مينزي تشين
خلال الأسبوع الماضي، اقتربت الولايات المتحدة مرة أخرى من شفا تعسر سداد الدين، لنجد العالم يتساءل مجددا عن السبب وراء قيام أي دولة، أقل بكثير من الدولة صاحبة أكبر اقتصاد على مستوى العالم، بتعريض سمعتها المالية للخطر، ومن ثم التأثير على قدرتها على الاستدانة.
وعلى الرغم من تجنب احتمالية حدوث أزمة مالية عالمية في اللحظات الأخيرة، كان هناك تطور جدير بالملاحظة في هذا الصدد يتمثل في سلسلة تحذيرات صادرة عن المسؤولين الصينيين. فقد أخبر رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أنه كان «قلقا للغاية» بشأن احتمالية تعسر الوفاء بالدين. وحذر يي غانغ، نائب محافظ البنك المركزي الصيني، قائلا «يجب على أميركا أن تتحلى بالحكمة لحل هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن». وفي مقال رأي نشر في وكالة أنباء «شينخوا»، وكالة الأنباء الرسمية التي تديرها الدولة، دعا كاتب المقال «العالم الحائر إلى البدء في دراسة تأسيس عالم غير متأمرك».
توضح هذه التصريحات، التي جاءت عنيفة على غير العادة من الصينيين، أن الأزمات المتكررة التي كان يمكن تفاديها باتت تهدد المكانة المتميزة للولايات المتحدة بصفتها مصدر احتياطي العملة الرئيس في العالم والدولة التي لديها (حتى الآن) ديون خالية من المخاطر.
من غير المحتمل أن الصين ستثير كارثة مالية دولية مفاجئة من خلال بيع سندات الخزانة الأميركية – على سبيل المثال – والديون الحكومية الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، فإن مسألة الأزمات المتكررة والتأجيلات المؤقتة لن تؤدي إلا إلى زيادة إصرار الحكومة الصينية على تنويع أرصدتها بعيدا عن الأصول المقومة بالدولار. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الأزمات توفر الدعم للمؤيدين من داخل الحكومة الصينية لزيادة الدور الذي تلعبه عملة الرنمينبي في الأسواق الدولية. سيؤدي كلا الاتجاهين إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على إصدار دين بأسعار فائدة منخفضة للغاية، مع تسريع صعود عملة الصين.
تمتلك كيانات أجنبية – ممثلة في حكومات وشركات وأفراد – ما يقرب من نصف الديون المملوكة للعامة والتي تدين بها الولايات المتحدة. ومن بين احتياطي العملة الأجنبية الذي تملكه الصين والبالغ 3.6 تريليون دولار، فإن نحو 60 في المائة منها ممثلة في الأوراق المالية الحكومية للولايات المتحدة.
في ضوء الارتفاع الجنوني لاحتياطي العملة الأجنبية على مدار العقد المنصرم، حاولت السلطات النقدية الصينية تنويع أصولها بعيدا عن الأصول المقومة بالدولار، بيد أنها حققت نجاحا محدودا في هذا الشأن. ومن الممكن فهم الدافع وراء عملية التنويع هذه؛ فمنذ يوليو (تموز) 2005، ترتفع قيمة العملة الصينية مقابل الدولار، من ثم بالنظر إلى القوة الشرائية المحلية، تفقد الأرصدة المقومة بالدولار قيمتها.
وعلاوة على ذلك، أدت الصراعات المالية في واشنطن إلى إثارة المزيد من القلق لدى السلطات الصينية. وتتمثل المشكلة المسيطرة الأكثر أهمية في عدم استدامة التمويل الحكومي الأميركي على المدى الطويل في ظل غياب الإيرادات الضريبية المدعومة وتقليص الإنفاق.
وعلى الرغم من ذلك، فلدى صانعي السياسة الصينيين مساحة محدودة للغاية للمناورة؛ ففي المقام الأول، يواجه صانعو السياسة مأزق الانغلاق في نموذج تطوير يعتمد بشكل كبير على الصادرات كمصدر للنمو. ومن المعترف به جيدا أن تعديل ذلك الاتجاه إلى نموذج نمو جديد موجه داخليا يعد أمرا مطلوبا. بيد أن هذه العملية ستستغرق وقتا طويلا، مع توقف تحقيق إنجاز حتى الآن بشأن هذا الأمر. ومن ثم، فمن المحتمل استمرار الصين في تجميع كميات أكبر من احتياطي النقد الأجنبي.
ثانيا، معظم الأرباح التي تلقاها مصدرون صينيون مقومة بالدولار، ومن ثم، فإن العملة هي ما يجمعه بنك الصين الشعبي. من حيث المبدأ، يمكن مبادلة الدولار بعملات أخرى قابلة للتحويل، مثل اليورو أو الفرنك السويسري. ولكن أي تحرك نحو بيع دولارات بكميات ضخمة بما فيه الكفاية للتأثير في الأرصدة المقومة بالدولار من المرجح أن يقلل قيمة الدولار بصورة تقلل قيمة الأوراق المالية التي يملكها البنك المركزي.
ثالثا، حتى لو أمكن للصينيين تنويع أرصدتهم متجنبين الدولارات من دون تكبد خسائر في رأس المال، سيكون السؤال – كما هو الحال دائما – ما البديل؟ السندات الحكومية التي تصدرها ألمانيا وسويسرا وبريطانيا آمنة، لكن فقط لا توجد الكميات الضخمة بالصورة الكافية من تلك الأوراق المالية المتاحة للشراء.
* أستاذ شؤون عامة واقتصاد بجامعة ويسكونسن، ماديسون، شارك مع جيفري فريدن في تأليف كتاب: «عقود ضائعة: صناعة أزمة دين أميركا والانتعاش الممتد»
* خدمة «نيويورك تايمز»
منقول عن الشرق الاوسط