عصام خوري :جريدة الجمهورية
اللاذقية هي المدينة الثانية التي انتفضت في وجه السلطة عام 2011. إلّا أنّ هذه المدينة المتنوعة طائفياً، لم تصبح مسرحاً للتصفيات الطائفية كما حدث في حمص، نتيجة فرار غالبية شباب الطائفة السنّية إلى خارجها…
تنقسم محافظة اللاذقية بعد مرور عامين على النزاع للأقسام التالية:
القسم الثائر: وهو قسم متمترس في أرياف “جبل التركمان، وجبل الأكراد” وصولاً إلى الحدود التركية-السورية، حيث تتواجد مخيمات اللجوء. ويتكوّن هذا القسم من مجمل أسر المنشقّين عن الجيش النظامي، وكل من تمّ توثيق خروجه في التظاهرات، بالإضافة إلى مجموع الأسر التي تدمرت منازلها، ويعيش هذا القسم ظروفاً معيشية بالغة التعقيد والصعوبة.
القسم الموالي المسلّح: وهو القسم المغالي بالتطرّف الديني من الطائفة العلوية، وقد استطاع النظام تجنيده ضمن ما سمّي “جيش الدفاع الوطني، اللجان الشعبية، جيش تحرير لواء اسكندرون، الشبيحة”، وبما أنّ غالبية ضباط الجيش السوري هم من الطائفة العلوية، فقد أصبح هذا القسم مع مجموع أسره عبارة عن بيئة متكاملة، هدفها الأول والأخير بقاء النظام من أجل تبرير وجودها ونشاطها.
من هنا انقسم المجتمع المحارب في الساحل إنقساماً واضحاً بين السنّة والعلويين. ولكن في مجتمع الساحل أقسام أخرى مغيبة عن الإعلام ومن أبرزها:
القسم الحيادي: ويمثّل الغالبية المجتمعية ضمن المدينة، فهذا القسم منهمك بعجلة الإقتصاد والحياة الوظيفية، وهو يدرك أنّ أي اضطراب يمسّ المدينة، فإنّه سيؤثر على لقمة عيشه وعيش أبنائه، وجلّ أمنيات هذا القسم أن يتوقف النزاع المسلح عبر تسوية سياسية تحافظ على مدينتهم من الدمار.
القسم العلوي المعارض: وهو قسم منبوذ إجتماعياً، فضمن جملة الإصطفافات الطائفية، لا توجد بيئة قادرة على حمايته، أو حتى الجدال معه حول أولويات الحرية والكرامة والمواطنة، مقابل أمان الطائفة… وقد تجد ضمن الأسرة العلوية المعارضة شباناً يخدمون الجندية، ولا يجرؤون على الإنشقاق لغياب وجود بيئة تحتضنهم في الجيش الحرّ.
كما قد تجد ضمن هذه الأسر شباناً منضوين في ما يسمى “اللجان الشعبية” لهدف الحصول على راتب مقداره “15 ألف ليرة”، في ظلّ غياب وجود مصادر مالية ضمن تعطّل دورة الحياة الإقتصادية في الساحل وسوريا عموماً.
القسم المسيحي المعارض والموالي: هو قسم يجتمع على جانب واحد، وهو رفض القتل بكل أنواعه سواء كان من السلطة أو من المعارضة، وكان هذا سبباً في عدم اشتراك الشباب المسيحي في أي لجان شعبية مأجورة.
ولكن هذا القسم منقسم ضمن الأسرة الواحد،ة فقد ترى فيه أخاً معارضاً وأختاً موالية أو العكس… قسم كبير من الشبان المسيحيين فروا إلى بعض دول الجوار هرباً من خدمة الجندية، ومن لم يتمكن من الهرب إلتزم بالخدمة الإلزامية قسراً.
القسم الرافض للنظام وللمعارضة الإسلامية المتطرفة: يجتمع في هذا القسم تجمّع كبير من الشخصيات النشطة ضمن الأقسام سالفة الذكر، فمدينة اللاذقية بالتجرّد عن تنوعها الطائفي هي مدينة بحرية، وككل المدن البحرية في العالم يكون شعبها أكثر إنفتاحاً وتفهّماً للآخر. فقد تلتقي بسنّي معارض يعلن جهاراً إستنكاره لسلوك “دولة العراق والشام الإسلامية”، وسخريته من تنظيم كتنظيم النصرة. كما تلتقي علوياً يشتم علناً ميليشيا “هلال الأسد” التي تمارس أفعالاً مشينة في المدينة وريفها.
معارك اللاذقية الجديدة:
أعلنت المعارضة المسلحة عن بدء معركتها ضد النظام صبيحة 4 آب الجاري، لتسيطر على قرى تابعة للنظام وهي “نباتة، بارودة، ستربة، جبل دورين، تلا، بيت شكوحي”. واستطاعت غنم عدة آليات للنظام، وبدوره النظام حشد قواته لتدور معارك مستمرة مدعومة بسلاح الجو “طيران، صواريخ”…
طبعا حدوث هذه المعارك في اللاذقية ليس عبثياً، بل هو نتيجة كمية تسليح جيدة وصلت للثوار في الفترة الأخيرة، وفي هذه المعارك التي تأخذ طابع الكرّ والفرّ لا يمكن تحديد خاسر أو رابح دائم، إلّا أنّ الخسائر التي لا تعوض هي:
– نزوح الكثير من الأسر العلوية، خوفاً من افعال إنتقامية في حقهم، وتضخيم هذا الأمر إعلامياً من طرفي النزاع لهدف تعزيز الإصطفافات الطائفية ضمن المجتمع المحلي.
– التنكيل الطائفي من السنّة لبعض العلويين كنوع من الثأر لما ألمّ بسنّة قرى بانياس “البيضا، المرقب”.
– ردات فعل إرتجالية من قبل ميليشيات النظام “الشبيحة”، عبر إطلاق الرصاص بكثافة خارج جامع البيرقدار خلال الصلاة، مما سبب حال ذعر في الأحياء ذات الغالبية السنّية.
– حرائق كبيرة للغابات في مناطق الإشتباكات، مما أزال مساحات شجرية عمرها مئات السنين.
خطورة الخسائر السابقة تكمن في تأثيرها على كل الأقسام البشرية غير المنضوية في النزاع العسكري، فهذه الأقسام سعت خلال العامين الماضيين لأن تكون مدينة اللاذقية مدينة نهاية الأزمة.
إلّا أنّ المتغيرات الحالية وفي حال استمرارها وتأججها قد تدفع المدينة لأن تعيش مرحلة دمار حمص، خصوصاً وأنّ المدينة القديمة في كثير من أحيائها السنّية هي أحياء سكن عشوائية، ومن خلال ملاحظاتنا للمدن السورية التي تعرضت لمعارك، فإنّ كل أحيائها العشوائية قد دمرت من قبل النظام بحجة توطين المعارضة فيها.
إلّا أنّ المختلف في تجربة اللاذقية هو أنّ المعارضة المسلحة تحارب من خارج المدينة، أي أنّ حجة النظام غير مشروعة لقصف المدينة الخاوية من المعارضين المسلحين. لكن هذه الشرعية قد تتم في حالين:
– ظهور خلايا نائمة مسلحة ضمن المدينة، وقيامها بتفجيرات أو بظهور مسلح ضد النظام.
– تنامي الغلّ الطائفي، وتحويل النزاع العسكري نحو نزاع طائفي معلن.
لذا على الأقسام البشرية غير المسلحة أن تكون صمام الأمان في هذه المرحلة، وهذا لن يتم بالوقوف على الحياد، بل يفرض عليها وقوفها الأخلاقي علناً ضد أي انتهاك ومن أي طرف مسلح، والا خسروا مدينتهم وكسبها تجار إعادة الإعمار المتعاقدين مع تجار الحروب.