جنيفر روبين
يمعن الرئيس أوباما النظر الآن في القشة الوحيدة – اتفاق بوساطة روسية من أجل «الرقابة» على أسلحة الدمار الشامل التي يملكها بشار الأسد، والتي ليس من المفترض أن يملكها ويستخدمها في ارتكاب مذبحة شاملة – لانتشاله من موقف صعب. تحدو المرء شكوك قوية في أن مسار روسيا أصبح جذابا لأن الرئيس أوباما كان على وشك تكبد خسارة فادحة، ربما في مجلسي الكونغرس، بشأن تطبيق مشروع قانون الضربة العسكرية مع سوريا.
ولأجل هذا الإظهار المروع للعجز والافتقار للكفاءة (والذي يوضح لكل شخص لديه شكوك أنه لن يقف مطلقا في مواجهة إيران أو أي معتدٍ إذا ما كان بوسعه أن يجد مبررا)، سوف يجد حاشية في التاريخ. وعلى الرغم من ذلك، فإنه بالنسبة للفوضى التي وجد الرئيس أوباما نفسه فيها، فإنه لن يجد أحدا يلقي باللوم عليه سوى نفسه. وأنا لا أشير فقط إلى خطه الأحمر الخادع أو فن الترويج المقصر المفتقر للكفاءة الذي يتبناه، على سبيل المثال، ليس خطه الأحمر، هجوما «صغيرا بدرجة لا يمكن تصديقها»، أو حتى لسياسته غير المتقنة خلال فترة العامين ونصف العام الماضية، اللذين توفرت فيهما عدة فرص لتسريع رحيل بشار الأسد.
ما أشير إليه هو رسالة سياسته الخارجية الشاملة التي تركت عموم الشعب وجمهور المشرعين في حالة عزوف عن كل أنواع التوريطات الخارجية.
وصف بيل كيلر من «نيويورك تايمز» كارثة العزلة قائلا: العزلة ليست مجرد نفور من الحرب، الأمر الذي يعتبر غريزة صحية تماما.. إنها معارضة أوسع نطاقا للمشاركة وتأكيد المسؤولية واتخاذ الإجراءات. العزلة تنزع لأن تكون تشاؤمية (سوف نحيد عن المسار الصحيح، سوف نزيد الطين بلة) وغير أخلاقية (الأمر لا يخصنا، ما لم يهددنا بشكل مباشر) ومتطلعة للداخل (المساعدة الخارجية إهدار للمال الذي من أفضل إنفاقه بالداخل).
إنه لا يجري الربط بوضوح، لكن من الواضح على نحو مؤلم أن هذا يصف خطاب الرئيس خلال الأربعة أعوام والنصف الماضية وخلال الفترة التي كان فيها عضوا في مجلس الشيوخ. دعونا نلقي نظرة على وصف كيلر.
رفض المشاركة؟ نعم. هذه هي الرئاسة التي منحتنا «القيادة من الصفوف الخلفية». لا سياسة ربيع عربي، لا دعم للثوار السوريين على مدى أعوام، وتبادر إلى الأذهان تأجيل التدخل في ليبيا. هل هو رفض لتقبل المسؤولية؟ نعم. كنا سننهي مشاركتنا في الحروب، بصرف النظر عن العواقب. كانت الأمم المتحدة وأجهزة أخرى متعددة الأطراف ستتولى زمام الأمور. ولم يتحمل المسؤولية بشكل شخصي عن أي شيء تقريبا (ولا حتى عن خطه الأحمر).
رفض اتخاذ إجراء؟ نعم. عند كل مرحلة، حدد أوباما تواريخ نهائية ووجه تحذيرات تتعلق باتخاذ إجراء من جانب الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تحديد موعد نهائي لإنهاء الانتشار في أفغانستان، عملية في سوريا «صغيرة على نحو لا يمكن تصديقه». ويأتي على رأس كل هذا الآن مسار معقد لعدم اتخاذ إجراء بشأن سوريا.
تتوافق الآراء التي استعرضها كيلر مع أوباما على نحو مثالي. تنزع العزلة لأن تكون تشاؤمية (سوف نحيد عن المسار الصحيح، سوف نزيد الطين بلة)، من الثورة الخضراء في إيران إلى تقديم المساعدات للثوار السوريين، أكد الرئيس ومستشاروه مرارا وتكرارا على أن الربط بالولايات المتحدة سيكون عقبة، لا ميزة. وهي سياسة غير أخلاقية أيضا (الأمر لا يخصنا ما لم يهددنا بشكل مباشر)، من الصعب أن نغفل تسامح الرئيس مع مقتل 100 ألف سوري. وهي سياسة متطلعة للداخل (المساعدة الخارجية إهدار للمال الذي من الأفضل إنفاقه بالداخل)، كرر الرئيس ترويجه لفكرة أننا بحاجة إلى «بناء الأمة» في أرض الوطن.
بصرف النظر عن دور الكونغرس في هذا والأخطاء التي ارتكبت في العراق، فإنه بدرجة تفوق أي رئيس آخر منذ الحرب العالمية الثانية، حاول أوباما الانعزال والاقتصاد في النفقات. لقد طلبنا من العالم أن يتطلع لمناطق أخرى، وأظهرنا لحلفائنا أننا لا يعتمد علينا. ربما لا يكون أوباما قد بدأ النزعة الانعزالية، لكنه أججها، مقدما أسسا منطقية للانسحاب المبكر من العراق وأفغانستان والبقاء بمعزل عن مناطق اضطرابات أخرى. الآن مع ترديد المشرعين من الجانبين الرأي نفسه كالببغاء، قد يجد الرئيس ومواطنو نيويورك الأمر مضجرا. وهو مجبر على الادعاء بأن المناورة الروسية هي رد فعلي مشروع لاستخدام أسلحة الدمار الشامل، فيما لا تعدو في واقع الأمر أن تكون أكثر من محاولة رخيصة لحفظ ماء وجهه.
إن صقور المحافظين غاضبون، والمدلولات بالنسبة للأمن الأميركي هائلة. قد يجب أن يبدأ الرئيس ملاحظاته بقوله: «يمكنك أن تنسى كل شيء ذكرته حتى الآن..». لكن مجددا، لا أحد يصدق مطلقا كثيرا من أي شيء يتعين عليه قوله هذه الأيام.
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط