مهما حاول العالم أن يحارب الإرهاب فلن يستطيع القضاء عليه بوجود دولة كهنوتية دينية كإيران، وهذا ما قاله كثير من المسؤولين في إدارة ترامب في مناسبات مختلفة. وهي بالنسبة لي حقيقة ثابتة بالدلائل والقطعيات، ولا أعتقد أن دول العالم يجهلونها. وليس لدي أدنى شك أن من يستغل الثعابين الدينية المسيسة ليوظفها في صراعاته السياسية، لا بد وان تعود يوما إليه، لتغرس أنيابها في جسده. الأمريكيون -مثلا- في الثمانينيات من القرن الماضي، وفي عهد الرئيس ريغان، وظفوا الإسلام الثوري (السني) في مواجهة السوفييت في أفغانسان، واستطاعوا فعلا أن يلحقوا بالسوفييت هزيمة شنيعة، إلا أن هذه (الثعابين) الخطرة، عادت فيما بعد إلى أمريكا والغرب ليجعلوا حرب الغرب الكافر فريضة دينية، وها هم الغربيون يعانون الآن الامرين من الاسلام السياسي الثوري، مهد الإرهاب الأول، أو بلغة أكثر دقة عاد سلاحهم الذي وظفوه في الماضي لمصالحهم ليزلزل امنهم واستقرارهم.
وفي تقديري ان الروس باستغلالهم للإسلام الشيعي (السياسي) بتحالفهم مع ايران في مشروعهم الهادف إلى استعادة قوة ونفوذ الاتحاد السوفييتي، يقعون في الخطأ ذاته.
إيران دولة دينية كهنوتية، الفرق بينها وبين القاعدة ومعها داعش ان هذه متشكلة في دولة وأولئك يتشكلون في شكل منظمات، اما الاهداف الايديولوجية فهي ذات الاهداف. الفرق أن ايران شيعية وتلك المنظمات سنية. قد -يحقق الروس باستغلالهم إيران الشيعية بعض المكاسب التكتيكية على المدى القريب، غير أن الخطأ الجوهري الذي يقعون فيه كما وقع فيه الأمريكيون في أفغانستان، ينطوي في خطورة التعامل مع الكيانات الدينية المسيسة، سواء كانت على شكل منظمات كمنظمات المجاهدين الافغان أو على شكل دول كإيران، وليس ثمة فرق في النهاية بين الاسلام السياسي بنسخته السنية أو نسخته الشيعية؛ وقطعا لن يكون على المدى البعيد – وربما المتوسط – في مصلحة روسيا، فمثلما ارتدت الأفاعي السنية على الغرب، سترتد الثعابين الشيعية على الروس يوما ما؛ فإثارة النعرات الدينية والمذهبية من عقالها لا يمكن أن تضمن ردود أفعالها، وتبعاتها، مهما كنت حذراً في تعاملك معها.
هزيمة حركة داعش وقبلها القاعدة أصبحت قاب قوسين أو أدنى كما تقول المؤشرات، غير أن مصدر الإرهاب الأخطر والأكثر تنظيما وقوة ونفوذاً، هو الإرهاب الشيعي بنسخته الفارسية, وما لم يتعامل العالم مع الإرهاب الشيعي المتمثل في إيران، مثلما تعامل مع داعش الآن وقبلها القاعدة فسيظل الإرهاب ينمو وتزدهر ثقافته، ويتكرس وجوده، مستغلا المماحكات والتجاذبات بين القوى العظمى.
وغني عن القول إن إيران دولة أيديولوجية، منذ أن بعثها الخميني من مدونات الفقه الشيعي، ومنذ ذلك الحين وهي تعمل، وتضحي بكل مقدرات الشعب الإيراني لتحقيق تسيد الفرس الشيعة على المنطقة، مستخدمة الميليشيات، التي هي في التحليل الأخير منظمات إرهابية؛ فحزب الله -مثلا- هو نسخة مماثلة لمنظمة القاعدة، وحسن نصر الله هو المقابل الشيعي لابن لادن. وإذا كانت روسيا جادة بالفعل في القضاء على الإرهاب عدو العالم الأول كما يروجون، فيجب أولا القضاء على التأسلم السياسي بنسختيه السنية والشيعية. هذه الحقيقة سيدركها الروس حتما مثلما أدركها الأمريكيون عندما أخرجوا مارد الثائر الإسلامي من القمقم في أفغانستان، فهزموا به الاتحاد السوفييتي، لكنهم خلقوا غول الإرهاب المتأسلم؛ ويخطئ الروس إذا اعتقدوا أن الثعابين الشيعية إذا تشكلت في دولة كإيران يمكن استئناسها.
إلى اللقاء.
* نقلا عن “الجزيرة”