الدين كهوية ذاتية والدولة ككيان موضوعي يبدو انه لا يزال أمامنا نصف قرن من البحث عن الفرقة (الناجية ) !!
يبدو أن الإسلام هو الدين الوحيد في العالم الذي لا يزال يبحث عن دولة (النجاة ) الإلهية، في عالم بشري مترع بالخطايا والعنف والدماء … والجميع يزعم انه الفرقة الناجية عبر التاريخ حتى اليوم …
حيث كان الأمويون أول من احتفظ بالإسلام كهوية ثقافية ، وبنوا الدولة وفق أسسها ( الدنيوية )، فاحتلوا موقعا ركنيا في عالم المكان في عصرهم ، الذي راح يتطور زمنيا إلى ذروة العصر العباسي في القرن الرابع الهجري ذروة (عقلنة العقل العربي ) عبر الاعتزال وقيام العقل الفلسفي، الذي اكتشف استقلالية العالم الموضوعي عن الذات المشاعرية الغيبية المشكلة للهوية الذاتية للأمة في صيغة أبي حيان التوحيدي العظيم ( الدين هو الإيمان الذي لا يتطلب ولا يحتمل البرهان ..) بينما ظلت ساحات الفقه تتصارع وتتذابح بحثا عن ( الفرقة الناجية) التي ستبني ( دولة النجاة الإلهية – دولة الوحي )…
إن أول دولة في العالم الإسلامي في العصر الحديث، بنت الدولة ككيان موضوعي، كمنظومة مدنية حقوقية سياسية إدارية هي تركيا بعد الحرب العالمية الأول، بعد أن تعلمت من عدوها الغربي سر نجاحه وتفوقه عليها، من حيث سبقه للعالم اللإسلامي بقرون في بناء الدولة السياسية الحديثة القادرة على الفصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة ، وعالم الأذهان وعالم لم الأعيان، أي بين دولة الفرقة الناجية ( دولة النجاة الإلهية ) ودولة (المساواة البشرية في صورة كيان المواطنة في عالم الأعيان ، وترك عالم الأذهان والغيب والنجاة الإلهية للذات الإلهية ذاتها الأدرى والأعلم بعالم القلوب والمغيوب ..
حيث جعل المشروع التركي من مقولة ( الدولة المدنية العلمانية عنصرا رئيسيا في بناء الدولة البشرية المليئة بالخطايا البشرية التي تضبطها القوانين الوضعية بوصفها قوانين نسبية بنسبية القيم الفكر ية والبشرية.وليس قيم المطلق الإلهي،. ا الانجار الثاني للدولة التركية فهي ختمها للقرن العشرين وقيام القرن الواحد والعشرين ، بإعادة نسق الهوية الذاتية (الإسلام ) إلى كيان الدولة الحديثة العلمانية، بوصفه نسقا ذاتيا مشاعريا ووجدانيا مناظرا وموازيا لكيان الدولة الوضعي الحقوقي الحيادي…
في سوريا شهدنا في المرحلة (الليبرالية الكولونيالية ) وما بعد الكولونيالية ، مرحلة انتاج دولة الوطنية الديموقراطية الليبرالية المعبرة عن المجتمع المدني في الخمسينات، التي قوضها التيار الشعبوي القوموي (بعثي –ناصري) في الستينات، لتتوج في السبعينات بقيام دولة (الطائفة الأسدية الناجية توحشيا .. حيث أحاطت نفسها بنعيم الثروة الوطنية، تاركة الأغلبية الشعبية والطائفية تسبح في بحر الفاقة والبؤس لتختم المرحلة بتحويل سوريا إلى مستنقعات من الدم بين الأسدية والداعشية ) بعد أن عززت دولة (الطائفة الأسدية ) كيانها في النجاة من السقوط بالتحالف الطائفي مع إيران …
إذا كانت الدولة الليبرالية الوطنية الديموقراطية نتاج المرحلة الليبرالية (الكولونيالية الاستعمارية ، فإن الداعشية ستتوج نموذ الدولة الطائفية ، الأسدية (الناجية من حكم التاريخ الحتمي ) بمشروع الدولة الإسلامية الناجية بصورة الدولة الثوقراطية الدينية الطائفية الشيعية الإيرانية …حيث سيؤسس لمرحلة جديدة قد تمتد لنصف قرن كما امتدت مرحلة الدولة الشعبوية ” القومية واليسارية ( الناصرية والبعثية مع امشاج شيوعية ستالينية) …
الجديد في الصورة أن ثمة استشعارا من قبل نخب من القوميين واليساريين أن تيارهما اصبح مفوتا ومتجاوزا، لكن المشكلة أن ثمة استشعارا لدى الإسلام السياسي أنه جاء عهده وعصره ، بعد أكثر من أربعة عشر قرنا بوصفهم هم (الفرفة الناجية ) المغدورة ، ولهذا نحن نحو حقبة ولادة مرحلة جديدة رغم أنها الأقدم في حياة المجتمع ، عنوانها صراع الفرق الناجية الإسلامية التي ما كان للديكتاتوريات الشعبوية العروبية الفاشية أن تنتج نقيضها إلا في صورة (داعش وأخواتها ) ، فالطائفية الوحشية الأسدية ما كان يمكنها أن تتيح تفتح ورود شباب الربيع العربي المدني الديموقراطي كنقيض لها، إلا بوحشية افتراسية استثنائية قنصا وقتلا وسجونا وتعذيبا …
لكي لا يبقى بديل سوى داعش وتفرعاته الإسلاموية السياسية ، عبر تدمير ممكن استعادة وإحياء المرحلة المدنية الليبرالية الديموقراطية ، ليتم تقويض الأسس الموضوعية لقيام إسلام مدني ديموقراطي كهوية ذاتية ثقافية ، كما هيأت له الدولة العلمانية (الدنيوية التركية ) .ككيان موضوعي في بنائه الحقوقي والقانوني والإداري الحديث ..الأمر الذي أتاح سبقا تاريخيا للتجربة التركية الحديثة التي عمادها الأول “الدولة ككيان مدني علماني ) ، ومن ثم إلإسلام كهوية ذاتية حضارية، لم يتمكن الإسلام السياسي ( الأخواني العربي ) من الإرتقاء إليها ، بسبب تأخر النخب القومية واليسارية العربية المسيطرة، حيث ما كان يمكن لها أن تنتج إلا إسلاما سياسيا متأخرا كقوميتها ويساريتها المتأخرة، التي ما كانت يمكن أن تحمل إلا بديل ( الحالشية والداعشية والأسدية والملتية الإيرانية ) ولو لمرحلة مؤقتة ..
الإ أن هذه المرحلة قد تستمر لعقود من صراع (الطوائف ) تحت عنوان البحث عن (فرقة ناجية ) بين مئات الفرق …غير الموجودة إلا في ضمير الله …حيث في هذه المرحلة لا نملك كمدنيين ديموقراطيين مستقلين سوى الالتفاف حول مشروعنا الذي بدأناه في ربيع دمشق، في التعويل على جيل جديد يعوض الجيل الثوري الشاب الأول، قبل أن تستولي عليه الأحزاب الشمولية (علمانية أم دينية ) التي لا تختلف نوعيا عن السلطة التوحشية الاسدية في نوعيتها السلطوية والتسلطية …