صحيح أن هذه المرة الثالثة خلال أشهر التي أكتب فيها عن شائعة الخلاف بين الحليفين الروسي والإيراني. لم أستطع، بعد، أن أصدقها، وأظن أنها رواية مصطنعة، هدفها تجميل التدخل الروسي، وتخفيف الغضب العربي الواسع ضد الروس.
وكانت وسائل الإعلام العربية رددت، أمس، نبأ مصدره من بغداد، ومع أنها تعتبر مركزًا جيدًا لتسقط الأخبار بحكم تعدد الانتماءات، لكن لا يوجد هناك ما يثبت صحة الخلاف بين الكرملين وقم، بل كل الشواهد على الأرض تؤكد أن العسكر والسياسيين من البلدين ينامون في نفس الخندق!
على أرض المعركة السورية، العمل موزع بشكل مريح. لا توجد قوات برية روسية، كما لا توجد قوة إيرانية جوية، مما يجعلهما جيشين متكاملين. وحتى لو وقعت خلافات بين قيادات عسكرية، حول إدارة التفاصيل اليومية، تظل مسألة مألوفة في مثل هذه الأجواء، بما في ذلك إجبار قيادات الحرس الثوري الإيراني على نقل بعض وحداتها من مناطق معينة، كما تردد حديثًا، أو قصف الطيران الروسي خطأ ميليشيات تحت قيادة إيرانية. ويبدو لي أن إشاعة تضارب المصالح بين الروس والإيرانيين التي تكررت كثيرًا، هي من باب التمنيات عند البعض، أو جزء من البروباغندا التي اعتادت موسكو إطلاقها منذ دخولها في الحرب إلى جانب الإيرانيين لإنقاذ نظام بشار الأسد.
العلاقة متينة بين الحكومتين. فلا يمكن أن يوجد خلاف ويقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارته المهمة قبل ثلاثة أسابيع إلى طهران. فهي الأولى له إلى هناك منذ ثماني سنوات، التقى خلالها بالمرشد الأعلى، وأهداه نسخة مصحف قديمة، وتعهد للرئيس حسن روحاني بصادرات قيمتها خمسة مليارات دولار، ووقعت الحكومتان مجموعة اتفاقيات بينها عسكرية! صعب أن نصدق بوجود خلاف والعلاقة على هذا المستوى الرفيع. رواية المصدر العراقي عن خلاف بين الحليفين لا قيمة لها، والأرجح أن الحقيقة عكس ذلك.
العراق، وليس سوريا، هو البلد الذي يقع في وسط منطقة الضغط العالي، بين القوى الدولية والإقليمية. فالأميركيون يقاتلون في الرمادي، والروس يتنقلون في الشمال الشرقي، والإيرانيون في بغداد والجنوب، والأتراك في إقليم كردستان وفي محيط الموصل، وتنظيم داعش يحفر المزيد من الخنادق في الموصل وعدد من مدن المحافظات الغربية. وجاء إعلان واشنطن أنها ستنشر قواتها على حدود العراق مع سوريا، وكذلك توليها إدارة المعارك مع العشائر السنية في الأنبار، كله ليؤشر على ارتفاع حدة التنافس بين المحاور.
ومع أنه لا شيء مستحيلا في السياسة، فإنه يصعب أن أصدق بوجود خلاف بين الروس والإيرانيين، وتكرار الرواية يعني أنها من مطبخ الحرب النفسية.