رياض الحبيّب
موقع لينغا
هذه معارضة شعريّة؛ عارضتُ بها، بلسان راهب، قصيدة الشّاعرة العراقيّة الكبيرة نازك الملائكة التي تحت عنوان “في دنيا الرهبان” وتقتضي المعارضة الإتيان بأبيات من وزن القصيدة (وهو هنا بحر الخفيف) ومن قافيتها، لكنّ القصيدة متعدّدة القوافي، ما اقتضى مقابلة كلّ قافية بمثلها
* * *
الشاعرة 1
سِر بنا يا طريقُ نحو حِمى الدَّير فقد نلتقي الرِّضَى والأمنا
فلعلّ الرّهبان قد أدركوا السّرّ المُعَمّى الخافي الذي نتمنّى
الراهب
مَرحَبًا ما الذي تُريدين مِنّا؟ * ليس سِرًّا على الورى ما اٌتّبَعْنا
بكلام الإنجيل نبضُ حياةٍ * في خِضَمّ الوجود رُوحًا ومعنى
– – –
2
هؤلاء الزّهّاد في القُنّة الخضراء حيثُ الحياةُ صَمْتٌ مديدُ
رُبّما كاشَفتْهُمُ الأنجمُ العُليا بأسرارها وباحَ الخلودُ
الراهب
قد صَمَتنا أمامَ رَبِّ البَرايا * خيرُ صوتٍ: صَلاتُـنا والنّشيدُ
نحنُ لا نرتجي مِن النّجم كَشْفًا * عن خلودٍ فالرَّبُّ حيٌّ مَجيدُ
– – –
3
مرحبًا يا رُهبانُ هلْ في حِماكُمْ * مِن حديثٍ عن كنزنا المفقودِ؟
هلْ لمَستُمْ بَريقهُ وشَذاهُ؟ * هل نعِمتُمْ بظلِّهِ الممدودِ؟
الراهب
كنزُنا في السّماء ليس لنا في الأرض شيءٌ للدَّفن أو للدُّودِ
كلّ نور يزولُ إلّـا كلامًا * قالهُ ربّنا لِعَهدٍ جَديدِ
– – –
4
إنَّ في أفْقِكمْ جَلالًـا وشِعرًا * وسُكونًا مُطلسَمَ الأستارِ
وصلاة لله تقطرُ حُبًّا * طهَّرَتْها يدُ الدّموع الغِزارِ
الراهب
ما جَلالٌ إلّا جَلال الباري * وسُكونٌ إلّا لحِفظِ الوقارِ
ما صلاةٌ بدون طُهرٍ وحُبٍّ * وبُكاءٍ على الخطايا الكِثارِ
– – –
5
فلِمَ الحُزنُ والشّحوبُ يطلّـان لديكُمْ مِن أعيُن وشِفاهِ؟
يُلقيان الظّلال فوق وُجُوهٍ * صامتات المرأى خواء الجباهِ؟
الراهب
حُزننا قائمٌ لأنّ أناسًا * لم تُعِرْ للخلاصِ أيّ انتباهِ
والشحوبُ الذي لدينا من الصّومِ ومِنْ خوفِنا أمامَ الإلهِ
– – –
6
ووراءَ الأهداب أستارُ حُزن * وذهولٌ ووحشةٌ لا تنامُ
إنْ يكنْ دَيرُكُمْ عَذابًا وهَمًّا * أيّها الرّاهبون فيمَ المُقامُ؟
الراهب
رُبَّ حُزنٍ لنا يصيرُ سُرورًا * آخِرَ الدّهْر إذ يحُلُّ السّلامُ
ونُجازى على الشّقاء بسَعْدٍ * وعلى دَيرنا ينوحُ الحَمامُ
– – –
7
لم أجدْ في الصّوامع الرَّثَّة الحَيرى عُلُوًّا ولم أجدْ آفاقا
إنّ هذا الجَناحَ يا ديرُ مقصوصٌ فلن يستطيع قطّ اٌنطلاقا
الراهب
العُلوُّ الذي نرومُ لذاتٍ * زهَدَتْ في حياتِها إملاقا
إنْ نطِرْ في السّماء بالرّوح لكنْ * لرضى الرّبّ ننزلُ الأعماقا
– – –
8
أثقلتْهُ رَغائبٌ ثَرَّة حَرّى تبقَّتْ مِن أمسِهِ المدفونِ
واٌشتياقٌ إلى الطّفولة والحُبّ إلى ضَمّةٍ وصَدر حنونِ
الراهب
دَفن الرّاهبُ الرّغائبَ طُرًّا * قبلما صار راهبًا بسنينِ
أيُّ صدر للناس أرحَبُ مِن صدر إلهٍ على الأنامِ حَزينِ؟
– – –
9
أيّها الرّاهبُ الذي يقطع العُمرَ وحيدًا في غرفة منسيّهْ
ليس يدري دفءَ المَوَّدة في عَينين في قرّ ليلةٍ شِتْويّهْ
الراهب
ليتهُ مَنسيٌّ من الناس حتّى الأهلِ في دَيرِهِ وفي البَرِّيَّهْ
كلّ دِفءٍ مؤقَّتٌ، ليس فيهِ * طاقةٌ مِن مَحبّةٍ أبديّهْ
– – –
10
حَدَّثوني عنكم فقالوا: قلوبٌ * نُسِجَتْ مِن وداعةٍ ونقاءِ
ونفوسٌ صِيغتْ من الضّوء والعطر وحامتْ على شفاه السماءِ
الراهب
ألفَ شُكر أميرة الشِّعر إنّا * دُون هذا المديح والإطراءِ
لو درى الناسُ مَصْدَرَ الضوء في النفس لأثنوا على إلهِ الضّياءِ
– – –
11
وحكوا لي عنكُمْ فقالوا: ضياءٌ * وكؤوسٌ مِن الشّذى رُوحيّهْ
وسُمُوٌّ إلى الذُّرى الطّاهرات البِيض فوق الرّغائب البَشَريّهْ
الراهب
كأسُ قانا الجليل أصحَتْ مِن السُّكر قلوبًا عتيقة حَجَريّهْ
هذهِ حالُنا: السّموّ بروحٍ * مِن ضَلال الرّغائب الأرضيّهْ
– – –
12
عَجَبًا أين ما سمِعتُ؟ هنا شوقٌ ونارٌ وأعينٌ مفتونهْ
وهوىً قيّدوهُ عطشان محرورًا فأين السّلامُ؟ أين السَّكينهْ؟
الراهب
ما اٌفتُتِنّا بأيّ مَجْدٍ وزينهْ * غير مَجدِ المسيح والأيقونهْ
فالهوى باتَ خارجَ الدّير مدفونًا لأنّ القلوبَ فيهِ رَصِينهْ
– – –
13
واٌسمُ (تاييسَ) لم يزلْ في شِفاه الرّيح يُتلى على الوجود اللاهي
رمزَ قلب مُمَزَّقٍ بين صَوتين: نداءِ الهوى وصوتِ اللهِ
الراهب
تلكَ قدّيسةٌ تخلّتْ عن اللهو وطَيش الهوى ورَصد المَلاهي
حَرّقتْ كسْبَها أمام عيون الناس لمّا مَشَتْ بخير اتّجاهِ
– – –
14
ما نسِينا غَواية الرّاهب المفتون في حُبّها وكيف هَداها
يا لهُ بائسًا سَما باٌبنة الإثم إلى قمّة السماء وتاها
الراهب
ذهَبَ الرّاهبُ الوقورُ ليَنهاها ولم يُفتَتَنْ بسِحر هواها
فاٌنتهَتْ واٌحتمَتْ بدَير العذارى * لمْ تغادِرْ حُدودَهُ عيناها
– – –
15
أيّها الدّيرُ يا جَديبًا من الحُبّ خواءً من النّدى والحَنانِ
يا غريقًا في الصّمت والوحشة الصّمّاء يا مُقفِرَ الرّؤى والأماني
الراهب
يا اٌبنة النّاس فاٌترُكينا لأنّ الحُبّ لله خالق الإنسانِ
نحنُ أدرى بحالِنا مِن سِوانا * ولنا الحقُّ في اٌختيار المكانِ
– – –
16
حان عن صَمْتِك الكئيب رحيلي * فدُروبُ الحياة خضراءُ حَيَّهْ
وذراعُ الوجود يفرش لي دربًا مِن الخِصْب والظّلال الثّريّهْ
الراهب
فهنيئًا لكِ الحياةُ الهَنيّهْ * وهنيئًا لكِ الدروبُ النّديّهْ
وهنيئًا لنا إذا عَيَّرَتْنا * بتُقانا قصيدةٌ نقديّهْ
– – –
17
وسألقى ربّي هناك بعيدًا * عن دَياجيكَ إنّ ربّي ضياءُ
وطريقي يمتدّ حيث يدُ الله جَمالٌ ورحمةٌ واٌرتواءُ
الراهب
لكِ أن تختاري الطريق التي فيها رُقِيٌّ ونِعمةٌ واٌستواءُ
بارَكَ الله كلّ مَن سار في دربٍ سَويٍّ وبُورِكَ الأتقياءُ
¤ ¤ ¤