين المتطرفين المنتشرين اليوم في أنحاء الدنيا. وهذا لا ينفي عنه صفتي التدين والالتزام، وهو يؤمن بالقيم الإسلامية المحافظة، التي قد لا يتفق معه عليها كثير من المسلمين. ورغم أنه محافظ متشدد فقد عرف بأنه ضد التطرف، وضد استخدام الإسلام في الإرهاب، وقد وقف مواقف شجاعة ضد فكر تنظيمات خطيرة مثل «القاعدة» منذ بداياتها، وعندما كانت تحظى آنذاك بتأييد بعض القيادات الدينية. وبسبب مواقفه المعادية للتطرف استهدفه الإرهابيون بأذى القول وحاولوا تشويه شخصيته الدينية، بل ووضعوه على قائمة تستهدفه بالاسم.
كما يقف ضد منهج نظام إيران الديني الذي يتبنى العنف السياسي، وكذلك عارض رجال السنة المتطرفين في مسائل جدلية مثل العمليات الانتحارية ورفضها منذ سنوات بعيدة.
ومجتمع السعودية المدني منشغل بقضايا مختلفة عن الدول المجاورة، المنشغلة بالحروب والفوضى السياسية، هنا جلها اجتماعية. ويحاول المجتمع الخروج عن التقاليد والعادات التي لا علاقة لها بالدين، مثل قيادة المرأة للسيارة وفتح دور للسينما وغيرها، ويمارسها معظم المسلمين في أنحاء الأرض.
هذه هموم السعوديين السياسية والاجتماعية، نتيجة لما تشهده البلاد من حالة انتقال لا تخفى على عين المتابع. فالتغييرات حتمية لأسباب تفرض نفسها، مثل غلبة الأجيال الشابة والراغبة في التغيير، وانتشار تقنية التواصل مع العالم الخارجي، يواكبها انفتاح حكومي إيجابي يعد بتلبية متطلبات الشباب والعصر الحديث. وللانفتاح أقامت الحكومة جهازًا رسميًا يتولى تنظيم ودعم النشاطات الترفيهية التي قد يرفضها بعض المنتمين للجيل القديم.
هنا، في المملكة، جدل «صحي» حول السينما والحفلات الفنية والمدن الترفيهية، كل يدلي برأيه فيه مؤيدًا ومعارضًا، إلا أن الإشكالات قد تأتي عندما يحاول البعض «استخدام» كبار رجال الدين في ترجيح كفة الحوار، وهو ما فشلوا فيه بإقحام سماحة المفتي، الذي قال إنه ضدها عندما تدعو للخلاعة والإلحاد، وهي اشتراطات تؤكد على موافقته.
وهناك من رجال الدين من حاولوا اعتراضها بوضع شروطهم، مطالبين بالاستفتاء وإشراك «الشعب». ومع أنه شرط غير مألوف في المملكة العربية السعودية، فإنه لو أجري الاستفتاء في ظروف محايدة سنجد الغالبية الساحقة من «أطياف الشعب» مع هذه الأفكار والمشاريع التي يعتبرها هو مرفوضة. فغالبية السكان شباب، ستون في المائة منهم تحت سن الثلاثين ويسكنون في الحواضر لا الأرياف.
النزيف الاقتصادي، والفراغ عند الشباب، ومخاطر استغلالهم في الخارج، كلها مسائل تستوجب التغيير الإيجابي.
*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”