فكرة مرعبة بالفعل أن يمتلك الغوغائيون ميزة أنّهم الأكثر عدداً . مؤلم بالفعل أن يمتلك الأغبياء الحق في حرمانك أو منحك حقوقك لا لميزة ألاّ أنهم أكثر عدداً بفعل عامل التصحر الفكري في مجتمعك .
فكرة مرعبة أن تخضع الحقوق لمبدأ الأغلبية في مجتمعات مزدهرة بالخرافة و تعج بالجهلاء والعنصريون ، بحيث لا يحق لك حتى الإعتراض لو قرّرت الغالبية الفتك بك لأنك كافر أو مهرطق من وجهة نظرهم .
فكرة أكثر رعباً أن تُفهم الديموقراطية على نحو ساذج وسطحي بأنّها دكتاتورية الأغلبية في إستبعادٍ تام لمضمونها الثقافي والإجتماعي والمعرفي والتوافقي العميق .
فكرة مرعبة وجود تلك الترسانة المهولة من الكلمات الفضفاضة ـ ذات القابلية الخصبة والغير محدودة لإستيلاد وتفريخ عشرات ومئات الدلالات ـ في نصوص قوانيننا ، بحيث يتحكم فيك بناءً عليها عسكري بالكاد يجيد فك الخط ، بحيث تجد نفسك تحت رحمة تأويل هذا العسكري لكلمات عائمة مثل مخل بالأمن العام ، ضد قيمنا وتقاليدنا ، يهدم أسس المجتمع يهتك الخصوصية الثقافية يزدري بالأديان… الخ يُمكن أن تُحشر بأيٍ منها بمنتهى السهولة .
فكرة مرعبة أن تجد بعض المتعلمين ودعاة الدولة العلمانية ينساقون ـ إمّا بدافع من موروثات تنشئتهم الإجتماعية أو رغبةً في ممالئة ( الجماهير ) ونفاقها سعياً وراء كسبٍ سياسيٍ رخيص أو جهلاً بمضمون العلمانية والديموقراطية التي يتبنونها ـ وراء القطيع ويرددون كلمات مثل : هويتنا ، عروبتنا ، إسلامنا ، حضارتنا ، شرفنا ، خصوصيتنا ، إرثنا … الخ
فكرة مرعبة أن تجد البعض يُعبُّون من أنهر الحداثة الرقراقة ومن منتجاتها التكنلوجية بل والإنسانية والإجتماعية ، وعندما تتعارض مع مصالحهم يرفعون عقيرتهم بالصياح ( حافظوا على هويتنا من الطمس ) ويستخدمون أكثر الكلمات رعباً لوصف العولمة ولتخويف الاخرين منها وهم غارقون حتى النخاع فيها.
***
حقوق الإنسان غير قابلة للتصويت فكما أسلفنا القول : لو خضع الإنسان لفكرة الأغلبية لما كان هناك أديان ولا فلسفات ولا تغيير ، ولكانت حياة الإنسان سلسلة طويلة من الجمود عند مرحلة بعينها ، ولقُضي على مبدأ التطور أساس الحضارة الإنسانية .
فالأديان والفلسفات الكبرى بدأت على يد أقلية أُتُّهِمت بالهرطقة والتجديف والشذوذ عن القطيع . و الحقوق لا تخضع لرأي الأغلبية ، فحقوق (س ) من البشر هي حقوق حتى ولو رفض الأغلبية الإقرار بها ، فالزنوج بالولايات المتحدة الأمريكية كان من حقهم أخلاقياً ومنطقياً منذ الخمسينات من القرن الماضي وما قبلها أن يتمتعوا بكافة الحقوق الطبيعية والمدنية رغم إعتراض غالبية الأمريكيين آنذاك على تمتعهم بحقوقهم ، ولو كانت الحقوق تخضع لمبدأ الأغلبية لربّما لم ينل السود حقوقهم إلى اليوم
بإختصار لا تصويت لك فيما لا دخل لك به ، أي لا يمكن أن تُصوِّت ( تستخدم الأغلبية ) على حق فرد ما في إتِّباع سلوك أو تبني قناعة ما لا تمسك أو تتداخل معك بدائرة واحدة ، فلا يمكن أن يُستفتى المواطنون على إلزامية الحجاب من عدم الزاميته ، ولا يمكن أن يتم التصويت ( إستخدام الأغلبية ) على قتل فلان أو عدم قتله .
التصويت يكون على قرار أو سلوك أو تشريع يمس أو يتأثر المصوِّتون به ، مثل إنتخاب رئيس دولة ، سن الدساتير المحددة لنظام الدولة ومبادئها وأسس قوانينها …
ومن يريد أن يُصوِّت على زي المرأة وعلى معاقبة من يعلن عن دين مخالف لدين الاغلبية هو كمن يصوِّت في إنتخابات نقابة الأطباء وهو يعمل مهندساً ، إذ كما أنّه لا دخل لك بوصفك مهندساً في شؤون الأطباء فإنّه لا دخل لك في حرية تعبير فرد ما أو ما يفعله بجسده أو مايقتنع به ، طبعاً ما لم يتسبب لك ذلك بضرر مادي ( عنف ) واضح ومباشر لا يقبل التأويل مثل القول بأنّ قناعتك تجرح شعوري لذلك سأمنعها بالقانون ، فلو عاقبنا على جرح الشعور وايزاء المشاعر وإعتبرنا ذلك عنفاً فما الذي يمنعنا من معاقبة فتاة جرحت مشاعر شاب برفضها للزواج منه ؟! .
ومن هنا فإنّ الديموقراطية ليست إستبداداً بإسم الأغلبية ، وعندما يُطالب المفكرون بحقوق المضطهدين ثقافياً أو سياسياً أو إقتصادياً بناءً على كونهم أقلية مكروهة من قبل الأغلبية فهذا لا يعني أن ذلك المفكر قد نصّب نفسه وصياً على المجتمع ، فحماية حقوق الأقليات هي تقليد ديموقراطي راسخ ، بل لا ديموقراطية من غير حماية حقوق الأقليات
وهي أيضاً ـ الديموقراطية ـ ليست دعوةً لإتِّباع القطيع والتماهي معه في القناعات والممارسات، فالفردانية والإستقلالية وحق الإنفراد بالرأي والتمرد على القطيع وحرية الفرد في جسده إحدى ثمرات وتجليات الديموقراطية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !