قصص الكبار بتواضعهم، بأدبهم الجم، بقيمهم الأخلاقية العالية لا تمل. وقد دأب المؤرخون على ذكر المواقف النبيلة التي أعطت الملوك هيبتهم واحترامهم، وبقدر التواضع تكمن العظمة.
روى لي الراحل الوزير هشام ناظر رحمه الله، موقفا عن الملك فيصل يبين مستوى إيمانه بالإنسان والعدل والمساواة، بشكلٍ تجاوز فيه آنذاك حتى سلوكياتٍ غربيّة مسيئة للإنسان!
سعيد آدم، الرجل الهادئ والخلوق، كان واحداً من أوائل المبتعثين السعوديين للدراسة في الخارج. كان موظفاً حكومياً منذ تأسيس السعودية، يقول ناظر إنهم وعندما كانوا في نيويورك مع الملك فيصل لحضور اجتماعات الأمم المتحدة يومها كانت العنصرية لا زالت جاثمةً على صدر الولايات المتحدة الأمريكية، وفي يومٍ من الأيام قرر فيصل الخروج لتناول الطعام مع الوفد المرافق، في أحد مطاعم نيويورك وكان من المرافقين سعيد آدم يومها، وخلال تقديم الطعام قدّم النادل الطعام للملك ومرافقيه واستثنى منهم سعيد آدم لكونه ذا بشرة داكنة اللون، وهو ما دفع الملك فيصل للوقوف وتقديم الطعام بنفسه لسعيد.
هذا الموقف ليس منّةً أو ديْناً من فيصل لسعيد، بل خلقٌ رفيع ودرس أعطاه فيصل لأناسٍ كانوا متخلفين في نظرتهم للإنسان ومساواته، وفي وسط نيويورك، وقلب الحضارة الحديثة.
قصة تروى، للعبرة والاقتداء، والخلق ليس تكلّفاً وإنما طبعٌ سوي، وأدب جم، ودماثة صادقة، هذا هو موقف فيصل الكبير.
*نقلاً عن “عكاظ”