الحياة اللندنية
بيروت – فيرونيك أبوغزاله: إذا عدنا في الزمن إلى الوراء لتاريخ ليس بعيداً أبداً، وتحديداً يوم 7 ايار (مايو) 2013، لا يمكن إلا أن نتذكّر كيف استقبل اللبنانيون خبر تسجيل معاملة زواج نضال درويش وخلود سكرية في قلم نفوس الهرمل بعد الحصول بتاريخ 24 نيسان(أبريل) عامذاك على موافقة وزير الداخلية (العميد مروان شربل)، وهو الزواج المدني الأول الذي سجّل مباشرة في لبنان. بعد هذا التاريخ، تبدلّت الأحوال كلّها فقد اعتبر كل شاب وصبية شطبا إشارة المذهب عن بيان القيد الإفرادي أنّ في إمكانهما عقد زواج مدني في البلد الذي ولدا فيه من دون الحاجة للسفر الى قبرص، حيث يتمّ الزواج وبعدها يسجّل في لبنان.
وبالأرقام، فإنّ 52 عقد زواج مدنياً أجري حتّى الآن على الأراضي اللبنانية، وقد سجلت سبعة منها رسمياً، فيما هناك 45 عقداً دون تسجيل بلا أي مسوّغ قانوني، وذلك وفق الهيئة المدنية لحرية الاختيار. فما سبب تأجيل التسجيل؟
وفق الأزواج المعنيين، هناك مماطلة إدارية منذ فترة غير قصيرة ومحاولات عرقلة إدارية لمنع التسجيل أو أقلّه المماطلة فيه. والتساؤلات التي طرحها الأزواج خلال الأشهر الماضية وجدوا لها جواباً في البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي لوزير الداخلية نهاد المشنوق، إذ جاء فيه: «أنا مع مبدأ الزواج المدني الاختياري في لبنان، إلا أنّه في غياب أي نـــصّ قانونــــي مدني نافذ يرعى أحكام هذا الزواج ويحـــدّد الإجراءات والآليات والمستندات المطـــلوبة والمرجع الصالح لعقده وبتّه، فإنّه يتعـــذر حالياً تسجيل عقود الزواج المدني المنظّـــمة لدى الكاتب بالعدل في لبنان، ولا بــدّ مـــن سنّ قانــــون للزواج المدني الاختياري يرعى شـــؤون هـــذا الزواج وآثاره». وقد تلا ذلك رفـــع المشنوق الموضوع إلى مجلس الوزراء الأربعاء الماضي من دون أن يبحث فيه لأنّه من خارج جدول الأعمال.
العودة إلى نقطة الصفر؟
بين لحظة وأخرى، وجد الناشطون المدنيون والأزواج الذين اتخذوا خطوة الزواج المدني أمام أمر واقع مفاده بأنّ التقدّم الذي حققوه خلال السنوات القليلة الماضية سقط، وقد عادوا إلى نقطة الصفر. إلا أنّ المشكلة أبعد من ذلك، فمنهم من أنجب مثل رواد غطاس ورشا اللذين تُعتبر ابنتهما اليوم مكتومة القيد بما أنّ زواجهما لم يسجّل بعد، ولم يسلّما إخراج القيد العائلي وهوية الفتاة. لكنّ الأمل لا يزال موجوداً بالنسبة إليهم وغيرهم، لأنّ الجدل القانوني لم يُحسم بعد لمصلحة إسقاط الحق بالزواج المدني. فهناك استشارة الهيئة الاستشارية العليا التابعة لوزارة العدل التي تؤكد أنّه من «حقّ اللبناني الذي لا ينتمي إلى طائفة ما أن يعقد زواجه مدنياً في لبنان، وإن الكاتب بالعدل هو المرجع المختص لعقد الزواج المدني والتصديق عليه. كما أنّ للزوجين حرية تعيين القانون المدني الذي يختارانه ليرعى عقد زواجهما بالنسبة إلى آثار الزواج كافة، إضافة إلى عدم وجود أي مانع من تسجيل وثيقة الزواج في سجلات النفوس».
وفضلاً عن ذلك، فإنّ الناشطين المؤيدين للزواج المدني يتمسّكون بقانون 60 ل.ر. الذي ينصّ على أنّ الذين لا ينتمون إلى طائفة ما يخضعون للقانون المدني في الأمور المتعلّقة بالأحوال الشخصية، ويضيف أنّ الطوائف التابعة للحق العادي تنظّم شؤونها وتديرها بحرية ضمن حدود القوانين المدنية.
ويثبت النائب غسان مخيبر، الداعم للزواج المدني، هذا السند القانوني باعتباره أنّ المعنيين بالزيجات المدنية أشخاص يعتبرهم القانون من غير المنتسبين إلى أي مذهب أو طائفة، وهم بفعل القانون خاضعون للقانون المدني. وبالتالي، فإنّ الممارسات الإدارية لرفض الزيجات المدنية وقيد وثائقها ووثائق الولادات هي مخالفة «فادحة» للدستور والقوانين اللبنانية. كما يؤكد الباحث القانوني طلال حسيني أنّ إسقاط الحق بالزواج المدني لمن هو غير تابع لطائفة من الطوائف لا يعني سوى إسقاط الحق بالزواج، و»هذا يعني إخراج لبنانيين من مواطنيتهم ونفيهم إلى أوطان أخرى لتحصيلها».
غطاء قانوني لقرار ديني
وفي وقت يبدو وزير الداخلية نهاد المشنوق في واجهة أزمة الزواج المدني في لبنان، يدرك الناشطون أنّ العراقيل التي يواجهونها تتجاوز أي شخصية سياسية، فهناك رفض ديني شبه كامل لهذا الموضوع خصوصاً من قبل المرجعيات الإسلامية. فقد كان كتاب هيئة علماء المسلمين الموجّه إلى القيادات الدينية والسياسية حاسماً من ناحية رفض إعادة طرح موضوع الزواج المدني «الذي يعارض في شكل صريح القرآن الكريم». وقد رأت أنّ «تأييد الوزير نهاد المشنوق لمبدأ الزواج المدني الاختياري هو رأي شخصي يخالف نصّاً دستورياً صريحاً مكرّساً في المادة التاسعة منه، حيث ضمنت الدولة للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية».
أما البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، فسبق أن أعلن تأييده زواجاً مدنياً إلزامياً لا اختيارياً لكي يكون مطبّقاً على الجميع من دون استثناء.
إلا أنّ هذا الرفض الديني للزواج المدني لا يكبّل الناشطين الذين يجدون في اختيارهم خطوة أولى نحو الدولة المدنية، فكما تقول دانا مرشد «أنا مع الزواج المدني ليس لأنّه يخلّصنا من الطائفية فقط، بل لأنّه على الأقل يترك مجالاً للأشخاص الذين لا يفكّرون بطريقة طائفية أن يعيشوا كما يحلمون، بما يضمن حقوق الطرفين في الزواج».
مواضيع ذات صلة: الزواج المدني اول خطوة حضارية في لبنان منذ 1430 سنة