الكاتب الايراني الساخر خسرو شاهاني*
تعريب عادل حبه
كان بيتنا يقع في زقاق متفرع من شارع رئيسي. وسكن في هذا الزقاق الضيق والمسدود قرابة أربع عشر عائلة. وقبل أن نأتي إلى هذا الزقاق، لا أدري لماذا تحولت زاوية من زواياه إلى مزبله، حيث يقوم سكنة الزقاق صباح كل يوم حسب وظيفتهم بجلب سطل النفايات والزباله ويرمونها فوق زبالة اليوم السابق. وكان الزبّال يقوم بنفس المهمة التي يؤديها ساكنو الزقاق بعد أن وجد أن هذا المكان هو الأقرب والأنسب له. فالزبّال يقوم بجمع النفايات من كل صوب ويستعين بعربته ويرمي الزبالة في نفس المكان. تحدثت مع الجيران، وسألتهم أكثر من مرة عن السبب وراء رمي الزبالة في هذا المكان؟. كما سألت الزبّال لماذا تجمع النقايات من مجلات أخرى وترميها في هذا الزقاق؟. وأجاب الزبّال:
– إن مهمتنا هي أن نجمع الزيالة في مكان واحد، وبعد ذلك تأتي ناقلة البلدية لتأخذها.
توجهت إلى مقر البلدية وطرحت على المسؤولين المشكلة، وأخبرتهم بأن الزقاق تحول إلى مزبلة، وإن صحة المواطنين وسلامتهم باتت في خطر. وطلبت منهم أن يزيلوا هذه القاذورات من زقاقنا وإنذار الساكنين بضرورة عدم رمي النفايات فيها.
وأجابوا المسؤولون أن هناك ضوابط ومقررات حول جمع النفايات، ينبغي علينا أن ننشر إعلان مناقصة حولها، ويتم نشرالاعلان في صحف واسعة الانتشار لمدة ثلاثة أيام كي يتم بيع نفايات زقاقكم لمن يقدم أفضل العروض على المناقصة. في الحقيقة أراد هؤلاء المسؤولون بهذا الجواب أن يضعوا العراقيل كي أكف عن المطالبة بجمع القاذورات.
فقلت لهم:
– افعلوا شيئاً لمنع تراكم هذه التلال من القاذورات الآن لحين الإعلان عن المناقصة.
وأجابوا:
– إننا لا نستطيع أن نقف حجر عثرة بوجه جباية واردات الدولة.
خرجت من هذا المأزق وتمالكت أعصابي لبضعة أيام. ومن سوء الحظ كان الزقاق ذو ممر واحد، ولذا كنت مجبراً أن أمر على الزبالة عدة مرات في كل يوم، وأن أواجه الذباب وأستنشق الروائح الكريهة وأشاهد الكلاب السائبة التي تتنافس على نبش القاذورات. صدقوا إنني كنت أفقد نصف عمري عند مروري بهذا المشهد، حيث تصيبني حالة من التقيؤ والغثيان والدوخة.
توجهت لشراء علبة أصباغ وفرشاة وكتبت على الحائط المجاور للزبالة العبارة التالية:”اللعنة على والد ووالدة كل من يرمي النفايات هنا”….. ولكن مع ذلك لم يجر أي تغيير على سلوك سكنة الزقاق. ففي تلك الليلة، جلب أولاد الزقاق سلماً وأجروا تعديلاً على ما كتبت، حيث أضافوا كلمة “لا” على “يرمي”، وبذلك أصبح النص كالآتي:”اللعنة على والد ووالدة كل من لا يرمي النفايات هنا!!. ومنذ ذلك اليوم علم بذلك سكنة سبعة أزقة مجاورة لزقاقنا بالخبر، وراحوا يجلبون نفاياتهم ويرمونها في زقاقنا.
جمعت ساكني الزقاق عدة مرات، ووضعت كرسياً وسطه ووقفت عليه وبدأت بإلقاء المواعظ مستنداً على أقوال أحد الأعضاء الرسميين في منظمة الصحة العالمية. وتحدثت حول منافع الصحة وأضرار الأمراض، وخاصة الأمراض الناشئة من رمي النفايا في الأزقة. ولكن كل ذلك لم يثمر عن أية نتيجة، وتزايد رمي النفايات طولاً وعرضاً في الزقاق.
في أحد الأيام اجتمعت بعدد من كبار القوم في الزقاق، وخاطبتهم:”لنقوم بجمع مبلغ من المال، ونقوم بشراء سيارة لجمع النفايات ونستخدم عدداً من العمال من أجل وضع نهاية لهذه الزبالة ونرميها خارج المدينة”. بدأ البعض يحدق بالآخرين، وتسلل البعض إلى خارج الجمع، ورفع آخر رأسه وقال:”إننا لا نتدخل في أمور لا تعنينا. إن هذه النفايات تعود للدولة ولها صاحبها، ولا نجرأ على التجاوز على أملاك الدولة”. وبادرت أنا بالجواب:
– إن الزبالة لا يمكن أن تكون ملك للدولة، فالدولة ليست بائع للنفايات، لإاي كلام هذا الذيي تتحدثون به. إن أكوام النفايات حولت حياتنا في الزقاق إلى جحيم، والدولة ليست لديها الفرصة لجمعها. وإذا ما جمعنا نحن النفايان فإن ذلك سيكون محط رضى . فلا نتوقع بأن تتولى الدولة تنفيذ كل هذه الأعمال.
وأجابوا على الفور:
– لا نريد أن نجلب الوجع لرؤوسنا، وليس لنا طاقة في الدخول في مشاحنات مع الحكومة، ونذهب كل يوم من أجل مراجعة هذه الدائرة أو تلك. يمكنك أن تتولى القيام بهذه المهمة”.
وجدت أن لا فائدة من الحديث واقناع هؤلاء، وقلت لهم إذا ما تم جمع هذه النفايات من الزقاق، فهل تتعهدون لاحقاً بعدم رمي النفايات. أجابوا..لا!…إلاّ إذا تعهد الجميع بعدم رمي النفايات.
وعلى الفور قمت بتأحير سيارة لجمع النفايات بمبلغ 100 تومان وتأجير ثلاث أو أربع عمال لهذا الغرض. وقام العمال لمدة ساعتين بإزالة جميع النفايات وكنسوا القاذورات ورشوا الزقاق بالمياه. وبدا الزقاق بأفضل صوره وهيبة، وشاهد سكنة الزقاق نظافته بعد أن اختفت أكوام النفايات والكلاب السائبة والذباب وعبّروا عن امتنانهم. وللحق والانصاف لم نعد نرى بعدذلك اليوم أي أثر للنفايات في زقاقنا.
بعد مرور عشرين يوماً، وفي صباح أحد الأيام وأثناء خروجي متوجهاً إلى مكان عملي، وجدت أحد أفراد الشرطة واقفاً عند باب أحد البيوت سائلاً طفلة صغيرة:
– ولكن متى جمعوها؟.
– أجابت الطفلة، من أين لي أن أعرف!!.
تحرك لدي الحس بالفضول، ووقفت. في تلك اللحظة خرجت والدة الطفلة ووقفت عند عتبة البيت وقالت:
– والله العظيم نحن غير مذنبون، فكلما حذرناه من القيام بهذا العمل، ولكنه لم يعر أهمية لذلك… وقال ليس لكم علاقة بذلك.
قطب المأمور جبينه، وسأل أين بيته؟.
أجابت المرأة:
– في نهاية الزقاق. وقامت بإخراج رأسها من شق الباب وأشارت إلى البيت الذي يسكنه.
وقع بصرها علي، وأشارت بسعادة إلي، وقالت للمأمور هو ذا…هو ذا…. واقفاً هنا.
أدار المأمور رأسه فوق عنقه وقال:
– هل أنت من جمع النفايات؟
– نعم أنا.
حدّق المأمور بي، ونظر متفحصاً قامتي من قمة رأسي حتى أخمص قدمي وقال:
– بأي ترخيص جمعتها؟
– لا يحتاج إلى إجازة…إنها أكوام من الأزبال والقاذورات المتراكمة في الزقاق وقمت بجمعها.
– إلى أين أرسلتها؟
– ماذا أستطيع أن أقول لك.
– كيف لا تستطيع القول، ألا تعرف أين أودعت الزبالة؟
– من أين لي أن أعرف، فالسائق هو الذي تولى أمرها.
وضع المأمور يده على خاصرته وقال:
– هل تسخر من نفسك؟..إنك تجاوزت على أموال الدولة وسطوت على زبالة الدولة وقمت ببيعها وملأت جيوبك بأموالها… والأن تجيب بكل غرور على أسئلتنا؟.
وجدت أما أن هذا الرجل قد أصيب بالجنون أو أنني في واد آخر، وقلت له:
– حضرة المأمور …. عن أي شئ تتحدث!!… أية قاذورات تعود ملكيتها للدولة؟ ومتى بعتها؟ لقد دفعت أنا مكسور الجناح مبلغ 100 تومان من جيبي من أجل تنظيف الزقاق!!!… أخرج الموظف من جيبه دفتراً وسأل عن اسمي وعنواني وهويتي وسجلها في الدفتر وغادر المكان. وذهبت أنا كذلك نحو مقصدي.
في صبيحة اليوم التالي قدِم المأمور إلى البيت ورافقني إلى الدائرة، وتوجهت إلى غرفة المدير ووقفت أمامه بكل أدب ووقار. وبعد أن وقّع عدداً من الرسائل، رفع رأسه وألقى نظرة علي وسأل المأمور:
– هل هو من أكل زبالة الدولة؟.
سبقت الأمور بالجواب، وقلت له:
– عن أي شئ تتحدث ياحضرة المدير؟ متى أكلت زبالة الدولة، وهل أنا ، حاشاكم الله، من صنف أكلة النفايات؟!.
علت الابتسامة على وجهه وقال:
– لا……فالزبالة لا يمكن أكلها…ولكنك من المممكن أن تأكل النقود التي بيعت بها…..تفضل وأجلس هنا.
جلست بأدب على الكرسي المقابل لحضرة المدير…. وشرع بطرح أسئلته:
– قل لي أين ذهبتم بالزبالة؟
أشعل المدير سيجارته ونفخ بدخانها وقال:
– انتم على علم بأن هذه النفايات هي ملك للدولة، وقد بعتها حسب حسابات الحكومة بمبلغ سبعة آلاف تومان بدون ترخيص من قبل الحكومة.
وبدون انتظار أي جواب مني، انفجر المدير غضباً وقال:
– إن هذا العمل يعد بمثابة سرقة لأموال الدولة، إنه الاختلاس بعينه، إن هذا الفعل يعد سطواً وغارة على أموال الدولة وبيت مال الأمة! هل فهمت؟؟؟.
بدأت شقيقتي بالغليان ، وأصاب الوجع رأسي وتوقف لساني عن الكلام ، وأخيراً نطقت:
– مذا يعني ذلك؟… أي فعل قد ارتكبته؟ ….. حسناً …الآن يوجه لي الاتهام بسرقة أموال الدولة وسيقدمونني إلى المحاكم، ولكني وجهت التماس إلى المسؤول:
– سيدي هل من الممكن أن توضحوا لي ماذا سيحل بي لاحقاً؟
– لدينا قانون، وهناك مواد فيه.
– أعرف ذلك…
– طبق البند ب من الفقرة 3 ومن المادة 247856 من قانون العقوبات ، فسيتم التعامل معك على غرار التعامل مع المتخلفين وسارقي أموال الدولة!!!.
– كيف سأتدبر الأمور؟؟؟
– نعم؟؟
– تفضلوا وأوضحوا لي هل أن المادة 247856 التي أشرت إليها وتنطبق على حالي، فهل هناك مواد أخرى تنطبق علي؟؟؟
أجابني بغضب:
– هذه المادة تكفي لمعاقبة سبعة من أمثالك. تعال ياغلام …أكمل هذه الاضبارة وارسلها إلى النيابة العامة.
اللعنة على الشيطان!!.. لماذا ارتكبت ذلك، وما علاقتي بأموال الدولة؟. هذه الزبالة وجبل القاذورات كانت متراكمة لسنوات، فلماذا أقحمت نفسي في أمور لا علاقة لي بها. هل كنت مختار المحلة أم شرطي فيها، أم كنت نبيّاً يحمل هم الأمة. حالي حال الآخرين، فلماذا أقدمت على هذه الفعلة؟.
قلت له:
– هل يسمح لي السيد المدير أن انتهز الفرصة وأذهب إلى أي مكان تتراكم فيها الزبالة، وانقلها إلى المكان السابق في الزقاق؟.
أجاب المدير بغضب:
– هل أن كل زبالة يمكن أن تكلون بديلة لزبالة الدولة؟ هل أن عمل الدولة مهزلة؟!!.
قلت:
– سيدي المدير، لماذا تسكب النفط على النار، فالزبالة هي زبالة فما الفرق بينها؟.
وأجاب:
– إذا استطعت أن تعثر على الزبالة الأصلية وتعود بها إلى مكانها خلال أربع وعشرين ساعة فبها، وإلاّ سترسل اضبارتك إلى النيابة العامة.
خرجت من الدائرة، وولعت سيجارة، وقطعت الطريق بخطوات وئيدة ووصلت إلى الطريق العام وأنا أقلب أفكاري عسى أن أجد حلاً لهذه المعضلة. فالقضية أصبحت قضية اختلاس وسرقة وسطو على أموال الدولة. إنني لو كنت على علم بأن الزبالة هي ملك للدولة لما أقدمت على ذلك… ورحت أضحك على حظي بملأ فمي!!. كنت أظن، ومن باب الحفاظ على صحة الناس، إنني أقدم خدمة لهم، وإن نظافة الزقاق هو جزء من نظافة المدينة ؛ أي إنني أقدم خدمة للبلدية أيضاً، ولم أفكر بأنني سأتعرض للعقوبة جرّاء ما قدمته. في ذلك اليوم أشار مدير الدائرة بأن الزبالة يجب أن تعرض على المناقصة، وننشر ذلك على صفحات الجرائد. وظننت أنه يسخر مني، يبدو أن أعمال الحكومة ليست بدون حساب وكتاب!!.
توجهت إلى الكراج الذي استأجرت منه سيارة جمع النفايات قبل عشرين يوماً عسى أن أعثر على سائقها. قيل لي أن السائق قد تنازع مع مدير الكراج وغادر المكان إلى كراج آخر لنقل البضائع دون أن يترك عنوانه.
عدت أدراجي إلى البيت، وتوجهت إلى جيراننا عسى أن يمدوا لي يد العون والمساعدة للخروج من هذا المأزق. وقف اثنان من معارفي أمام بيت أحد الجيران، وشرحت لهما القصة بأكملها، وقلت لهما ألا تتذكران قبل قرابة عشرين يوماً عندما قدمت خدمة لكما ونقلنا الزبالة إلى خارج المدينة وتحملت نفقات ذلك. أجابوا نحن شديدوا الامتنان لمبادرتك.. وكما ترى فقد التزمنا بتعهداتنا، فإننا لم نرم القاذورات في الزقاق منذ ذلك الحين. عبرت لهما عن شكري وامتناني. ولكنني قلت لهم إنني أواجه مشكلة عويصة الآن، فالدولة تريد استرجاع قاذوراتها، وأرجو أن تمدوني بسطل أو سطلين من الزبالة كي أرميها في زاوية الزقاق وتنقذوني من هذه الورطة. أجاب الجاران، نحن نلتزم بتعهدنا ولا نتراجع عنه.
وأجبت:
– أقبل بما تقولون واحترم رأيكم، بل وأقدسه، ولكن الحكومة علاوة بمطالبتها بمبلغ سبعة آلاف تومان كثمن لزبالتها، ولكنها أصدرت قراراً بتوقيفي بتهمة سرقة أموال الدولة واختلاسها!!!….لا أتوجه إليكم باسم المودة بيننا ولا بحق الجيرة، بل في سبيل الله أن يقرضني كل فرد منكم سطل زبالة وسأردها لكم بعد أسبوع بالتمام والكمال.
أوصد الجاران الباب بوجهي وقالا:
– ليس لدينا فائضاً من الزبالة كي نقدمها للآخرين!!.
توجهت صوب باب جار آخر، وطلبت منه مد يد المساعدة لقاء ما قدمته من خدمة لهم سابقاً. وعلى الفور واحهني بالكلمات التالية:
– أردت أن تستعرض عضلاتك وتدخلت فيما لا يعنيك، هل كنا مصابين بالعمى ولم نر الزبالة؟. لكن عقلنا وشعورنا كانا أرفع منك، وكنا ندرك عواقب فعلك، وما عليك الآن إلاّ أن تدفع ثمن أفعالك.
– يارب…ماذا أفعل؟، ومن أين لي أن أعثر على تل من النفايات والزبالة؟!. ورحت أسأل هذا وذاك وتوجهت إلى خارج المدينة. وتعرفت على مالك أحد الدكاكين الذي راكم قدر من النفايات والأوساخ في خزينة مزرعته، وأشتريت حماراً بمبلغ أربعين توماناً. وبمساعدة أحد الحمالين، وضعنا الزبالة على ظهر الحمار وتوجهنا إلى المدينة وأدخلنا الحمار في الزقاق ورمينا الزبالة في المكان السابق لزبالة الحكومة. وما أن استقر غيار الزبالة وترابها، وفي الوقت الذي لم يغادر الحمال المكان بعد حتى ظهر رجل أنيق يحمل حقيبة تحت أبطه ويضع نظارة طبية على عينيه مما يدل على أنه واحد من الموظفين، وبادرنا بالقول:
– لماذا ترمون النفايات هنا؟
– لا شئ، إنني أرجع زبالة الحكومة إلى محلها السابق.
– إنك تجلب الأخطار لصحة وسلامة الناس، ولا ندري ما هو الدافع وراء فعلك وأية حيلة تريد أن تمررها على الحكومة؟. إنني المفتش العام في وزارة الصحة، وتتحدد مهمتي في توقيف كل من يرمي النفايات والقاذورات في الشوارع وأرسله إلى النيابة العامة.
– ماذا حصل لي؟ هذه هي الاضبارة الثانية لي؟؟.
– إجمع هذه الزبالة وأرجع بها إلى مكانها السابق، وبعد ذلك تعال معي إلى النيابة العامة كيف يحققوا في الهدف من تصرفك وماذا تخبأ لسكنة الزقاق.
انحبست الغُصة في حلقي، وبدأت الدموع تترقرق في عيني، وقلت له:
– التمس منك أن تمهلني أربعة وعشرين ساعة كي أرد الزبالة إلى صاحبتها الحكومة والتي كلفتني مبلغ أربعين تومان.
وأجابني المفتش:
– لا يعنيني ذلك. ويبدو من هيئتك إنك عضو منظمؤ إرهابية تسعى إلى رمي الزبالة في الشوارع من أجل نشر الجراثيم والأمراض بين مواطني المدينة كي يزدادوا مرضاً. وإنني أوجه لك تهمة العضوية في منظمة تخريبية من الطابور الخامس تسعى إلى أشعال نار حرب جرثومية، ولذا سوف أسلمك إلى المراجع المختصة.
– كيف سأفلت من هذه المخمصة ومن هذا الفخ؟؟. فمهما التمست، فلا فائدة من ذلك.
احتفظ المفتش العام في منديله بقدر من الزبالة، وأعطاها لأحد العاملين كي يتم تحليلها في المختبر عسى أن يعثروا على الجراثيم الخطيرة التي يزعم إنني نشرتها كي أبيد العامة. كما أمر المفتش العام بإرجاع بقية الزبالة التي حملتها على الحمار وأعطيت مبلغ خمسة تومانات إلى “المچاري” كي يعود بالزبالة إلى مكانها الأصلي، وتوجهت مع المفتش العام صوب دائرة النيابة العامة.
في النيابة جرى التحقيق معي في حدود خمسة إلى ستة عشر صفحة، وكان آخر اتهام وجّه لي هو جريمة رمي الزبالة في الطريق العام، وما يسببه ذلك من ضرر للصحة العامة، مما يقضي بتغريمي مبلغ خمسمائة تومان. بعد ذلك اختتم التحقيق وارسلت الأضبارة مع نموذج من الزبالة في منديل خاص إلى المقامات المختصة للتدقيق والتشخيص كي يجري التأكد من نوع الجرثومة، ويتم محاكمتي طبقاً للدستور، ومعرفة الجهات الأجنبية التي تقف وراء نشر الجراثيم التي قد تؤدي إلى تصفية الجيل الحالي. وطُلب مني أن أودع ضمان بأن لا أخرج من حدود المدينة لحين الانتهاء من إجراءات المحكمة وكشف الحقيقة من قبلها.
استسلمت للقضاء والقدر، فقد أدركت إنني غير قادر على توفير الحجم المطلوب من زبالة الدولة، ولا أستطيع تسديد المبلغ الكبير…ولهذا قلت ليفعلوا ما يحلو لهم. مرت ثلاثة أشهر من المعاناة التي تحتاج إلى موسوعة كي أشرحها. وفي أحد الأيام استلمت بلاغ استدعاء من الجهات المختصة مع طلب بتسديد مبلغ سبعة آلاف تومان!!!. وتلا ذلك في اليوم التالي استدعائي من قبل محقق وزارة العدل مع ورقة تطالبني بالجواب حول تحديد المكان الذي رُميت فيه الزبالة وكيف تصرفت بأموالها، وما هو المصدر الرسمي الذي أجازني بجمع الزبالة والتدخل في أمور غير متعلقة بي. وتبع ذلك في اليوم اللاحق، فقد استدعتني الشعبة 248 من جهاز التحقيق كي يجري تحويلي إلى الجهات القضائية وتتم محاكتي بتهمة رمي الزبالة والقاذورات في الأماكن العامة، والكشف عن العصابة الإرهابية التي تقف وراء ذلك من أجل شن حرب جرثومية ضد البلاد.
وأخيراً وبعد ثلاثة أشهر من الهرولة والهجولة في دوائر الحكومة، قمت بتسديد مبلغ سبعة آلاف تومان لقاء الزبالة التي جمعتها من الزقاق، إضافة إلى الضرائب. ووفرت هذا المبلغ عن طريق بيع أثاث البيت، وقمت بدفع أقساط شهرية بمبلغ يقرب من ثلاثة آلاف تومان كتعويضات عن الأضرار التي سببتها للزقاق. وإلى هنا بدا لي إنني قد تخلصت من عواقب الإضبارة التي دونت ضدي. ولكن يبدو أن هناك اضبارة أخرى كانت تنظرني وهي “تدخلي في أمور لا تعنيني”، وإضبارة أخرى تتعلق بـ”شن حرب جرثومية على البلاد” و”عضو في شبكة تخريب مجهولة من الطابو الخامس”. ولا أدري متى ستغلق هذه الاضبارات؟…الله أعلم. ولكن الأسوء من كل هذا وذاك هو سلوك سكنة الزقاق. فقد كانوا يؤشرون علي كلما كنت أمر في الزقاق متوجهاً إلى بيتي…..هو ذا!!!…إنه قد سطا على مبلغ خمسة آلاف تومان من أموال الدولة، وها هو يسير بطول قامته وعرضها دون خجل…رجل شاطر ….لا نرى أفعاله فهو يخفي ثلث قامته تحت الأرض…!!!.
* ولد خسرو شاهاني في مدينة نيشابور عام 1929. وانفرد بالكتابة في موضوع الأدب الساخر في الصحف الإيرانية في عام 1955 وفي جريدة “خراسان”، وكتب العديد من من المواد التي تتعلق بنقد الظواهر السلبية في المجتمع الإيراني. وفي عام 1957 أصبح مراسلاً لجريدة “ﭘست تهران” ثم تحول إلى العمل في جريدة “كيهان”. وعمل خسرو شاهاني مع عدد من الصحف الإيرانية. كما ألف عدداً من الكتب المتعلقة بالأدب الساخر.