مع مطلع القرن الماضي حدث موت للخلافة العثمانية الظالمة, وعندها استولت بريطانيا وفرنسا على ولايات الشرق الأوسط, وأسرعا لرسم حدود جديدة لتلك الولايات, لتقسيم تركة العثمانيين فيما بينها, حيث قررتا إنشاء أنظمة دكتاتورية, لتستمر تلك الأنظمة تقريبا مائة عام, حكمت البلدان العربية بالحديد والنار, والحديث عن العراق حيث ذاق العراقيون الويلات, وأبشع أنواع القهر والإذلال فكانت الأمور تتجه من السيء الى الأسوأ كلما توغلنا في أوراق التاريخ, مع تصاعد لبناء الدكتاتوريات, حتى كان يظن الكثيرون أن الحكام مخلدون, ونحن كنا نرى صدام يزداد قوة حتى تعاظمت جيوشه الخاصة, والتي مهمتها الدفاع عنه وعن عائلته, كالحرس الخاص والمخابرات والفدائيين وتنظيمات حزب البعث.
ومع دخول الألفية الثالثة قررت القوى العالمية إدخال الديمقراطية بالقوة لبلدان الشرق الأوسط, مع بعض الاستثناءات, حيث تركت أنظمة الخليج بعيدة عن رياح التغيير, مقابل دفع مبالغ كبيرة جدا, وكانت البداية في العراق حيث تم إسقاط النظام الدكتاتوري بالقوة العسكرية, ودخلت القوات الغازية على أنها محررة للشعب من السلطان الظالم صدام, مع إنها هي من كانت تدعمه وهي من أطالت عمر حكمه, لكن دوره في اللعبة انتهى, وهكذا جاءت الديمقراطية بمضلة أمريكية بريطانية, ولك أن تتصور أي ديمقراطية يمكن أن يهبوا العراق.
كانت الجماهير فرحة مستبشرة بعد الخلاص من صدام, وتحلم بنظام ديمقراطي يجلب لهم كل خير, ويصلح حياتهم التي فسدت في عهد صدام.
من أهم التصريحات التي تكشف نوع الديمقراطية الممنوحة للعراق من قبل السلطة الأمريكية, وهو تصريح وزير الدفاع الأمريكي بعد إحداث النهب التي حصلت بعد دخول القوات الأمريكية لبغداد, حيث قال ما جوهره أننا منحنا الحرية للعراقيين, ومن الحرية أيضا فعل الشر, ومن هذا التصريح لمسئول أمريكي كبير ينكشف لنا أن ما تم منح للعراقيين هو الفوضى لا غير, والتي يسموها بالفوضى الخلاقة! والتي ستنجب كيان غريب تحت شعار الديمقراطية الحرة.
أن الحرية لا تهب من الأخر بل تكتسب, والديمقراطية لا تفرض بل هي نتاج تطور الوعي, وإلا غدت ذات ارتداد عكسي تخريبي وليس نهضوي.
لقد نتج عن الديمقراطية العراقية المشوهة تشكل حلف بين خليط من الأحزاب, تعمد على تشكيل حكومة بعد كل انتخابات, وتتقاسم المواقع في كل مؤسسات الدولة, باعتبار المؤسسات الحكومية هي الغنيمة, ويتم تقسيمها حسب التمثيل النيابي, فاختفى ما يسمى بالمعارضة, وتحول الكل الى فائزون يتقاسمون بينهم الغنيمة “مؤسسات الدولة”! حتى انه فتح مزاد للمناصب وقضيته معروفة وليست سر, بل أن الموازنة العامة وتخصيصاتها تصبح المغنم المنتظر كل عام, والتي على أساسها يحتسب مقدار المكاسب التي تحققها أحزاب السلطة, وتحولت كل عقود الدولة الى أعمال تجارية للأحزاب والقيادات الكبيرة, فالفساد تحت مضلة الديمقراطية البشعة انتشر وما عاد يمكن إيقافه, فهو كالسرطان لا يوقفه الا الاستئصال.
أن الديمقراطية المشوهة أنتجت نظام حكم فاسد, وأحزاب سلطة لا تؤمن بالديمقراطية حسب ايدولوجياتها ونظرتها لنظام الحكم, لكنها تستفيد منها, وقيادات لا تفهم الديمقراطية, لكنها تتمسك بها بسبب حجم المكاسب التي حققوها طيلة 15 عاما باسم النظام الديمقراطي, لذلك عملوا على تشريع قانون انتخابات يضمن لهم دائما التواجد والفوز بالمناصب.
السؤال الذي نطرحه هنا: هو الديمقراطية لمن انتصرت؟ ومن خسر منها؟
الجواب بسيط إن المنتصر منها هو أحزاب السلطة فقط, حيث تعاظمت أرصدتهم وأصبحوا طبقة واسعة من الأغنياء جدا, بعد أن كانوا قبل 2003 مجرد صعاليك الا ما ندر, اليوم يملكون العقارات في الخليج وأوربا, والشركات التي تعود لهم عبر وسطاء هنا في العراق وفي الخارج, والحسابات المصرفية غير المسبوقة بتاريخ العراق بمليارات الدولارات, هذه مكاسب الطبقة السياسية من الديمقراطية, لذلك كلهم يتشدقون بالديمقراطية ويمدحون نظامها فقط لأنها انتصرت لهم.
أما الخاسر فهي الأغلبية العراقية, انه الشعب العراقي الذي لم تحل مشاكله, فبقي نظام التعليم متراجع جدا, والنظام الصحي متدهور جدا, والبطالة نسبها في ارتفاع, وأزمة السكن في تضخم مخيف, بل حتى الحصة التموينية تلاعب بها حلف الأحزاب المستبد ولم تعد نافعة للعائلة العراقية كما كانت في زمن الطاغية صدام, فالأموال في زمن الديمقراطية تم نهبها من قبل الطبقة السياسية ومن يتزلف لها, وخسر العراق وشعبه من نتاج النظام الديمقراطي المشوه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب اسعد عبدالله عبدعلي
العراق – بغداد