العربية: هدى الصالح
اشتهر “محمد سرور زين العابدين” بالتيار الذي حاول أن يمزج بين تيار السلفية، والإخوانية القطبية تحت مسمى التيار “السروري” الذي اشتهر به في منطقة الخليج، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل لهذا التيار وجود في المشهد السوري؟.
نصف عقد مضى على خروج محمد سرور زين العابدين من سوريا، أمضى خلالها رحلته متنقلاً بين دول الخليج وبريطانيا، وصولاً إلى الأردن حتى استقر أخيرا في دولة قطر إلى أن وافته المنية هناك، ودفن فيها.
الحديث عن سرور وعن تياره المسمى باسمه “السروري” يبقى حديثا حيويا حتى بعد وفاة الرجل في 11 نوفمبر 2016، وذلك لما تشهده الساحة السورية من إفرازات وصراعات بين تياراته الإسلامية ذات الطابع السلفي الجهادي الحركي على رأسها جماعة الإخوان المسلمين وما تفرع منها كالتيار السروري الجهادي (القطبي).
البداية مع الإخوان
يذكر أن سرور، انتمى في بداياته لجماعة “الإخوان المسلمين”، التي استقال منها أواخر ستينيات القرن الماضي، إثر الاختلاف داخل الجماعة بين التيار الحلبي بقيادة مروان حديد، والدمشقي بقيادة عصام العطار.
برز مؤخرا حجم الدور الذي لعبه محمد سرور في الأحداث الجارية على الأرض السورية من خلال ما كشف عنه في لقاءاته المتعددة عبر فضائيات عربية مختلفة وما يصدره من بيانات باسم رابطة علماء الشام جاء منها تأكيده على صلته بالفصائل والتيارات على الأرض السورية قائلا في لقاء له في ديسمبر 2012: “الثورة بمأمن ونحن على صلة بها”.
ظهر دور سرور بداية بتأسيس رابطة “أهل حوران”، ضمن عمل إغاثي واجتماعي وثقافي، إلى جانب مشاركة مجاميع مختلفة تتبنى الفكر “السروري” انخرطت بين الفصائل الإسلامية الأخرى من بينها هيئة الشام الإسلامية.
عاد نشاط التيار “السروري” في سوريا خلال الأعوام الـ 6 التي مضت على الأحداث السورية، استطاع خلالها التأثير بتياره على مجموعات كبيرة من الشباب، موظفاً مساعيه بالضبط الفقهي مع الاهتمام بالشأن العام السوري.
منع تفشي الغلو
(نزكي لكم مشاهدة : فيديو الشيخ محمد سرور زين العابدين صبرنا نفذ على كسرى الفرس)
حاول محمد سرور، من خلال كتابه “خوارج العصر” العودة بفاعلية إلى ساحة المعترك السياسي، معتبرا أنه وحده فقط باستطاعته إيجاد حل لمسألة الغلو ومنع تفشيه بين الفصائل المقاتلة، فكما ذكر في لقاء له عبر إحدى الفضائيات العربية الذي يعد آخر ظهور له قبيل وفاته بثلاثة أشهر (أجري في 7 أغسطس 2016): “لو تركوا الأمر لنا فنحن نعالجه، من عادة الناس في بلادنا أن يعودوا إلى دعاتهم وعلمائهم ليستفتوهم في هذه المسألة إلا أنه للأسف فصائل المجاهدين صارت تأخذ من هذا وهذا قد يكونون مضطرين قد يأتي من يقول لهم في حالات معينة يجوز أكل لحم الخنزير لكن عندما تباع الثورة وهي تواجه أخطر قوى عالمية، النتائج ليست طيبة لا نجد عذرا للمجاهدين في الخلاف”.
أفكار سرور زين العابدين ومدرسته، التي أسست، كما يرى باحثون في شؤون الجماعات الإسلامية، لظهور السلفية الجهادية، ولاحقاً التنظيمات الراديكالية المتشددة. تنظيمات انتهى بها الحال إلى مخالفة جميع التيارات الإسلامية الأخرى، وتكفير أغلبها.
استطاع محمد سرور ببراغماتية سياسية الجمع بين المتناقضات كافة تارة بالانفتاح على التيارات السورية المختلفة وتارة أخرى التفاهم مع الحركات السلفية الجهادية الراديكالية كجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا، مع استنكاره في الوقت ذاته الفكر “الداعشي” و”القاعدي”.
“الثورة السورية ثورة إسلامية”
ووصف سرور، الثورة السورية بـأنها “ثورة إسلامية والوقوف مع الأسد بسبب ذلك”، معتبرا: “تعدد الرايات طبيعي، وهذه الثورة أرادها الله تعالى.. المسجد الذي تحركوا منه في درعا لم يكن متوقعا أن تنتج عنه ثورة ووجدوا استجابة من باقي المدن السورية”.
وما أسماه بالنصيحة التي وجهها بعد مضي 4 سنوات على الأحداث السورية، بدعوته الفصائل إلى القتال في صف واحد، وعدم إعطاء فرصة لمن وصفهم بالمنافقين والملحدين اختراق الصفوف قائلا: “فمن السهل التضليل في هذا العصر وفي غيره من العصور”.
في ذات الوقت، بقي محمد سرور يمزج في بياناته الطابع الشعبي المدني للثورة السورية التي خرجت وفقا لتصوراته بهدف واحد وهو إسقاط نظام مستبد، وليس لتوجهات إسلامية.
توجهات سياسية
حول ذلك، قال الدكتور حسان الصفدي، المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري وممن شارك محمد سرور في تأسيس المجلس ورافقه مدة طويلة، لـ”العربية نت”: “محمد سرور عالم إسلامي ومتخصص في الشريعة الإسلامية، لكن أعتقد أن التوصيف الأساس هو شخصية سياسية بكل معنى الكلمة هذا البعد السياسي هو السبب في قناعاته الشخصية التي اعتبرت توجهات الثورة ليست إسلامية وإنما سياسية”.
وأضاف: “كان يريد أن يتخلص الشعب من حالة الاستبداد التي وقعت طوال عقود طويلة وكان منفتحاً على كل التيارات العلمانية والليبرالية يستشيره كثير من الناس وأظن توصيفه الثورة بالإسلامية كان من ناحية دوافع الشباب للخروج لمناهضة النظام كونه مشروع شهيد ولكن هل هذه تنعكس أنه تطبيق لبرنامج إسلامي أشك بذلك”.
السرورية – القطبية عادت لتظهر جليا في شخصية رجل السياسة محمد سرور بما أطلقه من تلميحات معادية لبعض الدول الخليجية والتي وفقا لمنظوره محاربة للإسلام وللإسلاميين في سوريا: وقال أيضاً “قطر وتركيا نشعر منهما بعطف كلاهما يطالبان بسقوط النظام وليس عندهما مانع من الإسلامي والعلماني لا تستطيع أن تقول إن قطر قطعا مع الإسلاميين لكن ما عندها مشكلة مع الإسلاميين تركيا ما عندها مشكلة مع العلمانيين والإسلاميين”.
وأضاف: “في حدود علمي الأتراك يعطفون علينا ونقبل الشيء الذي يقدمون على الأقل هم يساوون بين لحانا وبين العلمانيين على عكس دول أخرى سبحان الله لو تفهم شعوبها ودعني من التسمية هذه الشعوب تعيش معنا مائة بالمائة ظروفنا ولا تخشى من انفجار هذه الشعوب”.
التقية السياسية
من جديد مارس سرور ما يمكن وصفه بـ”التقية السياسية”، وذلك في تعليق له على تقارب مشهد اقتتال الفصائل الأفغانية مع ما يحدث في سوريا اليوم: “الشباب والمجاهدون بالغوا بقوتهم فباتوا يطالبون بحكم إسلامي، ونحن كذلك ولكن لابد من أن يكون هناك وعي بالاستطاعة”.
مع ذلك بقيت مساعي سرور في الترويج لنظرية مؤامرة استهداف الإسلاميين من قبل دول خليجية: “منع السلاح الفعال لأن هناك من لا يريدون الإسلاميين، يريدون أن يأتي الإسلاميون ماذا سيحدث للإسرائيليين؟ ليس هناك علاقة للمجلس الوطني في عدم دعم المعارضة هي حسابات تفكر بها دول عربية وغيرها هل هؤلاء سيساعدوننا ويقدمون لنا السلاح الفعال سننتظر!”.
النصرة لا تتبنى منهجاً تكفيرياً
تباينات سرور لم تتوقف عند إسلامية الثورة أو مدنيتها وإنما شملت كذلك موقفه من جبهة النصرة، ووفقا لما جاء في لقاء له أجري عام 2012، أكد فيه على أن النصرة لا تتبنى منهجا تكفيريا: “لا نريد أن نخترع أعداء، القاعدة ومشكلاتها لا نريدها في سوريا ونحن معنيون بمواجهتها لا غيرنا، النصرة وما نسمعه عنهم من ثقة فإنهم لا يكفّرون الناس ولا يقتلون الآمنين ويسمعون كلام إخوانهم المجاهدين، أنا لا أجزم أنها من القاعدة، هناك جهات تحاول أن تضخم دور القاعدة لإلحاق الأذى بالثورة السورية”.
ضبابية المواقف السرورية من الغلو وتعريفاته برزت كذلك فيما رآه بشأن إعلان فك الارتباط ما بين القاعدة وجبهة النصرة والخروج بمسمى جديد هو “فتح الشام” وذلك فيما قاله: “هذا الكلام كان تتحدث به جبهة النصرة منذ البداية لكن المسؤولين من المجاهدين هم طيبون مستعدون للبذل والتضحية لكن معرفتهم بالأمور عندهم قلة بالمعرفة ماذا تقول عن شاب عنده 24 – 25 سنة وأحيانا إذا حمل البارودة لا يصير تفكيره صحيح ومع الأسف ليس عندنا قيادة”. مضيفا: “فك الارتباط لتجنب ضربات التحالف حيث حولوا المسألة إلى نصرة وداعش فقط”.
لم ينفصل محمد سرور عن الشأن السوري منذ خروجه منها في 1965 إلا أن الأحداث التي شهدتها سوريا منذ 6 أعوام ولازالت حتى اليوم قد ساعدت سرور الى إعادة إحياء وتنشيط تياره السروري الجهادي منافسا باقي التيارات السلفية الحركية السورية.
رابطة علماء الشام
ظهر اسم محمد سرور ضمن قائمة الأعضاء المؤسسين للرابطة علماء الشام والتي شملت 11 عضوا مؤسسا من بينهم جمال الدين السيروان، وسارية عبد الكريم الرفاعي والدكتور محمد لطفي الصباغ منتخبين كريم راجح رئيسا للرابطة وأسامة الرفاعي نائبا له.
ففي ديسمبر 2012 أعلن علماء سوريون عن تأسيس ما يسمى بـ”رابطة علماء الشام” لدعم الثورة السورية وقال بهذه المناسبة رئيس الرابطة كريم راجح: “في هذا الوقت العصيب من تاريخ الأمة عامة والشعب السوري خاصة، تداعت نخبة من علماء سوريا لمدارسة مسؤولياتهم وواجباتهم ولتوحيد جهودهم، وإحياء رابطة العلماء التي كانت قائمة في منتصف القرن الماضي”.
واعتبر أن الثورة السورية كانت مناسبة لإحياء الرابطة وإعادة إشهار (رابطة علماء الشام) من جديد لتقوم بمهامها، والاتفاق على “النظام الداخلي الذي يضبط الرابطة ويوضح بناءها ويرسم أهدافها ومهامها وآليات عملها”.
الرابطة ليست حزباً
وأكد حينها محمد سرور من أن الرابطة ليست لحزب أو فئة معينة بل للأمة كلها ولها تاريخ في سوريا: “قد بدأت الرابطة عند عودة كبار ساسة الأمة وعلمائها الذين حكم عليهم بالإعدام وتدارسوا هذا الأمر واتفقوا على تأسيس جمعية العلماء وكان رئيسها كامل القصاب رحمه الله، والجمعية كانت تضم بلاد الشام وجميع الفئات، وبقيت الجمعية فوق الأحزاب والهيئات وتمثل المرجعية للأمة في بلاد الشام واستمرت حتى بداية السبعينيات بعد أن ابتليت أمتنا بهذا النظام الفاسد”.
تركز نفوذ محمد سرور في (درعا عاصمة إقليم حوران) وهو الإقليم الذي يتحدر منه محمد سرور محققة أطروحاته انتشارا كبيرا عبر عدد من الجمعيات الخيرية والتعليمية وجمع التبرعات من دول وشخصيات مختلفة تتبنى التيار السروري (الصحوي) مكتسبا بذلك الشرعية المدنية والدينية الأمر الذي ساهم في تعزيز تياره السروري في سوريا حتى آخر أيام حياته.
يوسف القرضاوي يبارك
بعد مضي أشهر قليلة على إشهار الرابطة، استقبل يوسف القرضاوي في مكان إقامته وفد رابطة علماء الشام معبرا الوفد عن الرغبة في إحياء رابطة العلماء والتعاون مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه القرضاوي شخصيا، مبديا القرضاوي مباركته للخطوة وبحسب البيان الذي نشر على صفحة الموقع الإلكتروني لرابطة العلماء السوريين التابعة لجماعة الإخوان المسلمين فرع سوريا (أسسها أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين المتواجدين في الخارج في 2006 ترأسها محمد علي صابوني): “أبدى الشيخ رغبته في أن تنضوي الروابط السورية تحت راية واحدة وأن يجمعهم كيان واحد ويسيروا صفا واحدا.. وأكد الشيخ أن الجهاد واجب على المسلمين نصرة لإخوانهم في سوريا فمن لم يستطع أن يجاهد بيده فبماله”.
وتابع البيان: “أكد أن التنسيق قائم بين فصائل العمل السوري وبين علمائه وأن التواصل لا ينقطع بينهم، وأن مظلة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تجمعهم”.
ووجهت رابطة علماء الشام جهودها لتشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ككيان سياسي رئيس للمعارضة في الخارج وقدمت أول رئيس للائتلاف في نوفمبر 2013 معاذ الخطيب الذي استقال بعد 5 أشهر فقط.
المجلس الإسلامي السوري
ساهم محمد سرور زين العابدين في تأسيس ما يعرف بالمجلس الإسلامي السوري واعتبر ضمن الأعضاء المؤسسين للمجلس والذي عقد لقاءه التأسيسي في اسطنبول إبريل 2014، بهدف جعله المرجعية الدينية الرئيسية للمعارضة السورية.
وتألف المجلس من 128 عضواً ويضم قرابة 100 رابطة وهيئة شرعية انتشرت في سوريا وخارجها منذ 2011. شكل رابطة علماء الشام الذي يعد سرور أحد أعضاء مجلس أمنائها، الركيزة الأساس في المجلس الإسلامي السوري حيث حصلت على ثلث مقاعد مجلس الأمناء البالغ عدده 21 مقعدا، إلى جانب التيار الوطني السوري، وأوكلت جماعة الإخوان المسلمين تمثيلها في المجلس الإسلامي إلى أحمد حوا ابن سعيد حوا أحد الرموز التاريخيين للإخوان المسلمين في سوريا.
حول نشأة المجلس ومحطة محمد سرور فيه، قال الدكتور حسان الصفدي: “جاء المجلس السوري ثمرة لجهود لأكثر من 3 سنوات في إطار بناء كيان يضم الهيئات الشرعية والإسلامية على اختلاف توجهاتها في الداخل والخارج، فلم تكن هناك فرصة قبل الثورة لأن يكون هناك مجتمع مدني يضم كافة التوجهات”، مضيفا أن المجلس يضم أكثر من 100 هيئة ورابطة على كامل الجغرافيا السورية وكذلك في بلاد اللجوء والارتباط.
ووصف الصفدي المجلس بكونه مجلسا شرعيا الانضمام له لبناء الناحية العلمية الشرعية وليس الإيديولوجيا السياسية.
ووفقا لشهادة حسان الصفدي لم يكن محمد سرور متشجعا لفكرة المجلس، إلا أنه دخل لاحقا بعد إقناعه من قبل أحد أصدقائه: “لم يكن دافعا إلى هذا الاتجاه”.
عدم حماس سرور لفكرة المجلس الإسلامي الشرعي، يأتي وفقا لرؤيته: “أن الموضوع بحاجة لمزيد من الانضاج ولم يحن الأوان بعد لمثل هذا المشروع حيث إن الأمور في الداخل السوري لم تستقر بعد للوصول إلى تأسيس المشروع”.
وأشار الصفدي إلى أن محمد سرور رشح نفسه إلى عضوية مجلس الأمناء في داخل المجلس الإسلامي بإقناع من أسامة الرفاعي، إلا أنه لم يشأ ترشيح نفسه مرة أخرى في الدورة الثانية وبقي عضوا في الهيئة العامة: “لم يكن دوره ظاهر وقوي، دخل على استحياء وإصرار شديد من قبل أسامة الرفاعي وبقي غير متحمس بشكل عام”.