بدر عبدالملك
لا توجد بلد في معمورتنا خالية من السجون الجنائية والسياسية، ولكن السؤال كيف حال تلك السجون وحقوق السجين فيها؟ وهنا ضرورة الحديث في التفاصيل عن تلك الحقوق وتلك السجون، وكما يقال إن الشيطان يكمن في التفاصيل! ورغم ان السجون السياسية السوداء الظلامية تتراجع في عصرنا لصالح حقوق الانسان ووضع السجين، الذي بات مرتبطًا وهو في سجنه بالتواصل مع العالم الخارجي، فإن هذا الكلام ينطبق على اي سجن في العالم إلا سجن ايفين بشكل خاص وسجون نظام الملالي بشكل عام، حيث تذكرك تلك السجون واوضاعها بزمن الاحكام القروسطية المتوحشة، اذ سادت محاكم التفتيش القاسية، وحده نظام الملالي اليوم من سائر سجون العالم يتميز بفرادته في تلك الخاصية المتخلفة لزمننا وانسانيتنا، فقد ورث النظام الحالي ليس ارث الشاه الوحشي وحسب وانما ورث كل اشكال وانواع الاساليب الوحشية للسجون في العهود السابقة لزمن العبودية والاقطاع في الدويلات الفارسية وفي اصقاع العالم.
ما ورثته حكومة ونظام ولاية الفقيه، اسوأ مما نتوقع، فهي لم ترحم لا شيخًا ولا طفلاً ولا امًا ولا شابًا ولا اية ملة وطائفة وتجمع، فقد سجنت الانسان داخل الخوف والرعب لوحشيتها قبل ان تسجنه في حصونها وجدرانها المظلمة، صادرت عقله وضميره وصوته، فلن تسمع في تلك البلاد إلا حكايات مضللة تناسب الاعلام الزائف وقفازات «الحرس الثوري» (الناعمة) وتناسب رجال الدين هناك لأنها تمجد الظلام وسطوته وقوانينه بأسم السماء والدين والعدل، وهنا يكمن فاحشة الكذب والبهتان، فكل شيء في تلك التصريحات الرسمية جنة من عسل يظلل سماء «ملائكة العمائم» هؤلاء الذين يحاولون سلب حركة التاريخ تقدمها وعزل العالم والانسان في ايران عن دوران الحضارة. ومع ذلك فشلت اجنحة الخفافيش في الظلام من اخفاء خيوط الشمس الصباحية في ايران، حيث يتذكر الناس هناك أنهم يعيشون اسوأ واحط مرحلة تاريخية عرفتها ايران في كل تاريخها.
ولن يكون هذا التاريخ اسود او قبيحًا إلا عندما تعامل مع النساء السجينات بشكل عام والسجينات السياسيات بشكل خاص بلا رحمة ولا انسانية، متناسية الدين الذي تدعي به سلطة الكهنوت اللااخلاقية هناك ازاء النساء والمجتمع. لقد راعني عندما قرأت بيانا بتاريخ 26 مايو 2016 صادرًا من المجلس الوطني للمقاومة الايرانية ـ لجنة المرأة. أوجز البيان بكثافة ما تعانيه السجينات السياسيات فيما يلي:
1ـ الحظر على جميع المراسلات بين السجينات المحبوسات في سجن ايفين مع عوائلهن.
2ـ تمارس سلطات السجن شتى انواع المضايقات.
3ـ نقص واضح في المكان عبر التكديس البشري مما يحرم السجينات من حقهن حتى في السرير.
4ـ تردي مستمر في الطعام وفقدان اجهزة التدفئة والتبريد والمستلزمات الثقافية.
5ـ فرض جلادو سجن النظام شتى انواع القيود عند اللقاء بعوائلهن وحرمانهن من الاتصالات الهاتفية بذويهن خارج السجن مما يشكل عبئًا وضغطًا نفسيًا كريهًا على الامهات وهو نوع من الضغط الالتفافي من وراء ظهر القانون والحقوق الانسانية للسجينات.
كل تلك الممارسات القاسية المعبرة عن قسوة النظام ازاء النساء يدلل في نهاية المطاف على خشية نظام الملالي من الصوت النسائي الاحتجاجي المتصاعد وتحولها الى متراس نضالي في خطوط المواجهة، فلابد من قمع ذلك الصوت النسائي بكل السبل الوحشية. ان تزايد المشاركة النسائية في الحراك الجماهيري اليومي تعبير عن ان المرأة في ايران بلغ بها الغضب والحنق والسخط اقصى مداه وما عاد بالامكان الصمت او اللامبالاة لما يحدث في المجتمع من قمع وقهر ومصادرة واستلاب لحرية الانسان وكرامته وفي مقدمتهم المرأة الايرانية، التي مستعدة لمواجهة العسف والظلامية بأغلى ثمن وهو حياتها ومستقبلها من اجل ولادة ايران حرة وديمقراطية ووطن جديد.
ان صمتنا المتواري ازاء ما يحدث في ايران لشعبها وللنساء السجينات السياسيات وغيرهن لا يجوز بتاتًا، طالما كنا نحمل بين اضلعنا افئدة تتحسس وتتعشق للحرية والعدالة بين الناس والشعوب، فما يروج له ذلك النظام العاتي في ايران من ارهاب وتصدير للمشاكل والازمات للدول والمجتمعات، برهن انه خارج التاريخ ومنطقه، وخارج كل الاعراف والقوانين الدولية، التي ينبغي ان تسود بين البلدان بدلاً من خلق حالة الفوضى واللا استقرار.
بإمكانك / بإمكاننا ان نكون قوة جماعية فاعلة ـ عبر المجتمع المدني ـ من اجل قضية عادلة في ايران تناشدنا لكي نقف صفًا واحدًا لدحر ذلك النظام المتآكل والآيل للسقوط عاجلاً أم آجلاً. لن تكون امبراطورية الظلام في نظام ولاية الفقيه اقوى من كل امبراطوريات التاريخ المتساقطة.