بقلم عماد بوظو/
القتل عن طريق الرجم بالحجارة كان موجودا عند اليونان حسب المراجع التاريخية والأساطير مثل أوديب الذي قتل أباه وتزوج أمه وطلب من الناس قتله بالحجارة لتطهيره من الإثم. وفي الديانة اليهودية كان الرجم معتمدا كطريقة للإعدام عند الارتداد عن الدين وعبادة آلهة أخرى أو العمل يوم السبت أو في حالة الزنا: سفر التثنية الإصحاح 22 “- إذا ثبتت صحة التهمة ولم تكن الفتاة عذراء – يؤتى بالفتاة إلى باب بيت أبيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت، لأنها ارتكبت قباحة في إسرائيل، وزنت في بيت أبيها، وبذلك تستأصلون الشر من بينكم – وإذا ضبطتم رجلا مضطجعا مع امرأة متزوجة تقتلونهما كليهما فتنزعون الشر من بينكم – وإذا التقى رجل بفتاة مخطوبة لرجل آخر في المدينة وضاجعها – فأخرجوهما كليهما إلى ساحة بوابة تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا، لأن الفتاة لم تستغث وهي في المدينة والرجل لأنه اعتدى على خطيبة الرجل الآخر، فتستأصلون الشر من وسطكم”، وقد أوقف اليهود في ما بعد العمل بحكم الرجم هذا.
المسيحية لم توافق على الرجم كعقوبة على الزنا بل فتحت الباب واسعا للتفهّم والرحمة والمغفرة: إنجيل يوحنا الإصحاح 8 “وأما يسوع فذهب إلى جبل الزيتون – وعند الفجر عاد إلى الهيكل فاجتمع حوله جمهور الشعب فجلس يعلمهم – وأحضر إليه معلمو الشريعة والفريسيون امرأة ضبطت تزني وأوقفوها في الوسط – وقالوا له: يا معلم هذه المرأة ضبطت وهي تزني – وقد أوصانا موسى في شريعته بإعدام أمثالها رجما بالحجارة فما قولك أنت – سألوه ذلك لكي يحرجوه فيجدوا تهمة يحاكمونه بها، أما هو فانحنى وبدأ يكتب بإصبعه على الأرض – ولكنهم ألحّوا عليه بالسؤال فاعتدل وقال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر – ثم انحنى وعاد يكتب على الأرض – فلما سمعوا هذا الكلام انسحبوا جميعا واحدا تلو الآخر ابتداء من الشيوخ وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في مكانها – فاعتدل وقال لها: أين هم أيها المرأة؟ ألم يحكم عليك أحد منهم – أجابت: لا أحد يا سيد، فقال لها وأنا لا أحكم عليك اذهبي ولا تعودي تخطئين”.
في الإسلام لم يأت ذكر الرجم في القرآن كعقوبة على أي جريمة، وكانت عقوبة الزنا في سورة النور “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين”، وفي سورة النساء آية 15 “واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهنّ الموت أو يجعل الله لهن سبيلا”. وحتى من يرتكب واحدة من الآثام بما فيها الزنا فقد ورد في سورة الفرقان الآية 70″إلّا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل الله لهم سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما”. وكان إثبات عملية الزنا وتنفيذ عقوبة الجلد يتطلب أدلّة من الصعوبة بمكان توفّرها، كما أن هناك عقوبة شديدة لمن يوجّه اتهاما لشخص بالزنا ولا يستطيع إثبات ما يقوله: سورة النور آية 4 “والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون”. وكما هو واضح من الآيات فإن باب العفو والمغفرة بقي مفتوحا لمن يتوب عن الزنا وكان الله يبدل لهم سيئاتهم حسنات ويجعل لهم سبيلا مثل الزواج.
في القرن الثالث الهجري أصبح هناك إسلام آخر وأحكام مختلفة تماما عن ما هو معروف في فجر الإسلام. فقد ظهرت في كتب الحديث عقوبات وتفسيرات تتناقض مع روح وحرفيّة النص القرآني كان من بينها فرض الرجم كعقوبة شرعية لمن يرتكب الزنا من المحصّنين أي المتزوجين، بداية بحديث في صحيح البخاري عن رجل وامرأة من اليهود ارتكبوا الزنا وقدموا للرسول ليحكم فيهم فحكم عليهما بعد شدّ وجذب بالرجم حسب شريعتهما، وتمّ بناء على هذه الرواية والحديث إعادة تأويل بعض الآيات القرآنية ليستدلّ منها على أن الرجم مفروض أيضا على المسلمين، مثل حديث عن ابن عباس أنه قال: “من كفر بالرجم فقد كفر بالرحمن، وذلك قول الله عزّ وجل يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب فكان مما أخفوا الرجم”. وأضيف فوقها حديث منسوب إلى عمر بن الخطاب يقول فيه أن هناك آية في القرآن هي “الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم”، وحسب هذا الحديث فقد نسخت تلاوة هذه الآية من القرآن وبقي حكمها. ورغم المضمون الغريب لهذه الأحاديث فإن أغلبية المراجع الإسلامية تعتبرها صحيحة، أي أنهم يقبلون أن هناك أية سقطت سهوا من القرآن رغم تناقضها مع “إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” الحجر آية 9، وذلك لأنها توافق رغبتهم في فرض عقوبة الرجم على الزنا، حتى أنه تم تداول أحاديث أكثر غرابة مثل، عن ابن عباس قال قال رسول الله من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة، رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجة، وعن صحيح البخاري عن عمر بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم!.
في القرن الثالث الهجري اتفق أغلب رجال الدين ما عدا المعتزلة والخوارج على أن الرجم هو عقوبة الزنا رغم عدم وجود هذه العقوبة في القرآن الذي بين أيديهم، ونتيجة لوجود عقوبة الجلد في القرآن فقد توصلوا لنتيجة وهي أن يجلدوا الزاني ثم يرجموه، وذكروا الكثير من الأحاديث وكلها بعيدة عن الرحمة والتسامح والمغفرة، حتى الآية التي تتحدث عن أمسكوهن في البيت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، فقد جعلوا هذا السبيل بدلا عن التوبة والزواج هو الرجم! هذا الفهم المتشدد للإسلام رغم أنّه لم يتم تطبيقه وقتها لكنه بقي معتمدا ونائما في كتب التراث إلى أن أتت الفرصة لممارسته وتطبيقه عمليا خلال العقود الأخيرة.
أثيرت قضية الرجم على نطاق واسع عالميا وإسلاميا مؤخّرا نتيجة توثيق عشرات حالات الرجم لنساء ورجال في بعض المناطق والدول التي تقول أنها تطبق الشريعة الإسلامية، كما تمكّن العالم من مشاهدة هذه العملية بكل دقائقها، حيث يوضع الضحية ضمن حفرة، الرجل بوضعية الوقوف والمرأة بوضعية الجلوس وتشد عليها ثيابها حتى لا تنكشف، تنتقى الحجارة المعتدلة بسعة الكف لا بحصيات خفيفة كي لا تستغرق العملية نهارا بطوله ولا بحجارة كبيرة تقضي على الضحية بسرعة لئلّا يفوت التنكيل المقصود من وراء الرجم! “حسب تعبيرهم”، وفي المتوسط كانت عملية الرجم تأخذ عدة ساعات حتى يموت المحكوم. قام بتنفيذ هذه الجرائم داعش في سوريا والعراق، وطالبان في أفغانستان وباكستان، والقاعدة في الصومال، ورغم أن المذهب الوهابي يقول إن الرجم هو عقوبة الزنا لكن السعودية لم تشهد أي تطبيق لحد الرجم خلال العقود الماضية، بينما كانت الدولة الأولى عالميا في تطبيقه هي إيران فقد تم تعديل قانون العقوبات الإيراني بعد الثورة الإسلامية عام 1979 وأدرجت فيه أحكام الجلد والرجم وبتر الأعضاء. وتقول اللجنة الدولية ضد الرجم ومقرها ألمانيا أنه تم تطبيق 150 عملية رجم في إيران بين العامين 1980 و 2010 وهذا الرقم قد يكون أقل من الحقيقي لأن هذه الأحكام يتم تنفيذها أحيانا في بلدات نائية لا تصل أخبارها لبقية العالم، كما أن الكثير من عائلات ضحايا هذه العقوبة يتعمّدون عدم نشر أخبارها لأسباب اجتماعية. ورغم الضغوط التي تتعرض لها إيران لإلغاء هذه العقوبات التي تصنف دوليا بأنها همجية فقد نشرت وكالة مهر الإيرانية شبه الرسمية للأنباء تقريرا في 27 نيسان 2013 يفيد بأن مجلس الوصاية على الدستور قد أنهى مراجعة وتعديل قانون العقوبات وأبقى صراحة على الرجم كعقوبة للمدانين بالزنا ولكن يمكن للقاضي اختيار طريقة إعدام أخرى، وقد قالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش إن “الرجم حتى الموت عقوبة بشعة لا مكان لها في قانون العقوبات لأي بلد لكن السلطات الإيرانية بإصرارها على الإبقاء على الرجم في قانون العقوبات توفر دليلا قاطعا على تحكّمها في نظام إجرامي للعدالة يقوم على الخوف والتعذيب والظلم، وبغض النظر عما يقوله المسؤولون الإيرانيون فإن قانون العقوبات الجديد يمثل كارثة مطلقة على حقوق الإنسان ولا أدل على هذا من كون القضية الرئيسية بين المسؤولين والفقهاء الإيرانيين هي ما إذا كان ينبغي إعدام الشخص المدان بجريمة “الزنا رجما أم شنقا”.
كلما كانت ظروف المجتمع بائسة وكلما انتشر الفقر والجهل والظلم سادت مشاعر الغضب والانتقام وانتشرت ثقافة الكراهية ووجد التطرف البيئة المناسبة لنموّه. وعادة يكون الأقربون هم الهدف الأول والأسهل للتعبير عن هذا الغضب. والمناطق التي تم فيها تنفيذ عقوبة الرجم من أفغانستان وإيران للصومال تؤكد ذلك. وكلما تحسنت أحوال المجتمع وحل الرخاء والازدهار وانتشرت المعرفة والثقافة سادت مشاعر المحبة والتعاطف والتسامح والغفران، لذلك فإن مكافحة الفكر المتطرف عملية شاملة لها جوانب ثقافية ودينية وفكرية كما أن لها جوانب سياسية واقتصادية.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال